"الجلسة الأولى": أهداف السعودية ومكاسب جعجع بترشيح معوض

منير الربيع
الجمعة   2022/09/30
ترشيح ميشال المعوض من شأنه أن يعيد بعضاً من الحرارة إلى قوى 14 آذار سابقاً (علي علوش)

أكثر من هدف يمكن تسجيله على وقع مجريات الجلسة الأولى لانتخاب رئيس جديد للجمهورية. أهداف متعددة، سعت أطراف متقاطعة إلى تحقيقها، وكان أبرزها ترشيح ميشال معوض والتصويت له من قبل حزب القوات اللبنانية والحزب التقدمي الاشتراكي وحزب الكتائب، ونواب مستقلون من المسلمين والمسيحيين. تتوزع الأهداف على قوى داخلية وخارجية. ليس صدفة أن يقع الاختيار على ابن رينيه معوض. فرمزيته أنه ابن أول رئيس للجمهورية في ظل اتفاق الطائف. وهنا ثمة معيار لبناني ومعيار سعودي لا بد له أن يتقاطع مع كل المواقف السعودية إزاء الحفاظ على هذا الاتفاق. وليس صدفة أن يأتي ذلك بعد موقف سعودي واضح بالتشدد في الحفاظ على الاتفاق والتمسك به، بالإضافة إلى البيان السعودي الفرنسي الأميركي المشترك.

السعي السعودي
الحفاظ على الطائف أيضاً كان قد أكده وليد جنبلاط بعد لقائه بالسفير السعودي الأسبوع الفائت. وهو ما تركّز عليه اجتماع دار الفتوى. وعليه فإن هذا أول هدف سياسي أريد تثبيته، بغض النظر عن نتيجة الانتخاب، وبغض النظر عن مآلات ترشيح معوض والاستمرار في ذلك، ومدة هذا الاستمرار، وصولاً إلى البحث عن تسوية على شخصية توافقية غيره عندما يحين الظرف.

الهدف الآخر والذي لم يتحقق بوضوح، هو سعي سعودي إلى توحيد أكبر قدر من النواب على موقف واحد وكلمة واحدة، أولاً من خلال تثبيت معادلة الثلث المعطل الذي يمنع حزب الله من انتخاب شخصية متحالفة معه أو يريد إيصالها لرئاسة الجمهورية. وهذا مسار مستمر منذ الانتخابات النيابية إلى ما تلاها من استحقاقات وصولاً إلى الاستحقاق الرئاسي. وهو لم ينجح في انتخاب رئيس مجلس النواب ونائب الرئيس. وقد تكرر ذلك في جلسة انتخاب الرئيس خصوصاً، بفعل تفلت عدد من النواب السنّة عن الإجماع لدى القوى المتحالفة مع السعودية على اسم ميشال معوض، لأن معوض الذي حصل على 36 صوتاً كان بإمكانه الحصول على 40 لو حضر النواب الغائبون، وبذلك يبقى الثلث المعطل بحاجة إلى ثلاثة نواب. الهدف الأبعد من خلق هذا الثلث هو محاولة إعادة انتاج توزان سياسي مستند على هذا الثلث. ما يوجب البحث عن قواعد جديدة لإنتاج تسوية رئاسية مستقبلية. هذه القواعد أعادت منح حزب الله ورقة قوة رئاسية في قدرته على تحشيد أكبر قدر من النواب لاحقاً.

مكاسب سمير جعجع
في الأهداف الداخلية، يبدو سمير جعجع أنه أكثر من كسب في هذه المعادلة. فخيار معوض بالنسبة إليه، من شأنه أن يعيد بعضاً من الحرارة إلى قوى 14 آذار سابقاً، لا سيما في ظل التقاطع مع الاشتراكي والكتائب والمستقلين. فيما الهدف الثاني هو وضع جعجع لمعوض في مواجهة سليمان فرنجية، أي مرشح من زغرتا في مواجهة مرشح آخر من المدينة نفسها. ثالثاً والأهم على الصعيد الزغرتاوي، فإن جعجع ينقلب على تاريخ عميق من الصراعات بين بشري وزغرتا منذ أيام "المقدمين". وهو أحد الذين حملوا الكثير من أوزار هذه الصراعات في إطار الصراع بين القوات اللبنانية والمردة. فبذلك يفتح جعجع صفحة جديدة مع زغرتا، كما هو الحال بالنسبة إلى الصفحة التي فتحها سابقاً مع سليمان فرنجية عند عقد المصالحة بينهما في البطريركية المارونية في بكركي، في شهر تشرين الثاني 2018. حالياً يتصالح جعجع مع المستقلين الذين كان قد اختلف معهم إبان دخوله في التحالف مع التيار الوطني الحرّ أو في اتفاق "أوعا خيك".

هي مصالحة، تأتي بعد إقدام جعجع على تحصيل براءة سياسية من مصالحته مع فرنجية سابقاً، ومن مصالحته مع التيار الوطني الحرّ وإيصال ميشال عون إلى بعبدا، وتوقيع اتفاق مكتوب ومعلن تلاه جعجع على مرأى ومسمع اللبنانيين ووافق عليه عون، فيما نجح جعجع باتهام عون بالإنقلاب على هذا الاتفاق بعيد وصوله إلى بعبدا. لكنه اتفاق كانت له نتائج إيجابية على رئيس حزب القوات بعد سنوات طويلة على اتهامه من قبل عون والعونيين بأنه ميليشيا، فيما احتاج عون للتحالف مع هذه الميليشيا للوصول إلى بعبدا. وبوصوله إلى القصر الجمهوري غرق عون بلعبة السلطة وسقطت نظرية الإصلاح والتغيير.

هدفان آخران
كل هذه الأهداف، لا يمكنها أن تخفي هدفين آخرين أيضاً في المسار السياسي الذي ينتهجه جعجع، سواء في المصالحات التي عقدها، أو في تصفية الحسابات السياسية، كما نجح في طرابلس من خلال توفير نجاح مرشح القوات ايلي خوري في مقابل إسقاط فيصل كرامي. ولهذا رمزية كبيرة وواسعة المدى رداً على كل الاتهامات التي يوجهها كرامي وحزب الله وحلفاؤه بأن طرابلس تنبذ جعجع بسبب اغتياله للرئيس رشيد كرامي. حساب آخر نجح جعجع بتحقيقه وهو تأمين فوز كميل دوري شمعون في الانتخابات النيابية وضمه إلى كتلته، وبذلك يكون قد صفى حسابه مع كل الذين يتهمونه باغتيال داني شمعون.