صلاح حنين رئيساً لا يريد حصصاً وزارية ولا نيابية

دنيز عطالله
الخميس   2022/09/29
"لديّ حلم" ومتمسك بـ"البراءة" السياسية (المدن)
"كنت صبياً عندما سمعت للمرة الأولى خطاباً شهيراً للمناضل الاميركي مارتن لوثر كينغ يردد الكلمات التي أضحت متلاصقة مع صورته: لدي حلم". فدهشت بإرادة الرجل لإبراز رؤيته عن مستقبل المجتمع الأميركي رغم التحدي العظيم. طبعت صورته وكلماته وعزمه في ذهني منذ ذلك الحين. فالحلم حق للجميع. أما في لبنان، فيكاد أن يصبح واجباً. وليته يتحول حقيقة".

هذا الكلام من مداخلة للنائب السابق صلاح حنين أمام مجلس الشيوخ الفرنسي في باريس، في فترة نيابته بين عامي 2000-2005.
فهل يحمل الحلم صلاح حنين إلى رئاسة الجمهورية فيحقق رؤيته؟

بدا التداول مؤخراً باسم حنين مفاجئاً إلى حدّ ما. فهو يبدو على مسافة من الحياة السياسية والشأن العام، أقله، منذ نحو من سنتين.

لكن أصدقاءه يؤكدون أن الرجل "لا يمكن أن ينسحب من الحياة السياسية؛ فهي ليست هواية بالنسبة إليه يمارسها في أوقات الفراغ. إنها، في عُرفه، التزام ومتابعة وانحياز دائم للناس والحق والخير العام. أما قراره بالتراجع قليلاً فمرده إلى كثافة الغبار الذي يلف الحياة السياسية ويستدعي انكفاءً مرحلياً لتحكيم العقل بعيداً عن صخب الخواء".

لا صداقة في السياسة
أصدقاء حنين، معظمهم من خارج الطبقة السياسية. فهو لا يؤمن بالصداقات في السياسة. "فهي قد تؤثر على القرارات والمواقف السياسية ، ولو بقدر قليل. لذا يَفترض النبل والجدّية في ممارستها الإبقاء على مسافة من كل ما يمكن أن يؤثر على قناعات الإنسان".

تنسحب نظريته هذه على "حصة" رئيس الجمهورية من نواب ووزراء. يُنقل عنه رفضه المطلق "لأن يكون لأي رئيس للجمهورية حصصاً نيابية أو وزارية. هذا يحيله حكماً إلى طرف وفريق، مهما كان حجم كتلته ووزرائه. أما المطلوب فهو أن يحافظ الرئيس على الدستور. أن يحرص في مجلس الوزراء على بث روحيته، فلا يضع خطوطاً حمراء تعرقل العمل إنما خطوطاً زرقاء مفتوحة على أفق الإنجاز والعمل. عليه أن يراعي التوازنات في التمثيل، لكّنه يشترط على كل الأفرقاء مواصفات ومعايير لممثليهم في الحكومة، فيتنافسوا على تقديم الأفضل والإنجاز. عليه أن يكون محركاً ومحفزاً على التوافقات لمصلحة البلد في مجلس الوزراء كما في المجلس النيابي. ومن المستحب أن ينزل الرئيس إلى المجلس فيخاطب النواب من وحي الدستور ويحثهم ويوجه بوصلتهم نحو أولويات الناس والوطن".

وصل ما انقطع
صلاح إبن ادوار حنين الكاتب والوزير السابق وأمين عام"الجبهة اللبنانية"، ترشح منفرداً على الانتخابات النيابية عام 1996. لم يوفق حينها، لكنه نال 5400 صوتاً، ما جعل كل اللوائح المتنافسة عام 2000 تتواصل معه.

لم يكن حصوله على هذا الرقم صدفة. فمنذ وفاة والده عام 1992 أعاد وصل ما انقطع مع أهله في الغبيري وبرج البراجنة وتحويطة الغدير، مسقط رأس جده، الذي انتقل في مرحلة لاحقة إلى كفرشيما، فكان أبناؤه الكبار مسجلين في برج البراجنة، بينما صغارهم، ومنهم أدوار والد صلاح، مسجلين في كفرشيما.  

بين جنبلاط و"قرنة شهوان"
قبيل انتخابات عام 2000 رتّب أحد الأصدقاء المشتركين لقاء بين وليد جنبلاط وحنين . يومها سمع للمرة الأولى من جنبلاط كلاماً عالي السقف ضد الوصاية السورية على لبنان ووجودها العسكري. توافقا سريعاً مشترطاً فقط عدم انتسابه إلى "جبهة النضال الوطني".

لاحقاً تشكل "اللقاء الديموقراطي" ومع احترامه لجنبلاط  ولـ"اللقاء" إلا أنه صوّت ضدّ خياراته في 4 محطات: مرة رفضاً لإعطاء الثقة للحكومة وثلاث مرات ضد الموازنة .

بعد انتهاء ولاية المجلس أصدر كتاباً لخّص فيه أبرز نشاطه السياسي والمجلسي حمل عنوان "باسمكم.. دفاعاً عن الحق والسيادة والحرية". وفيه اقتراحات القوانين التي قدّمها والاستجوابات إلى الحكومة، كما ملخص عن بعض كلماته في المجلس أو مواقفه السياسية.
كان "بديهياً" أن يختار الانضمام إلى "قرنة شهوان" ولاحقاً إلى "لقاء البريستول". ولكن ما لم يكن بديهياً، وفق سلوكيات السياسيين اللبنانيين، أن يتقبل عدم ترشيحه عام 2005 ويعمل للائحة التي تمثل أفكاره، متمسكاً بقناعاته وملتزماً بـ"الخيارات الوطنية الثابتة".

متمسك بـ"براءته"
يأخذ بعضهم على حنين "براءة" سياسية تجعل طروحاته أحياناً مثالية، لا تجد ما يحاكيها في تفاصيل ومماحكات السياسة اليومية.

وهو يتمسك بمفهوم "البراءة" هذا "إن كانت تعني الإيمان بالقدرة على إخراج لبنان من هذه الوحول، والتواصل بين اللبنانيين وتأمين حقوق الناس في عيش كريم وإزدهار وبحبوحة، وإعادة المعنى لفكرة لبنان المدرسة والجامعة والمستشفى والثقافة والمسرح والفنون. بهذا المعنى أنا بريء، ومن حقي وحقنا جميعاً أن نحلم ببلد يليق بأبنائنا"، يجيب أصدقاءه.

يقرأ حنين كثيراً، ليس فقط لكونه سياسياً ومحامياً إنما لهوى في النفس ومتعة وهي واحدة من هوايات قليلة متبقية ربما، أبرزها السير على دروب كل مناطق لبنان واكتشافها.

هذا ما كان يفعله مع عائلته الصغيرة، زوجته البلجيكية من أصل كولومبي استريد أوب دين بوش وولديه إدوار وإناس، فيتعلمان حب البلد من دون تلقين وفرض، وهما اليوم يتابعان حلمهما في المملكة المتحدة حيث سبقهما والدهما إليها لينال حنين الدكتوراه في القانون الدولي من جامعة ساوثامبتون.

لحنين رؤيا متكاملة لإدارة الدولة والبلد. وقد عبّر مراراً عنها على امتداد سنوات. وهو الذي يفتخر في مجالسه أن "يده خضراء"، كجده المزارع، تنبت ثمراً في حديقة يهتم بها بنفسه، هل يكون ليده التأثير نفسه على أرض لبنان التي تحولت بوراً؟

قد يصح، بعد الفصل الأول من "ملهاة" إنتخاب رئيس اليوم، استعادة ما قاله ادوار حنين "لنسارع إلى اختيار ما نريد لئلا نجد أنفسنا ملزمين على القبول بما يراد لنا".