ذكرى نداء 20 أيلول: "كان يوماً وطنياً وكنسياً مجيداً"

دنيز عطالله
الثلاثاء   2022/09/20
وقف المطارنة وراء بطريركهم وأمام شعبهم ليطالبوا بالاستقلال وليحذروا من خطورة الاوضاع الاجتماعية (علي علوش)
"أما وقد بلغ الوضع في لبنان هذا الحدّ من التأزّم، فأصبح من الواجب الجهرُ بالحقيقة، من دون مواربة أو تحفّظ، على ما هي راسخة في النفوس"...

هكذا استهل بيان المطارنة الموارنة في 20 أيلول من العام 2000 نداءه الشهير، الذي طالب بانهاء الوجود السوري من لبنان، وأمّن الغطاء والحاضنة لمناخ سياسي معارض، فكان "لقاء قرنة شهوان"، وبعده "لقاء البريستول"، ليأتي استشهاد الرئيس رفيق الحريري فيكتب الفصل الاخير، محلياً، للوجود السوري، ويطلق شرارة ما سمّي "الاستقلال الثاني".

اليوم بعد 22 عاماً، يقول أحد كبار آباء الكنيسة لـ"المدن": "كان يوماً وطنياً وكنسياً مجيداً. يومها، وقف المطارنة الموارنة خلف بطريركهم التاريخي نصرالله صفير، وأمام شعبهم، ليطالبوا بالخروج السوري من لبنان، واستعادة السيادة والقرار الحر".

يضيف "لم يتوقف اللبنانيون، في حينه، عند ما كانت الكنيسة تستشعره على المستوى الاقتصادي والاجتماعي. وهو كلام لا يزال صالحاً بعد أن تم اهمال كل المؤشرات التي كان من الواضح أنها ستوصلنا إلى هذا الدرك".

الوضع المزري
للدقة، فقد توقف نداء ايلول الـ2000 عند الوضع الاقتصادي مستخدماً توصيفاً يبدو شديد الآنية. قال: "لم يعرف لبنان، حتى إبان المعارك، وضعاً اقتصادياً مزرياً كالذي يعرفه اليوم. وقد دلّت إحصاءاتٌ جدّية على أن نصف الشعب اللبناني أصبح يعيش تحت عتبة الفقر. وهناك مصانع تقفل أبوابها وتسرّح عمّالها، ومدارس خاصة يتناقص عدد طلابها لعجز أوليائهم عن تأمين أقساطهم، فتُضطرّ إلى إلغاء تعاقدها مع بعض الأساتذة فيها وإلى صرفهم. وهنا خرّيجو جامعات يحملون شهادات عليا يلجأون إلى السفر إلى الخارج بحثاً عن عمل لا يجدونه في وطنهم لبنان، ومنهم من يُكتب عليهم ألا يعودوا إليه لاحقاً".

ليخلص إلى أنه "ما من اقتصاد سليم من دون سياسة سليمة. وإذا كان الاقتصاد اللبناني قد تدهور إلى هذا الحدّ، فلأنه محكوم بسياسة أدّت إلى هذا الوضع المؤلم". 

خوف على هوية البلد
يتفق أكثر من مسؤول كنسي، ومنهم كثر عايشوا تلك المرحلة بتحدياتها وتهديداتها، على أهمية نداء المطارنة في ذاك الأيلول، لكنهم يجمعون ايضاً على "وجوب التفكير في كيفية الخروج من أزماتنا الراهنة وسبل المواجهة في السياسة والاقتصاد والاجتماع"، حسب احدهم. يضيف: "في زمن الوصاية السورية كان الخصم خارجياً يدير البلد وفق مصالحه، فكان يسهل المطالبة بإخراجه ورفع يده عن لبنان. أما اليوم فالمؤسف أن أبناء البلد هم من يرهنون قراره إلى دول خارجية، فتُسيّرهم بما يتلاءم مع مشاريعها، حتى لو تعارضت مع مصلحة لبنان وبنيه".

ويبدي تخوفه من أن "تؤدي الأوضاع الاقتصادية المنهارة إلى انهيارات متتالية في السياسة والأمن، فيُفرض على اللبنانيين مشاريع وسياسات ليس أبسطها الفراغ في كل مفاصل الدولة ومراكزها ومؤسساتها وصولاً إلى تغيير هوية البلد وروحية نظامه".

الأمانة لإرث لبنان
يؤكد أن "الكنيسة اليوم، وعلى رأسها البطريرك بشارة الراعي، مؤتمنة على إرث وطني عمره من عمر وجودها في لبنان، وهي ستبقى تطلق النداء تلو النداء وصولاً إلى استعادة لبنان الحرّ المستقل والمزدهر حيث يعيش أبناؤه في فيء دولة عادلة، ديموقراطية، متساوون بالحقوق والواجبات".

في هذا الإطار قد يكون صالحاً، إلى اليوم استعادة ما ختم به المطارنة الموارنة نداء 20 أيلول حين كتبوا: "علينا أن نتحلّى بأقلّ قدر من الصراحة والتواضع لنعترف بأننا جميعاً أخطأنا إلى بلدنا عن أنانية، وجهل، وقصر نظر. ونال كل منا نصيبه من قهر، وإذلال، وامتهان، وخسارة، وتدمير. وقد آن الأوان لفحص ضمير جدّي، واتخاذ العبر مما جرى، والسعي إلى حلول تنقذ الوطن من التفكيك الذي يبدو أنه يسرع الخطى إليه. وعلى جميع اللبنانيين أن يعملوا متضامنين للحيلولة دون وقوع ذلك".

قبل 22 عاماً وقع كلام الكنيسة على "أرض جيدة فأثمر" تراكماً وصولاً إلى الاستقلال الثاني. ترى هل بقي بعض من بذار صالحة لتزهر وتنمو "وتنقذ الوطن من التفكيك الذي يسرع الخطى إليه"، أم أن ما تبقى "طلع على أرض صخرية رقيقة التربة، فطلع سريعاً لأن تربته لم تكن عميقة، ولما أشرقت الشمس، احترق ويبس لأنه كان بلا أصل"؟ على ما يقول الانجيل.