حزب الأيلوليين الجديد

أحمد جابر
السبت   2022/09/17
العودة إلى مسقط الرأس الاجتماعي بكل محمولاته (مصطفى جمال الدين)

يحتفل مقاتلو جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية بذكرى 16 أيلول من كل عام، فيعيدون التذكير بتضحياتهم، ويشدّدون على أنهم كانوا ذوي الدور الحاسم الأول، في إطلاق نداء المقاومة، وفي المبادرة إلى تنفيذ مهمّاته.

وتحتفل أحزاب جبهة المقاومة الوطنية بالذكرى، فتقول الماضي بفخر، وهذا حقّها، وتَعرِضُ عن قول الحاضر الذي لا يحمل لها أي اعتزاز أو فخر. إذن، ومع تفهّم أسباب الاحتفالية السنويّة، بات الموضوع في مكان الحاضر، وفي أمكنة المستقبل، وهذه الأمكنة لا تتّسعُ لمكان الماضي، إلاّ بمقدار ما يكون هذا الأخير متّصلاً بواقع قواه الجديد، وبمقدار ما يكون عاملاً مساعداً في فهم مجريات هذا الجديد، الذي تختلف ظروفه، وتختلف أجياله، وتختلف مهماته.

مسألة التجاوز الفكري والعملي، مهمّة حزبية أولى، ومسألة إحالة التاريخ القتالي إلى التاريخ، مهمّة حزبية ثانية، والعودة إلى مسقط الرأس الاجتماعي، بكل محمولاته، هو المهمّة التي لا تتقدم عليها المهمات الباقية. يفتح الأمر على سيرة مراجعة وسيرة تصحيحات، في السياسة وفي التعريفات، كذلك يفتح على سيرة التخلّص من ممارسات يوميّة، تخاطب الوهم، إذ تستحضر "أمجادها"، وتحدّث "الفراغ"، إذ تُمعِن في انتظار أحلامها.

تصحيح الإسم وملاحقه:
العودة من الماضي، عودَة حاسمة، تفرض تسمية أشياء 16 أيلول عام 1982 بأسمائها، مثلما تقتضي الفرز بين مصدر القرار الحزبي، وبين ما أنشأه القرار من أجسام وهيئات نضالية وعملية. بناءً عليه، وبالرجوع إلى الأصل، نذكر أن جبهة المقاومة الوطنية، هي وليدة التنسيق بين أحزاب ثلاثة اتخذت قرار المواجهة، وابتكرت لمواجهتها اسماً جبهوياً أرادته مفتوحاً وجامعاً وواسعاً. عليه، ليس للجبهة المذكورة قيادة، ولا تأتمر بأمر قائد، والبيان الذي أعلن إنشاءها لم يصدر عن قيادة موحّدة، بل إن الحقيقي المطلوب التذكير به اليوم، هو أن مهمّة قتال الاحتلال تقدّمت على المهمات الحزبّية لدى كل حزب شارك في العمليات العسكرية، لكن الجهد الأساسي الذي اقتضته ضرورات الظرف، لم يكن الوحيد على جدول أعمال كل حزب بمفرده. فالحزب الشيوعي ليس حزباً أحاديَّ المهمات، ومثله منظمة العمل الشيوعي في لبنان، ومثل هذا وذاك، حزب العمل الاشتراكي العربي. الأحزاب المنوّه عنها أعلنت، وبادرت، ثم نزل إلى ميدان القتال فلسطينيون قاتلوا بصمت، وأحزاب لبنانية تركت بصماتها على مجرى النضال.

لماذا هذا التذكير؟ لأسباب عديدة منها: مغادرة الحصريّة التي تبرز لدى هذا الفريق الحزبي أو ذاك، فيتساوى سلوكه مع سلوك حزب المقاومة الحالية، لجهة الإقصاء، ولجهة افتعال تاريخ محدد لبدء المقاومة، وأدوار مجيدة له من دون سواه.

ترتبط مغادرة الحصرية بأمر هامّ هو دقّ ناقوس الصراع الاجتماعي الذي هو الأساس التكويني لكل حزب، أما صوت الناقوس فيجب أن يكون كفيلاً بإيقاظ المسترسلين في الحنين إلى ارتداء "البزّة" العسكرية مجدداً، والطامحين إلى اعتمادهم مقاومين، تُقدم لهم المعونات ليعيدوا ممارسة ما كان لهم من دور تحريري، هذا من دون الانتباه إلى أن كلّ مساهمة شكلية في "أنظومة" التحرير الحالية، لا تتعدى كونها إضافة فولكلورية تخدم مقدّم "الخدمات"، وتضر كل منتفع بها، خصوصاً إذا كان المنتفع من أبناء "الرصاصة الأولى"، التي غاب صدى صوتها في غيهب الإهمال.

الأيلوليّون الجدد:
لا تدلّ مفردة الأيلوليين على أن المقصودين هم فقط أولئك الذين قاتلوا في شهر أيلول 1982، وفي السنوات اللاحقة. فمغزى المفردة، أو إيحاؤها، هو دعوة أبناء أحزاب "أيلول"، إلى التفكّر جدّيّاً في أحوال واقعهم السياسي والنضالي، والتفكير مليّاً بأسئلةٍ من قَبيل: من هنا إلى أين؟ ومن أيلول إلى "أيلولات"؟ وماذا بعد؟

قد يكون مفيداً التحضير لنداء آخر، له عناوين مختلفة، وبرامج مختلفة، وهياكل تنظيمية تناسب ما يدعو إليه النداء.

لا يغيب عن بال الحزبي الجدي، أن "النصّ" سيكون ابن ظرفه الحالي، اللبناني أوّلاً، ولن ينسى المنادِي الحزبي أن لبنان في ظرف سياسي أهلي حالك، وأن بصيص الضوء الذي سيتبنّاه الجدد، سيكون في مرمى كل "أعداء" النور. بصيص النور لن يكون إلاّ حصيلة مراجعة سريعة تفتح السجال حول كل شيء. السجال بشقيّه، داخل البنية الحزبية ومع الخارج. ولن يكون السجال مفيداً إلا إذا كان واضحاً ومحدّداً حيال كل مسائل لبنان الداخلية، وحيال علاقاته الخارجية.

جبهة السجال واسعة، ومتعددة المواقع، ويندمج فيها الصراع مع "نظريات" الأهليات المتنابذة، ومع الطائفيات السياسية المتصارعة، ومع روافد البنية الأهلية المالية والدينية والثقافية مما يعني أن الأيلوليين، وقد عادوا إلى مبادئ تأسيس أحزابهم، مدعوون إلى جبهة وطنية سياسية، من شعاراتها التحرّر المجتمعي، وكسر التبعية، وفضح الالتحاق ببرامج وسياسات الخارج، والتصدي للنهب الداخلي، والخوض في كل يوميّات السياسة من كيفية إدارة الصراع مع إسرائيل إلى الاقتصاد، إلى المطالب المعيشية، إلى الخدمات، إلى انتخاب رئيس الجمهورية... السياسة يوميّات، والبرامج رؤى ومحطّات، وهذه أمور من الخطأ القاتل، تركها للسجال بين أبناء التوليفة السياسية الفاسدة.

النداء أمر ملحّ، والنزول إلى ميادين الممارسة التي يعرفها الحزبيون بات ضرورة قصوى، ودور النخبة الحزبية يتجلّى في الإقدام والمبادرة، فالمسألة لم تَعُدْ مسألة قراءة كتبيّة، والمطروح على الجميع تنظيم وإعلان إطلاق "رصاصة" النص المجتمعي الجديد الأول.. لقد تقادمت نصوص أحزاب أيلول، فمتى يتقدّم الأيلوليون الجدد؟

هل سيتقدمون؟