الحزب القومي وجريدته والتاريخ الدموي

يوسف بزي
الخميس   2022/09/15
مسلح من الحزب القومي يوم اقتحام مبنى تلفزيون المستقبل في 7 أيار 2008 (Getty)

على عكس الآية التي تقول "أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ"، كان تاريخ الحزب السوري القومي الاجتماعي حافلاً بانعدام الرحمة فيما بين كتله وصفوفه وأجنحته.

ليل الثلاثاء 13 أيلول الحالي، واستكمالاً لحملة الاحتلالات المتبادلة للمكاتب والمؤسسات بين جناحيّ الحزب المذكور، حدث اقتحام واحتلال لجريدة "البناء" التي تتبع جناح أسعد حردان.

تلك الحملة وهذا الحدث، شبه تكرار وتذكار مأسوي لمجريات منتصف الثمانينات. في تلك الحقبة، وإثر الانقسام العنيف للحزب، اقتحمت مجموعة "قومية" من أتباع حردان مكتب مجلة "صباح الخير" التابعة للجناح الآخر، واقتادت العضو القيادي توفيق الصفدي تحت الضرب المبرح، ليرمى في صندوق سيارة تأخذه ليموت في الليلة نفسها تحت التعذيب في أحد أقبية شارع الجاندراك برأس بيروت.

والمفارق أن الصفدي كان يوصف بـ"البطل القومي"، فهو أحد قادة معركة النبعة عام 1976، وأسرته الميليشيات الكتائبية، ليخرج معطوباً بساقه جراء التعذيب.

واغتياله جاء ضمن سلسلة اغتيالات متبادلة بين جناحيّ أسعد حردان والمناوئين له، ابتدأت حينها باقتحام موالين لحردان منزل القائد العسكري للحزب محمد سليم وقتله بدم بارد. وهو أيضاً كان "بطلاً قومياً" طالما أنه المسؤول الأول والمباشر عن كل العمليات العسكرية ضد الاحتلال الإسرائيلي، وأحد أبرز قادة "جبهة المقاومة الوطنية".

عدا عن الاغتيالات المتبادلة التي حدثت داخل البيوت وفي المكاتب وصالونات الحلاقة وبالسيارات وعلى شواطئ البحر، على طريقة أفلام المافيا، كانت هناك أيضاً معارك شرسة ومتبادلة لاحتلال المكاتب والمراكز الحزبية سقط ضحيتها العديد من "القوميين" الذين لم يشفع بهم انتماؤهم وعبادتهم معاً لزعيمهم الأوحد والأبدي أنطون سعادة.

فقد أبدى الجناحان مقدرة على اقتراف أقصى العنف والعداء تجاه بعضهما البعض، ليس فقط في حقبة الثمانينات وحدها. ويمكن استشفاف تلك القسوة الفاشية في الانشقاق الأول، الذي صنعه أنطون سعادة نفسه بحزبه إثر عودته إلى لبنان عام 1947، حين أطاح بقيادة الحزب ونخبته وطردها بلا تردد، ليعيد تأسيس الحزب متمحوراً على زعامته المطلقة.

وعلى مثال الزعيم الذي يحتذى، كان الانشقاق والعداء الثاني بين جناح جورج عبد المسيح والمناوئين له عام 1957، إثر اغتيال الضابطين المهمين عدنان المالكي البعثي، وغسان جديد القومي.

جاء الانشقاق الثالث في عام 1975، وبعد اغتيال "أبو واجب" قائد منظمة الحزب العسكرية آنذاك "نسور الزوبعة"، وأصبح هناك حزبان، جناح "قنيزح" الذي سيبرز فيه أسعد حردان، وجناح إنعام رعد.

أما الانشقاق الرابع في عام 1985، فكان الأكثر دموية كون الحزب أصبح ميليشيا مسلحة. ولم يتوقف الجناحان عن عمليات التصفية والاقتحامات المسلحة إلى أن كانت الغلبة لأسعد حردان بمعونة ودعم النظام السوري له.

منذ سنوات، يعيش الحزب القومي انشقاقه الخامس بين جناح علي بنات وجناح أسعد حردان. ورغم انعدام الفوارق السياسية والتبعية للنظام السوري والانضواء في حلف واحد مع حزب الله وسائر "محور الممانعة"، وغياب أي خلاف "أيديولوجي"، بل ورغم تزايد هامشية هذا الحزب، إلا أن الصراع الطاحن بين جناحيه لا يتوقف وبلا رحمة.

والأرجح، أن التنافس على من ينظّم العراضة الفاشية البائسة في شارع الحمرا مرة في السنة، كما على "رئاسة" وتصدّر القيادة في الحزب القديم، هي كل ما تبقى لهذه الجماعة سياسةً وحلماً وطموحاً.

ولعل الأهم، أن سيرة هذا الحزب ليست فريدة ولا استثنائية ولا نافرة، طالما أنها تتشابه إلى حد مخيف مع سير أحزابنا "العريقة" البعثية واليسارية والناصرية والقومية والوطنية، وما تناسل بعدها من أحزاب وجماعات الإسلام السياسي الجهادية والسلفية والداعشية والقاعدية.. حيث "لا حياة ولا عز.. والموت فقط".