حين يجزم "حزب الله": لن نسمح بـ"تغيير هوية لبنان"!

دنيز عطالله
الثلاثاء   2022/08/30
تشتد أزمة الهوية وتتعقّد في أزمنة تحلل الدولة (مصطفى جمال الدين)
بالأمس صرّح عضو المجلس المركزي في "حزب الله" نبيل قاووق أن "لبنان المقاومة والكرامة لن يسمح للسفارة الأميركية بتغيير هويته وموقعه".

ليست المرّة الأولى التي يتحدث فيها أحد مسؤولي "حزب الله" عن هوية لبنان.
سبق للشيخ نعيم قاسم أن تفاخر عام 2017 قائلاً "نحن في زمن نستطيع أن نغير فيه المعادلة، دليلي على ذلك أننا خلال ثلاثين-أربعين سنة قلبنا المعادلة في لبنان وغيرنا وجه المنطقة".

وقبل نحو سنة حدّد قاسم أي لبنان يريد قائلاً "لبنان الذي أصبح له سمعة في العالم بسبب المقاومة وبسبب الانتصارات، هذا هو لبنان الذي نريده، فمن أراد الالتحاق به ومن لم يرد فليبحث عن حل آخر". ليضيف مستخدماً أدبيات خصومه من "السياديين" ويجزم "أنتم لا تشبهون لبنان، نحن الذين نشبهه، لأن من يرتبط بوطن يجب أن يرتبط به سيداً حراً مستقلّاً".

حتى أمين عام "حزب الله" السيد حسن نصرالله أبدى رأياً حاسماً في الموضوع. فقال مؤكداً، في شباط الماضي، أن "المقاومة هي التي حافظت على الهوية اللبنانية".

حبل لم ينقطع
ليست مسالة الهوية وأزماتها جديدة في لبنان. لكنها تشتد وتتعقد في أزمنة تحلل الدولة وغياب المشروع الوطني ببرنامجه السياسي والثقافي والإداري التنظيمي.

لم ينجح لبنان الدولة، ولا الوطن، في ترسيخ هوية لبنانية. فهذه العملية التراكمية واجهت دوماً غلبة الانتماء الضيق (الطائفي، الحزبي، المناطقي) وعجز الدولة المركزية القوية.

والسؤال المكرر دوماً يفرض نفسه: دولة عجزت عن وضع كتاب تاريخ موحّد، كيف يمكنها أن تواجه تعقيدات حاضر بمستوى الأزمات اللبنانية، ناهيك عن استحالة التفكير بمستقبل تظلله هوية وطنية جامعة.

لذا، يبدو كلام قاووق بالأمس وكأنه استكمال لحبل لم ينقطع من صراع على هوية البلد، وبالتالي دوره وعلاقاته ومصير أبنائه.

صحيح أن الهوية ليست معطى جامداً وأن مكونات كثيرة تدخل في ديناميكيتها، إلا أن لبنان يبدو اليوم وكأنه "لقيط" لا هوية له، وكلّ يريد تبنيه وتشكيله وفق ما يرتئي، بغض النظر عن فرادة "جيناته" وموروثاته الغنية، المتنوعة المصدر. وهي موروثات لكل طائفة سرديتها لها فيها من "المعجزات" والتضحيات، بقدر ما فيها من البطولة والانفتاح و"العيش المشترك".

لا أميركا ولا ايران
يرد أحد كبار آباء الكنيسة على كلام قاووق موافقاً "نعم نحن لا نريد أن تغيّر أميركا هوية لبنان. لكن قطعاً لا نريد ان تفعل إيران ذلك أيضاً. وإذا أردنا تصنيف صداقاتنا في العالم لجاء الغرب والدول العربية في طليعة هؤلاء الأصدقاء، الذي يتبادل لبنان وإياهم المصالح المشتركة. نحن نريد أفضل العلاقات مع إيران. لكن في ميزان المصالح ماذا قدّمت إيران للبنان؟".

أحلام الواهمين
وعن مسألة الهوية يقول "إن التنوع الكبير لمكونات أي هوية، خصوصا كحال هويتنا اللبنانية المركبّة، تجعلنا نستغرب كيف يمكن لأحد أن يظن أن بلداً أو طرفاً أو فريقاً يمكنه لوحده أن يحدده أو يغيّره. وهذا يشمل أيضا السيد قاووق وحزبه وفريقه السياسي. لبنان بلد التنوع، وهو مساحة الحرية والنظام التوافقي، مما سمح له ولحزب الله أن يتسعوا ويتغلغلوا ويؤثروا على بعض من نسيج المجتمع اللبناني، وبالتالي الهوية اللبنانية. لكنه يكون واهماً من يظن أنه يمكنه أن يحدد هوية لبنان على مقاس طموحاته وأحلامه وأدواره. لا أحد في لبنان، حتى حزب الله وسلاحه، قادر على فرض أمور يرفضها الآخرون. قد ينجح في تدجين بعضهم وإغراء آخرين، قد يخلخل في بعض العناصر الاجتماعية والثقافية، وربما الاقتصادية والسياسية المكونة لهوية جماعة، لكنه بالتأكيد لن ينجح في فرض "هويته" على سائر اللبنانيين. فاللبنانيون الذين، مع الأسف، فشلوا في تشكيل هوية وطنية متماسكة، نجحوا في نقطة واحدة: تمسك جميع مكوناتهم بالحرية. فإذا زال كل شيء وبقيت الحرية لكانت كافية لإعادة تشكيل لبنان الذي يفترض أن يغتني بتنوعه". ويعتبر "أن تشكل الهوية الاجتماعية والاقتصادية المشتركة أحد أقوى الروابط في الدول المتقدمة التي تؤسس لبلورة هوية وطنية. فنحو 40 بالمئة من سكان العالم يعيشون في دول مجتمعاتها وثقافاتها متعددة، تحت سقف دول تحترم خصوصياتهم وترعى مصالحهم المشتركة، وعلى اللبنانيين أن يعيدوا الاعتبار لجوامعهم غير القليلة ويؤسسوا عليها".