ذكرى اجتياح لبنان: اعترافات إسرائيلية جديدة توثق الفشل والتضليل

سامي خليفة
السبت   2022/06/04
خلفت حرب 1982 آثاراً عميقة وكبيرة على كل من عاصرها (الإنترنت)

في مثل هذا اليوم 4 حزيران 1982، اندلعت حرب لبنان الأولى التي لم تكن حدثاً عابراً في تاريخ المنطقة. هذه الحرب التي بقيت مشتعلة، لاحقاً، لأكثر من 18 عاماً خلفت آثاراً عميقة وكبيرة على كل من عاصر الحرب أو شارك فيها. وبعد أربعين عاماً من تلك الحرب المدمرة، يبدو أن ذاكرتها قد تم محوها تقريباً من الأجندة الإسرائيلية. فعندما تتحدث وسائل الإعلام العبرية عن لبنان بصيغة الماضي، فإنها تميل إلى التركيز على أحداثٍ أخرى كحرب لبنان الثانية عام 2006 وسنوات القتال المرهق في المنطقة الأمنية.

محطة محبطة
يعود المحلل العسكري في صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، عاموس هرئيل، إلى تلك الحقبة التي يعتبرها أنها لم تدخل الوعي الإسرائيلي أبداً بالدرجة نفسها لحرب أكتوبر 1973. إذ يبدو بنظره أنه يتم تذكرها الآن كمحطة طريق أخرى، ومحطة محبطة، في سلسلة من الحروب غير الحاسمة التي خاضتها إسرائيل مع أعدائها منذ الانتصار العظيم عام 1967.

مع ذلك، ومن نواحٍ عديدة، غرست حرب حزيران 1982 أفكاراً ومفاهيم يتردد صداها في النقاشات العسكرية في إسرائيل حتى يومنا هذا. فكانت الحرب الأولى التي أثارت جدلاً سياسياً حقيقياً في إسرائيل حتى مع احتدام القتال. وفي مراحلها الأولى، كشفت عن الأكاذيب التي كان القادة السياسيون في الدولة العبرية يسوقونها للجمهور. أكثر بكثير من حرب الأيام الستة أو حرب أكتوبر. كما أوضحت الحرب للإسرائيليين لأول مرة عيوب خطيرة في القيادة العليا للجيش الإسرائيلي، حتى بعد الأخذ بالاعتبار أن هدفها المركزي (الوصول إلى أطراف بيروت في غضون أسبوع) قد تحقق بنظر هيئة الأركان العامة.

الذكريات الثقيلة
ويتحدث هرئيل عن أمرٍ آخر لم يذكره أحد تقريباً ألا هو دور الجيش الإسرائيلي في ذلك الاجتياح. وعلى سبيل المثال لا الحصر، وجه العقيد (احتياط) إيمانويل والد في كتابه "لعنة السفن المكسورة" (بالإنكليزية، "تقرير والد: تدهور الأمن القومي الإسرائيلي منذ عام 1967")، الذي كُتب بعد الحرب وتسبب بجدلٍ كبير، انتقادات شديدة إلى الجيش وخصوصاً القوات البرية. وزعم والد، أن الجيش الإسرائيلي فقد مرونته. وأن التوجيهات التي اتخذتها هيئة الأركان العامة حولت الجيش الإسرائيلي إلى هيئة مرهقة.

عندما أربك أرئيل شارون كل التوقعات وأصبح رئيساً للوزراء عام 2001 في ذروة الانتفاضة الثانية، اتضح أن العديد من مشاعره تجاه الجيش كانت مماثلة لمشاعر والد. كان شارون قد رأى ما اعتبره تقدماً بطيئاً للجيش الإسرائيلي خلال الأسبوع الأول من الحرب عام 1982، زاعماً أن أدائه السيء وخسائره الفادحة أعاقت تنفيذ خططه بالكامل. ومن تجربته في لبنان، خلّص شارون أيضاً إلى أن هناك حاجة إلى إجماع عام واسع حول أهداف الحرب، وهو ما يُفسر بالمناسبة سبب انتظاره حوالى عام قبل الموافقة على عملية "السور الواقي" عام 2002.

الاعتراف بالفشل
أما عن نتيجة اجتياح لبنان وما ترتب عنها، يذكر هرئيل لأول مرة كلمات ميناشي نوي، الذي كان ضابطاً في لواء غولاني أثناء الحرب، ونقلها عنه المقدم والمنتج التلفزيوني مودي بار أون، والتي تشبه الرسم التخطيطي لشرح فشل إسرائيل في لبنان. إذ يقول " في كل مرة عندما تكون هناك مشكلة مع لبنان، هناك دائماً من يخرج ليقول إن القصف لا يكفي، وأننا بحاجة إلى اجتياحه واستعادة النظام". يقاطعه المذيع سائلاً عمّا إذا كان يقصد كما فعلت إسرائيل في عام 1982 فيجيب "يعتبر الجميع أننا جربنا هذا العمل للتعمق في لبنان، ولكننا فشلنا. في كل مرة يذكر أحدهم هذا الأمر، أشعر بالانزعاج. لأنه صحيح. أنا أعرف ذلك. لقد كنت جندياً في عملية سلام الجليل، لذا أعرف لماذا فشلنا. يقولون أن المفهوم كان خاطئًا، لكن هذا ليس صحيحاً على الإطلاق. بل على العكس كان المفهوم ممتازاً".

إذاً، لماذا فشلت عملية سلام الجليل؟ يسأل المذيع، فيجيب نوي بصراحة تامة: "بسببي (يقصد أداء الضباط الإسرائيليين ككل). لأنني لم أكن جيداً بما يكفي. نعم، لسنوات لم أفتح فمي. في البداية، كنت خائفاً من لجنة تحقيق إن اعترضت على أي شيء وتالياً أن أخسر وظيفتي. ولكن الآن حان الوقت للاعتراف: كان العمل برمته فاشلاً لأنني لم أكن جيداً بما فيه الكفاية. مرت أربعة عشر عاماً ومرة ​​أخرى تتساقط الكاتيوشا على الجليل، ومرة ​​أخرى يقولون إنه لا يوجد سبب لدخول لبنان. عندما أنظر إلى شبابنا الرائع الذي نزل إلى الشوارع بعد مقتل رابين، والذي يشّع كثيراً من الحذر والصدق والحب، أقول: ربما بعد قليل سيتم تجنيد هؤلاء الشبان. امنحوهم فرصة. أرسلوهم هناك. ربما سيفعلون أفضل مما فعلت أنا وغيري".

كذب وتضليل
في سياقٍ متصل، سلطت صحيفة "هآرتس" في تقريرٍ منفصل يستند إلى المئات من الوثائق التي توثق المحادثات واللقاءات التي جرت بين إسرائيل والولايات المتحدة حول حرب لبنان الأولى، الضوء على الكيفية التي ضللت وخدعت بها إسرائيل الولايات المتحدة الأميركية ودول العالم بشأن الحرب. فبعد مرور أسبوعين على اندلاع الحرب عام 1982، التقى رئيس الحكومة الإسرائيلية حينذاك، مناحيم بيغن، مع الرئيس الأميركي، رونالد ريغان في واشنطن، للنقاش بالحرب والهدف منها، ذلك أن الهدف الرسمي كان عملية محدودة في الوقت والنطاق، لمسافة 40 كيلومتراً وخلال 48 ساعة لوضع حد للمنظمات الفلسطينية التي تطلق صواريخ الكاتيوشا على المستوطنات في الشمال.

ولكن رغم ذلك، لم تتوقف الحرب فعلياً عند هذا الهدف، بل تواصلت حتى بيروت، واحتلت إسرائيل تقريباً نصف لبنان. وبعد احتلال بيروت، تبيّن كيف ضللت القيادة السياسية الجمهور الإسرائيلي والكنيست والحكومة، وبرر بيغن شن الحرب، وذكّر بالعمليات التي نفذتها المنظمة انطلاقاً من لبنان نحو إسرائيل في السبعينيات، من بينها عملية "معلوت" وعمليات في نهاريا، كما اتهم الاتحاد السوفياتي بتسليح الفلسطينيين في لبنان، معتبراً أن إسرائيل تفاجأت من كمية السلاح السوفياتي الموجودة في لبنان، وأنها وجدت عشرة أضعاف كمية السلاح التي توقعتها الأجهزة الاستخبارية.

ترحيل اللاجئين الفلسطينيين
ويوضح محضر اللقاء بين بيغن وريغان النقاش الذي دار حول مصير آلاف اللاجئين الفلسطينيين الذين يعيشون في لبنان. إذ قال بيغن للرئيس الأميركي في هذا السياق، إنه يعيش في لبنان بين 350 و400 ألف لاجئ فلسطيني، وإن بينهم ما بين 15 و20 ألف إرهابي منظمين مع سلاح ثقيل، ويجب على الأقل إجبار قسم منهم على مغادرة لبنان، مقترحاً ترحيلهم إلى بلد عربي آخر.

ثم أضاف "تقول ليبيا إنها صديقة لمنظمة التحرير الفلسطينية، وهي دولة تمتلك مساحات شاسعة، فلماذا لا يأخذون إليهم بعض الناس؟ والعراق بلد مترامي الأطراف مع موارد كبيرة من مياه ونفط، فلماذا لا يذهبون إلى هناك؟ العراق بلد فارغ وحتى سوريا فارغة". 

بعد ذلك تطرق إلى أزمات لاجئين مختلفة من التاريخ لتعزيز أقواله بوجوب إعادة توطين الفلسطينيين. وتحدث عن ملايين الألمان من بولندا، الذين تحولوا في نهاية الحرب العالمية الثانية إلى لاجئين. وفي نهاية أقواله تطرق بيغن أيضاً لليهود في الدول العربية الذين تم استيعابهم في إسرائيل بعد أن هربوا وطُردوا أو غادروا بلادهم في فترة الحرب لقيام دولة إسرائيل. قائلاً "استوعبنا 800 ألف يهودي من الدول العربية. هم مواطنون جيدون ومخلصون ويعملون بجدية".