ميقاتي يدوس "الأرض الحرام" مدعوماً بتفاهمات ضمنية

دنيز عطالله
الخميس   2022/06/30
لن يتراجع ميقاتي عن وزارة الطاقة لأنه يمكن أن يحقق فيها إنجازاً (دالاتي ونهرا)
الحكومة التي قدّمها الرئيس المكلف نجيب ميقاتي، أمس الأربعاء، ليست فقط تشكيلة لحكومة عمرها المفترض أربعة أشهر تُطوى في نهايتها ولاية رئيس للجمهورية، بانتخاب خلف له.

هي حكومة أفول عهد الرئيس ميشال عون المترافق مع تراجع "التيار الوطني الحر" وطي صفحة "الرئيس القوي"، وما يدور على ضفاف الوقائع من كلام عن فراغ رئاسي وأدوار مرتقبة للحكومة العتيدة.

تواطؤ القوى السياسية
هي حكومة تتواطأ عليها كل القوى السياسية، وأولهم الرئيس ميقاتي الذي استخدم كل "حنكته" في الإخراج المتقن والمفاجئ للتشكيلة. في الشكل أدّى ميقاتي قسطه وتحمّل مسؤولياته.

فإن وافق عون يكون رئيس الحكومة قد نجح في إدارة حكومة تُريحه. وقد يحاول الضغط والعمل جاهداً لتحقيق "إنجاز" ما في ملف الكهرباء يُسجل له، بعد سنوات من العتمة والهدر. حتى في حال شغور موقع رئاسة الجمهورية، من دون انتخاب خلف لعون، فإن ميقاتي يكون قادراً على إدارة "حكومته" والبلاد.

وإن رفض عون التشكيلة، كما وصلته، فستتكّرس صورته كمعطّل "لعيون صهر الجنرال".
لكن ميقاتي ليس اللاعب الوحيد. لديه شركاء كثر، مضمرين ومعلنين، أولهم الرئيس نبيه برّي.

فبالنسبة لبرّي، هي من أواخرالمعارك في "الجهاد الأكبر" الذي أعلنه عند انتخاب عون. حرص ميقاتي في تعديله الوزاري على إبقاء وزارة المالية محفوظة لـ"حركة أمل" وسمّى لها ياسين جابر، برضى "حزب الله"، الذي بدوره لم تتأثر حصته.

داس الأرض الحرام
لم يدقق "الحزب التقدمي الاشتراكي" بالحكومة وأسماء وزرائها على ما تقول مصادره. تضيف "حين عرفنا أن وزارة الطاقة سُحبت من "التيار الوطني الحر"، عرفنا أن الرئيس ميقاتي داس الأرض الحرام، وبالتالي لن تبصر الحكومة النور".
وتنفي "إمكانية أن يتراجع الرئيس ميقاتي عن مطلب وزارة الطاقة، لأنها المكان الوحيد الذي يمكن في هذه الفترة القصيرة تحقيق إنجاز فيه".

تصّر مصادر "الاشتراكي" على "وجوب الإسراع في تشكيل حكومة لتحمل التحديات الاقتصادية الكبرى التي نواجهها من خطة التعافي إلى صندوق النقد وعقدة الكهرباء وغيرها من الملفات الثقيلة". تضيف "إنطلاقاً من هذا الهدف لا مبرر لأي تأخير في إعلان الحكومة". لكنها "لا ترى إمكانية لتشكيل حكومة قبل نهاية العهد".
ضمناً، لا يتحسس "الاشتراكي" من استنساخ الحكومة السابقة مع تعديلاتها، والأكيد أنه لا ينزعج  من "إحراج" عون بالتشكيلة، لكنه ينسحب إلى ضفة الانتخابات الرئاسية الآتية.
هي الانتخابات نفسها التي تحيك "القوات اللبنانية" الرهانات عليها. وهي تعتبر أن "كل منطق التكليف والتشكيل والمساومة لا يعنينا، طالما أن العطب في الرئاسة الأولى وحليفها". بالنسبة إليها "دخلنا زمن الانتخابات الرئاسية ووجوب إنضاج ظروف وطنية تسمح بإعادة إنتاج السلطة. غير ذلك، يبقى خارج منطق الأمور والتحديات المطروحة على البلد".

إبقاء البلد من دون حكومة هو بالضبط ما يتخوف منه "التيار الوطني الحر". ويعتبر أن "التشكيلات الحكومية التي يتم فيها التذاكي على اللبنانيين خطيئة وجريمة. فهل يملك البلد ترف النكايات السياسية الذي يُترجم تعطيلا وشللاً؟". وتتساءل مصادره "هل دخل ميقاتي في لعبة إنهاء ولاية الرئيس عون من دون حكومة؟ وأي رجل دولة ورئيس حكومة مكلف يرضى بمثل هذا السيناريو؟".

عضّ الأصابع
يبدو "التيار" وحيداً في آخر معارك حكومات العهد. حتى حلفاءه المفترضين، كـ"الطاشناق" مثلاً، لا يرون ضرراً في السير بالحكومة التي أعطت حقيبة الاقتصاد لنائب عن "الطاشناق"، وزير الصناعة الحالي جورج بوشكيان.
عُذر المستعجلين هو نفسه عذر "التيار" للمطالبة بحكومة: "لا نملك ترف الوقت".
لكن على الأرجح سيكون الوقت هو الأداة الأقسى في الآتي من الأيام. قسوته استثنائية على العهد الذي سينتهي معزولاً، إلّا من حليفه-اللدود "حزب الله".
لكن الوقت سيكون صعباً، بالقدر نفسه، على اللبنانيين الذين سيتابعون مجدداً لعبة عضّ الأصابع التي اختبروها مراراً وكانوا دائماً أول من يصرخ جراءها.