هنية بلبنان مجدداً: "الجبهة الواحدة" مع حزب الله تترسخ!

أحمد الحاج علي
الخميس   2022/06/23
تطورات هائلة على الصعيد العسكري والسياسي بين "حماس" وحزب الله (Getty)

أقل من عامين بقليل هو الزمن الفاصل بين زيارة رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" إسماعيل هنية الأولى للبنان وزيارته الثالثة في هذه الأثناء، لكن الكثير تغير. في الزيارة الأولى كان هنية يتحدث عن "صواريخنا التي ستنطلق من أرضنا ولن نورط لبنان"، واليوم يكثر الحديث عن جبهة واحدة، والإشارات تعطي مصداقية لتلك المقولة.

التافس مع فتح
كان وقتها تأكيد هنية أن لا مشروع وطنياً من دون "فتح" و"نصف عدد أسرى السجون الإسرائيلية من فتح"، اليوم تشعر الحركة التي كان لا جدال على صدارتها للمشهد السياسي الفلسطيني في لبنان منذ انطلاقتها عام 1965، بأن حركة حماس تنافسها بقوة على اجتذاب الجمهور الفلسطيني، فترفع على أبواب المخيمات في لبنان صور قتلاها في غزة أثناء ما تعتبره الحركة الإسلامية "الحسم العسكري" وتسميه فتح بـ"الانقلاب"، وهو ما يخشى الفلسطينيون أن ينعكس على أمنهم، كما حدث في مخيم البرج  الشمالي خلال الشهر الأخير من العام الماضي.

زيارة هنية تعكس اهتماماً سياسياً تاريخياً من قادة الفصائل الفلسطينية بالوجود الفلسطيني في لبنان، مع أنه في مناطق لجوء أخرى عدد الفلسطينيين أكبر بكثير. فعدا أن لبنان هو الساحة الوحيدة خارج فلسطين التي يتواجد فيها سلاح فلسطيني، وحرية عمل سياسي فريد كبديل عن بقية الحريات والحقوق الإنسانية، إلا أن للاهتمام أبعاداً أخرى تتصل أيضاً بالتاريخ والوجدان. سياسياً، تراجع اندفاعة التسوية، ووصولها إلى مرحلة الموت السريري، لعب دوراً بزيادة الاهتمام باللاجئين الفلسطينيين في لبنان، ورحلة البحث عن ركائز بديلة في حال الإعلان عن دفن العملية السياسية، والحاجة إلى هجرة سياسية جديدة، كما أن الوجود الفلسطيني في لبنان يشكل حضوراً بالثقل السياسي الفلسطيني إذا ما قورن بأقطار اللجوء الأخرى.

فما زال تاريخ الفلسطينيين في لبنان جزءاً أساسياً من تاريخ الفلسطينيين السياسي والوجداني. والمحطات التاريخية الأساسية كُتبت في لبنان: العمليات الأساسية، اغتيالات القادة الأبرز، الاجتياح الإسرائيلي، الصمود، النقاط العشر، أفكار التسوية، خطاب عرفات بالأمم المتحدة، الاعتراف بمنظمة التحرير ممثلاً شرعياً ووحيداً، كسر الإبعاد في مرج الزهور، المذابح الواسعة التي طبعت الذاكرة، حتى الأغاني التي ألهبت وجدانهم من "طل سلاحي" التي كتبها صلاح الدين الحسيني إلى "غنى الحادي" وتلك التي كانت تبثها إذاعة الثورة الفلسطينية، كلها كُتبت في بيروت.

إضافة إلى أن مراكز أبحاثهم الأشهر كانت في بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية ومركز الأبحاث، وما اتصل بهما من مئات الإصدارات. فطبيعي أن يضع كل ذلك لبنان والفلسطينيين فيه بهذه المكانة، ويشعل المنافسة بين الفصائل الفلسطينية الرئيسية على أرضه ومخيماته.

الفلسطينيون في الأماكن الأخرى لهم أكثر من هوية وانتماء، الفلسطيني في لبنان لم تتشكل لديه سوى هوية واحدة لأسباب سياسية فرضت عليه القطيعة مع العناصر التي يمكن أن يتفاعل معها لتشكيل هويات فرعية، فلا اقتصاد، ولا حرية تنقل، ولا عمل، فتُرك حبيس الهوية الواحدة. فكما قال عرفات للأخضر الإبراهيمي "اتفاق الطائف لم يعترف بي. لقد طرح هذا الاتفاق موضوع الوجود السوري والإيراني والإسرائيلي وتجاهل الوجود الفلسطيني"، فهذا الإنكار ساهم بما يشبه القطيعة.

فالفلسطيني في لبنان لا يملك إلا هويته الفلسطينية الخالصة، ووطنه المتخيل الذي يراه نعيماً صافياً في هروب من مهانة يومية في كل المجالات. وهذا سبب آخر للمنافسة الفصائلية المحتدمة على هذا "الفلسطيني الخالص". ولا يمكن الجزم بأن المنافسة ستبقى بعيدة عن حديث البنادق.

تلك المنافسة التي حميت اجتماعياً منذ زيارة إسماعيل هنية الأولى للبنان، وقال حينها إن وضع المخيمات الفلسطينية فيه أقسى من أوضاع المخيمات في غزة. وتبع ذلك إطلاق حملة "حماس حدك" الاجتماعية، ثم تفريغ فتح لمئات العناصر، قد يكون في بعض ذلك شيء من الإيجابية، لكن ما هو سلبي بكل تأكيد أن انقساماً في الأطر الاجتماعية الواسعة قد تكرّس، وخصوصاً في اللجان الشعبية، مما يحرم الفلسطينيين من منابر حوار رئيسية لضبط أوضاعهم على أقل تقدير.

غرفة عمليات
حرص هنية على لقاء أمين عام حزب الله حسن نصرالله خلال زيارتيه السابقتين، ومن المتوقع أن يكرر الأمر نفسه هذه المرة. وشهدت العلاقة منذ الزيارة الأولى تطورات هائلة على الصعيد العسكري والسياسي، وصل حد الحديث عن جبهة واحدة. كما أن رئيس حركة حماس في قطاع غزة يحيى السنوار كان واضحاً في تصريحه بعد معركة "سيف القدس" العام الماضي، حين أشار إلى أن التنسيق خلال المعركة كان على مستوى عال بين حركته و"الإخوة في لبنان". وأنه "لو تدحرجت الأمور فإنهم سيكونون معنا في الميدان. وكنا على ثقة أن الجبهات كلها ستُفتح إذا استمرت الحرب".

والبيان الذي صدر عقب لقاء نصرالله وهنية خلال الزيارة الماضية كان يحمل المعنى نفسه تقريباً من خلال عبارة "أكد الطرفان على الموقع الأساسي لحزب الله في محور المقاومة وفي معركة "سيف القدس" والمعركة الحاسمة مع الاحتلال". وقد كشف مؤخراً القائد في كتائب القسام محمد السنوار أنه خلال تلك المعركة شُكلت غرفة عمليات مشتركة ضمت حماس وحزب الله والحرس الثوري.

ويُلاحظ أنه لم يعد حزب الله ينزعج من الاتهامات الإسرائيلية المتكررة لحماس بالقصف أو محاولة القصف من الجنوب اللبناني، فذلك يزيح عبئاً عن كاهل الحزب، ولا يشكل استدراجاً لردود فعل إسرائيلية عسكرية واسعة، وفي الوقت نفسه يسمح بتخفيف الضغط عن قطاع غزة عندما يتعرض لهجوم مباشر. إذاً من المنطقي الاستنتاج أن زيارة هنية ستشكل محطة مهمة في مسيرة تطوير العلاقة مع الحزب.  

العلاقة مع النظام السوري
في الزيارة الماضية رفض هنية الإجابة عن أسئلة تتعلق بالمبادرات لإعادة العلاقة مع سوريا، لكن من دون أن ينفي ذلك، وفي الوقت نفسه أشاد بسوريا، شعباً وحكومة ورئاسة، في دلالة لا تخفى. علاقة "حماس" مع سوريا خلال الأحداث انتقلت بين عدة مراحل، فبداية حاولت الحركة التوسط بين النظام والمنتفضين لكن لظروف وأسباب باتت معروفة فشلت مساعيها. ثم خرجت قيادتها عام 2012 وانحازت الحركة إلى ما عُرف بـ"الربيع العربي". وفي منتصف عام 2016 بدأت حماس تهدئة الخطاب تجاه سوريا.

ويُرجع مصدر فلسطيني ذلك إلى عدة أسباب منها: خسارة حماس للساحة المصرية وعدد من الساحات الأخرى، وشعورها بأن المعركة طويلة، لكن الأهم، وفق المصدر، هو أنه في ذلك الوقت وصلت معلومات لفصائل فلسطينية رئيسية، من بينها حماس، بواسطة دولة إقليمية رئيسية، عن توافق دولي في سوريا عنوانه تسليم الملف للروس، وهو ما ساهم بتعزيز خيارات سياسية مغايرة كانت في إطار التشكل.

لكن المصدر يعتبر أنه ورغم أن المفاوضات بين حماس ودمشق برأيه وصلت إلى حدود متقدمة إلا أنها تشهد بعض المعوقات "فكما أن القطيعة مع سوريا سببت خسائر لحركة حماس، كذلك الاقتراب منها سيسبب خسائر واسعة للحركة واهتزازات في بعض علاقاتها الإقليمية، وحتى بين بعض جمهورها. ويكفي قراءة ما كتبه بعض المؤيدين للحركة للوصول لهذه النتيجة. كما هي أي خطوة سياسية، ليست هناك أرباح صافية".