عن وحدة اللبنانيين المملة والكاذبة

دنيز عطالله
الثلاثاء   2022/06/14
الوحدة المنشودة تعكس الرؤية التي يستقي منها اللبنانيون فهمهم للعالم وللسياسة (Getty)
منذ انتخاب المجلس النيابي الجديد وأسئلة "الوحدة" قائمة.
هل يملك نواب التغيير خطاباً موحداً ورؤية واحدة؟ هل سيشكلون كتلة موحّدة؟
ماذا عن سائر المستقلين في المجلس، هل يتوحدون؟
واذا كانت "وحدة الثنائي الشيعي" من المسلمات، فأصوات المنادين بـ"وحدة المسيحيين" لا تنفك تتصاعد عند كل استحقاق، خصوصاً متى كان يعني منصباً كبيراً كمثل انتخاب رئيس للجمهورية.
أما "وحدة السنّة" فيكاد غيابها يلامس "الإحباط"، وتتحول مطلباً وطنياً.

أدبيات موروثة
يتلقى اللبنانيون دروساً يومية بوجوب توحيد الرؤية، توحيد الصف، توحيد الجبهة، توحيد المفاهيم وغيرها من دعوات الوحدة.

مطالب الوحدة والتوحيد والاتحاد ليست جديدة في الخطاب السياسي اللبناني. وبديهي القول أنه كلما أزداد الكلام عنها، كلما عكس ذلك خوف اللبنانيين المضمر والملموس من انفراط عقدهم الوطني وتحلل ما تبقى من جوامعهم المشتركة.

هذه الوحدة المنشودة في الأدبيات السياسية تعكس الرؤية التي يستقي منها اللبنانيون فهمهم للعالم وديناميكيته عموماً، وللسياسة بشكل خاص. وهي، في أحد وجوهها، تدفع إلى القلق حول رحابة مساحات الحرية وغنى الاختلاف والتنوع والفرادة المطلوبة.

المضامين الآحادية المملة
في دراسة للرئيس الفخري لجامعة الروح القدس في الكسليك الأب البروفسور جورج حبيقة قراءة أبعد من السياسة للوحدة والاختلاف. هو دفاع مستميت، كما يصفه، عن "مبدأ التنوّع في تآلف الاختلاف". يقول "عندما ندافع عن التعدّديّة المتماسكة، ندافع في الوقت عينه عن الغنى الفكري والحرّيّة والحياة. فالخطر الأكبر يكمن، في ظلّ العولمة التي نعيش على إيقاعها اليوم، في المعايرة اللاّغية للفروقات والترداد الممل لمضامينها الأحادية".

يخاف أن "تدمّر ثقافة اللون الواحد زخم الحياة والابتكار والخيال. إذ إنّ الحرّيّة في نهاية المطاف لا تُمارس إلّا في خيارات متعدّدة".

يذهب حبيقة أبعد من ذلك مستشهداً بمقالة لـ"ألفرد سيمون" بعنوان "أقنعة العنف" يعتبر فيها أن "إلغاء الفروقات عملٌ عنفيٌّ" .

تصدّع داخلي
لكن هل فعلاً تحتمل السياسة اللبنانية اليوم مثل هذه المحاولات لإعادة الاعتبار لمفاهيم الكلمات ومدلولاتها ومناقشة أبعادها وانعكاسها على يوميات الناس ومواكبتها لخطاب الحداثة في العالم؟ 

هو ليس ترفاً. فحين تتضاءل تقاطعات اللبنانيين السياسية، يحتاجون أكثر من أي يوم مضى إلى وجوب احترام رحابة الحرية ومبدئية التنوّع ومحاولة إدارته تحت عباءة "تآلف الاختلاف".

وفي السياسة أمثال لا تُحصى عن سلبيات التوحيد والوحدة، خصوصاً متى جاءت بالاستقواء أو بالإكراه. ولنا في لبنان مقاربات تأسيسية في هذا المجال.

إذا تجاوزنا كل التصدّع الداخلي الذي رافق محاولات الدفع باتجاه وحدة عربية مفترضة في 1920 ووحدة مع سوريا في 1943 ، فإن محاولات توحيد "البندقية الداخلية" بين القوى داخل كل طائفة في الحروب اللبنانية، كانت الاقسى والأشد إيلاماً على كل الطوائف.

وحتى "الوحدة الطائفية- المناطقية" التي جمّعت اللبنانيين في فترات الحرب، في مناطق ذات أغلبية من لون واحد، انتهت إلى اقتتال وصراع على النفوذ والسلطة، ومزيد من تحلل مفهوم  الدولة المنشودة.

معنى الوحدة
على أي حال، ماذا تعني الوحدة السياسية في بلد كلبنان؟

في أذهان الناس، إذا توحد السياسيون فسيكون ذلك، على الأرجح، ضدّ مصالح اللبنانيين وطموحاتهم. ضد نفطهم واقتصادهم. ضد تطورهم وانفتاحهم على العالم. ولنا في سنوات من إدارة البلاد، بالتوافقات حيناً وبصراع سلطوي أحياناً، خير دليل على ما وصل إليه البلد من انهيار وإفلاس.

فهل يستطيع السياسيون، لاسيما الجدد في المجلس النيابي، أن يصوغوا توافقات سياسية تترجم مصالح اللبنانيين المشتركة، وطموحاتهم المشتركة وتعكس مساحات تقاطعاتهم بعيداً عن نمطية صورة الوحدة الماحقة لكل خصوصية؟ أم ترانا سنظل ندور في مدلولات وترجمات فارغة تعكس تكاذباً ننمقه بكلمات كالوحدة والإجماع تزيد من تشتتنا الداخلي تشتّتاً؟.