دولة بعين واحدة تسير في العتمة

عارف العبد
الجمعة   2022/05/06
مرشح الفتنة المتنقلة، وزير العنمة في بلدة رحبة العكارية (المدن)

النظريات المعروفة والمتداولة في عالم الإعلام والتواصل والاتصال، في الأنظمة التي تقول أنها تتبع الوسائل الديمقراطية، أُنتجت أغلبها في فترات الحروب أو الانتخابات، نيابية كانت أو رئاسية.

جوهر كل هذه النظريات ينطلق من مسلمة أساس، وهي حيادية وعدالة السلطة، حتى لو كان أركانها خاسرون في الانتخابات أو في الطريق إلى الخسارة.

أما في بلدنا، فإن الأمور لها طابعها اللبناني الخاص بها. إذ أن أصحاب النفوذ هم أول من يمارس الانحياز والتلاعب المطابق للتزوير والغش، عبر استخدام مؤسسات وأدوات السلطة للتأثير على الناخب ترغيباً أو ترهيباً.

حتى الظهور في وسائل الإعلام، خاصة كانت أو عامة، يُربط عادة بقوانين تحرص على ضرورة التمسك بتطبيق العدالة والشفافية والتساوي.

ما شهدته البلاد حتى الآن في الحملات الانتخابية، أبعد ما يكون عن العدالة، والشفافية والديمقراطية والحيادية.

ما جرى ويجري ليس إلا استخداماً فجاً وفاجراً وعلنياً لأدوات السلطة في وجه المرشحين الآخرين، أو استخدام الإرهاب والترهيب في مواجهة المواطنين.

تكفي فقط متابعة مسبحة الانسحابات التي كرّت وتوالت في مناطق البقاع والجنوب من قبل مرشحين في الطائفة الشيعية، لتطرح أكثر من علامة استفهام وسؤال عن السر العظيم الذي دفع إلى هذا الطوف المتدحرج من الانسحابات المعلنة والمهلل والمرحب بها ولها.

لم يبق أي مرشح شارد يميناً أو يساراً، من المرشحين في بعض اللوائح التي حاولت تشكيلها بعض القوى والأطراف المعارضة لقوى الأمر المسيطر على الواقع، إلا وأعلن انسحابه لصالح لوائح الثنائي الممانع. حتى إن بعض الانسحابات أتت من لوائح تعلن توددها لخط الثنائي ولم تكن معارضة. لكن بالرغم من ذلك وجدت نفسها، كما يبدو، مجبرة على الانسحاب كما جرى مع لوائح أو مرشحين تدعمهم أحزاب يسارية يفترض أنها منسجمة ومتوائمة مع الخط المعروف.
ألا يستدعي هذا الأمر أسئلة أو تحركاً ما لأجهزة الدولة، التي يفترض أنها الحامية للمواطن ومصالحه، عن سر هذه الانسحابات المتصاعدة من قبل مرشحين تراجعوا عن مواقفهم في اللحظة الأخيرة.

كانت تجربتا بلدة رحبة في عكار والصرفند الجنوبية على مسافة أيام من بعضهما، أوضح دليل على انحياز قوى السيطرة والتحكم في السلطة إلى جانب مرشحين بعينهم ضد معارضيهم.

في بلدة الصرفند تعرض أعضاء لائحة "معاً للتغيير" المعارضة للثنائي المفتول العضلات إلى الضرب والركل والتدفيش والترهيب واستخدام الرصاص في الهواء ترهيباً لمجرد أنهم حملوا حفنة من الشجاعة لإعلان لائحتهم الانتخابية.

في بلدة رحبة العكارية القصة مختلفة، حيث أقدم بعض أطراف الحراك المدني على قطع الطرق، احتجاجاً على مهرجان انتخابي لمرشح الفتنة المتنقلة، وزير العتمة جبران باسيل. وهذا بطبيعة الحال أمر غير مستحب، لكن النتيجة كانت أن قواتاً كبيرة ومشهودة ومؤللة للجيش اللبناني فتحت الطرق بالقوة، لتأمين انعقاد المهرجان في البلدة المذكورة، وخرج باسيل باستعلائه المعهود بعد ذلك، مندداً بمحاولة الاعتراض عليه، معتبراً وصوله إلى ساحة المهرجان انتصاراً مشهوداً.

في بلدة الصرفند تعالت الاستنكارات المنددة، وأولها صدر من حركة امل وكتلة التنمية والتحرير، ووضع الأمر بتصرف القضاء الذي تحرك لإيقاف أحد مطلقي النار، الذي أعيد إطلاق سراحه بعد قطع الطرق بالسواتر.

من المفترض أن الجيش الذي يتحرك في بلدة رحبة لتأمين حرية القول والاجتماع، أن يتولى هو نفسه التحرك في الصرفند، لحماية من تعرضوا للقمع والرفس والإسكات.

ليس من الجائز السكوت عن قطع الطرق أمام المرشحين واعتراض طريقهم بالقوة، لكن في المقابل فإن تحرك أجهزة الدولة لصون حرية الاجتماع، يجب أن تستمر وفي كل المناطق لحماية كل المرشحين وبالتساوي، إن في رحبة العكارية أو في الصرفند الجنوبية، لا النظر بعين واحدة إلى حدثين متماثلين، فيما العتمة تلف لبنان.

لقد ساهم وزير الطاقة السابق وصهر العهد العتيد، عبر خططه والطريقة الفريدة التي مارس فيها مهامه، في إيصال البلاد إلى العتمة مرفقة بعشرات المليارات المهدورة من الدولارات. ومن حق المواطنين الاعتراض عليه ومعارضته. لكن في المقابل فإن حقوق لائحة "معاً للتغيير" في الصرفند من الطبيعي أن تكون محفوظة ومصانة.

لماذا يتحرك الجيش مستدركاً وبهذه السرعة في رحبة العكارية، ويسير الهوينة أو بالكاد يتحرك في الصرفند الجنوبية؟

في العام 1940 ونتيجة متابعته للانتخابات الرئاسية الأميركية خلص العالم النمساوي بول لازرسفيلد، إلى إنتاج نظريته عن "قادة الرأي" و"تدفق المعلومات على مرحلتين" قبل اتخاذ القرار بالاقتراع.

في لبنان وبعد الانتخابات الراهنة سيخرج من تابع هذه المرحلة بنظرية جديدة اسمها "دولة بعين واحدة تسير في العتمة".