تغيّر هوية لبنان في انتخابات الأطباء

دنيز عطالله
الثلاثاء   2022/05/31
النقابة المهنية التي تمثّل الطبقة الوسطى، تُشهر انحيازها السياسي لجهة واضحة (علي علوش)
شكلت نتائج نقابة الأطباء في بيروت مفاجأة لكثيرين. فمنذ 17 تشرين إلى اليوم لم يحقق "التيار الوطني الحر" و"الثنائي الشيعي" فوزاً ساحقاً على هذا المستوى في أي انتخابات جرت، لا نقابية ولا طلابية و..لا نيابية.

تحت المجهر
هي نتيجة لها سياقها المركّب سياسياً واجتماعياً واقتصادياً. فهذه نقابة الاطباء، النقابة المهنية التي تمثّل الطبقة الوسطى، تُشهر انحيازها السياسي لجهة واضحة. وهي بذلك تؤشر إلى أن الكلام عن تراجع دراماتيكي لـ"التيار الوطني الحر" وامتعاض كبير لدى مناصري "الثنائي الشيعي" كلام يحتاج إلى مزيد من التدقيق. أثبت الفريقان أنهما قادران على انتزاع انتصار في نقابة يكاد عمرها يقارب عمر الاستقلال اللبناني.

لكن "هوية" هذا الانتصار وطبيعته وضعت النقابة "الاستقلالية" والنخبوية تحت المجهر. هوية جرّحتها صورة صادمة لنقيب الأطباء الفائز يوسف بخاش محمولاً على الأكتاف من زملاء له أصغر سناً؛ وفتحت باب الهمس على إرث في العمل النقابي والسياسي "يتغيّر"، كي لا يقال يتحلل. ليس تفصيلاً ثانوياً أن يكون 40 في المئة من أطباء لبنان قد غادروه، حسب بيان لمنظمة الصحة العالمية في أيلول من العام المنصرم. قد يشرح ذلك، الرقم الهزيل لعدد الناخبين الذي لم يتجاوز 2417 طبيباً، في حين أن المسجلين على الجدول النقابي يقارب التسعة آلاف.
هذا التصحر الذي يتسلل إلى نقابة الأطباء لا يأتي إذاً من فراغ. فإضافة إلى هجرة الأطباء، هناك هجرة من نوع آخر: هجرة المبادرة واستيلاد الأفكار وضخها في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية للبلد. هذا أصلا في صلب مهام نقابات المهن الحرّة. وهو ما يُفترض أن يكون واضحاً في نقابة الأطباء التي، حسب قوانينها، من مهامها "رسم السياسة الصحية الوطنية، والمساهمة إلى جانب المؤسسات المحلية والدولية في الدفاع عن حقوق الإنسان في الشأن الصحي".
لكن الترهل الذي ضرب النقابات عموماً انتهى إلى لعبها أدواراً هامشية وصّغر حضورها ودورها إلى حدود جمعية تدافع عن مكتسبات صغيرة للمنضويين فيها، ناهيك عن روائح الفساد والهدر واستغلال السلطة، التي ترشح عن بعضها.

حيويّة مفقودة
صحيح أن علاقة نقابات المهن الحرّة كانت دوما معقّدة مع السلطة، إلاّ أنها تمتّعت بحيّوية عكست بعضاً من حيوية البلد في زمن مضى.

لا يمكن في هذا السياق التغاضي عن أرجحية النخب المسيحية التي كانت "عصب" معظم نقابات المهن الحرّة، تحديداً نقابتي الأطباء والمحامين، وكانت تحمل رؤية ومفهوماً ومقاربات محددة للنقابات وللبنان. وبغض النظر عن الاجتهاد في قراءة تلك المقاربات، ومدى "صوابيتها" إلا أنها كانت تعكس قيّماً ونظرة يمكن الاتفاق معها أو الاختلاف، لكنها رسّخت جزءاً من هوية لبنان ومؤسساته ونقاباته.

تآكلت تلك الهوية ولم يتشكّل بديل عنها. وبالتالي، بديهي أن تعكس النقابات وانتخاباتها هزالة الصورة وتفوق سلطة الأمر الواقع. ويصير مفهوماً أن تأتي نتائج انتخابات نقابة الأطباء على هذا النحو، وسط تعقيدات طائفية وطبقية متزايدة تُترجم بانهيار مخيف للطبقة الوسطى.