حزب الله "يبتلع" أمل في صور-الزهراني.. والشيوعي "يحتضر"

خضر حسان
الأحد   2022/05/15
قوّة حزب الله في صور الزهراني ترافقت مع خرقه لقانون الانتخاب (علي لمع)
تميّزت دائرة الجنوب الثانية المعروفة بدائرة صور-الزهراني، لسنوات، بوجود معارضة فاعلة ضد الثنائي الشيعي حزب الله وحركة أمل. وعماد هذه المعارضة هو الحزب الشيوعي مع المرشّح الدائم عن منطقة الزهراني، رياض الأسعد. على أنّ التحوّل الملموس في مسار الانتخابات للعام 2022 لا يُقاس بفوز الثنائي. فهذا الاكتساح محسوم. يبقى حينئذ التركيز على العلاقة بين أمل وحزب الله، من جهة، وموقع المعارضة في هذا الاستحقاق، من جهة أخرى. وما أفرزته السنوات الأربع ما بين انتخابات 2018 وانتخابات 2022، هو اختراق حزب الله لسيطرة أمل، واحتضار الشيوعي.

محطّات انتخابية
انطلق اليوم الانتخابي بافتتاح أبواب المراكز على مخالفات لقانون الانتخاب، تبدأ من دخول مندوبي لائحة الثنائي مع المقترعين إلى أقلام الاقتراع والوقوف بجانبهم خلف العازل المخصص لانتقاء اللوائح وتدخّلهم بخيارهم الانتخابي، فضلاً عن مخالفة القانون لجهة الدعاية الانتخابية، سواء بوضع الأعلام الحزبية بصورة ملاصقة لمراكز الاقتراع وداخله، أو الصوتيات التي تصدح بالأناشيد الحزبية في محيط المراكز، وصولاً إلى الاعتداء جسدياً على بعض الناخبين أو المندوبين المعارضين. على أن هذه المخالفات لا تشكّل العلامة الفارقة في مسار الانتخابات، وإنما العلامة هي تلك العلاقة بين حركة أمل وحزب الله، والتي كانت في السابق ترتكز على تفوّق الحركة عدداً وقدرة ونفوذاً في هذه الدائرة تحديداً.

في المقلب الآخر، كان للمعارضة مركزاً يُعتَدُّ به، وكان تحالف الحزب الشيوعي- رياض الأسعد، منبراً تُنتَظَر كلماته ونتائجه. أما في هذا الاستحقاق، فانشطرت المعارضة إلى ثلاثة أقسام بفعل خلافات على الترشيحات وسوء تقدير المعطيات والتأخّر في اتخاذ قرار المشاركة بالانتخابات والبدء بالتحضير اللوجستي. والتأخّر الأخير أفرَزَ شبه غياب لمندوبي اللوائح المعارضة، فخَلَت معظم أقلام الاقتراع من المندوبين، لصالح سيطرة مندوبي لائحة أمل وحزب الله، ما سهَّل تمرير المخالفات التي يعتبرها الثنائي من بديهيات العملية الانتخابية. أما اعتراض مندوبي المعارضة، إن وُجِدوا، فلم يؤخَذ به، بل تواطأ بعض رؤساء الأقلام مع مندوبي الثنائي لتمرير المخالفات.

بين أمل وحزب الله
هدوء العملية الانتخابية وغياب التنافس الجدّي بين سلطة ومعارضة، نَقَلَ النقاش إلى الصورة الجديدة التي برز بها حزب الله في مناطق السيطرة التقليدية لحركة أمل، وتحديداً في قرى منطقة صور. فالحزب انصاع لسنوات للأمر الواقع الذي يقول بأن الكلمة على الأرض للحركة. وتُتَرجِم الانتخابات البلدية تلك السيطرة، فتستحوذ الحركة على غالبية مقاعد المجالس النيابية وتترك للحزب ما يمكن تحقيقه. كما أن البروز في الشارع وإقامة الأنشطة والاحتفالات، تُقاس قوّتها وضخامتها بمدى الوجود العددي لعناصر الحزب والعائلات المرتبطة به.

اليوم زاد حضور الحزب، فارتفعت شعاراته وصور قياداته وصدحت مكبرات أصواته بقوة في مناطق نفوذ أمل، ومنها على سبيل المثال قرية "معركة" في قضاء صور، والتي تعتبر معقل الحركة. وهذا النفوذ المتزايد ليس سوى مكسب للحزب سيُستَعمَل في الانتخابات البلدية المقبلة لتغيير المعادلة السابقة، التي كانت تحتسب عدد مقاعد الحزب من ضمن المقاعد التي تُوَزَّع على باقي الأحزاب والعائلات في القرى. فحضور الحزب القوي، عدداً وتنظيماً، يخوّله فرض عدد مقاعد معينة على الحركة، يُفاوَض عليها من منطق قوة. وهذا ما يُقلق الحركة رغم تسليمها بتعاظم نفوذ الحزب في "مناطقها". لكن ما يدركه الحزب أيضاً، أن تحليقه مهما بلغ، يقف عند ما يُمكن تسميته بـ"المحرّمات"، إذ لا يتخطّى رئاسات البلديات لأمل، فأقصى ما يمكنه المطالبة به أو فرضه، هو نائب الرئيس أو المداورة في الرئاسة. ومع ذلك، فهو انتصار سيتراكم تأثيره مع الوقت.

اللافت كذلك، هو غياب الماكينات الانتخابية للحزب الشيوعي، والتي تألّقت في كل الاستحقاقات الانتخابية النيابية والبلدية منذ العام 1992 حتى العام 2018، والتألّق يُقاس بتغطية شبه كاملة للصناديق الانتخابية.

غابت الترشيحات عن قائمة الحزب في دائرة صور، واكتفى الحزب بتشريح أمين مروّة عن دائرة الزهراني، فيما فَرَضَ حراك صور مرشّحَين، هما حاتم حلاوي وسارة سويدان.
والتراجع الشيوعي انعكس تململاً لدى الشيوعيين واليساريين والوطنيين غير الحزبيين الذين كانوا يؤيّدون المرشّح الشيوعي انطلاقاً من الموقع المعارض. وغاب أيضاً الخطاب الواضح للحزب، ولعب النقاش حول سلاح حزب الله دوراً في تشتيت الأصوات الشيوعية بين مؤيد للسلاح ومعارض له. فزاد الانقسام. والغياب دفع عدداً كبيراً من الشيوعيين واليساريين إلى عدم الاقتراع نهائياً، فيما طغت الفردية على خيارات مَن قرّروا التصويت، واعتبر الكثير من الشيوعيين الحاليين والسابقين، تخبّط الحزب فَشلاً يجب على قيادة الحزب التوقّف عنده وعدم تجاهله كما جرى مع نتائج العام 2018. لكن سواء اعترفت القيادة بالفشل أم لا، فالشيوعي يحتضر على أرض الواقع، وهذا ما تثبته الأصوات وملازمة الشيوعيين لمنازلهم بعد الاقتراع.
أيضاً، إن بروز حراك صور كقوة ناشئة إثر تحركات 17 تشرين الأول 2019، لا يمكن الاعتداد به واعتباره "رقماً صعباً" قادراً على فرض كلمته وحضوره. فهو فتيٌّ تحت التجربة. وأولى تجربته، صفعة وحدة المعارضة والامتحان اللوجستي.