ساعات زحلة الأخيرة: السلاح.. والتنافس المحموم على الصوت السنّي

لوسي بارسخيان
الجمعة   2022/05/13
وصول صناديق الاقتراع إلى زحلة، التي تتوزع على 326 قلماً (المدن)
تفتح صناديق اقتراع دائرة زحلة الانتخابية بدءًا من السابعة من صباح يوم أحد لـ182 ألفاً و425 ناخباً يقترعون لسبعة نواب، يتوزعون على سبعة مقاعد: واحد لكل من الموارنة، الأرثوذكس، السنة، الشيعة، والأرمن، واثنان للكاثوليك. واستقر عدد اللوائح على ثمانية، خمسة منها على الأقل تخوض الانتخابات مع حظوظ بالحواصل.

توزّع الناخبين.. بروفا وصناديق
وفقا لأرقام قوائم الناخبين، يخوض سنة البقاع الانتخابات بغياب المرجعية السياسية التي كان يشكلها تيار المستقبل. وهم يشكلون العدد الأكبر من الناخبين: 54737 صوتًا. فيما تراجع الكاثوليك في عاصمة الكثلة إلى المرتبة الثانية من حيث عدد ناخبيهم البالغ 33 ألفاً و41 ناخباً. ويحل الناخبون الشيعة في مرتبة ثالثة بـ30 ألفاً و415 ناخباً. والموارنة بـ27 ألفاً 986 ناخباً. والأرثوذوكس بـ16 ألفاً و784 ناخباً، ثم الأرمن الأرثوذكس بـ8464 ناخباً، والأرمن كاثوليك بـ1833 ناخباً. ويتفوق عليهم الناخبون السريان الأرثوذوكس والكاثوليك الذين يعدون نحو 7 آلاف ناخب. علماً أن في الدائرة أقليات من الدروز والإنجيليين وسواهم.

في سرايا زحلة الحكومية اكتملت التحضيرات لإنجاز العملية الانتخابية. وقد وصلت إليها مساء اليوم الجمعة 13 إيار صناديق الاقتراع، التي تتوزع على 326 قلماً، ابتداءً من صباح غد السبت.

وفقاً للبروفا الأولية التي قدمها موظفو القطاع العام الذين يشاركون في العملية كرؤساء أقلام وكتبة، بلغت نسبة التصويت في دائرة زحلة 86.6 في المئة. وكان الحضور الفاعل فيها لماكينات كل من القوات اللبنانية، الكتلة الشعبية، ميشال ضاهر والتيار العوني.

وبروفا الانتخابات التي مرت بسلاسة، وسجلت فيها مخالفات بسيطة، منها ملاحظات مراقبيها عن عدم معرفة بعض من يتولون مهام رؤساء الأقلام والكتبة كيفية سير العملية الانتخابية. وهذه لا تشكل مؤشرا لعملية هادئة يوم الأحد، خصوصًا مع تشنج الأعصاب واحتدام المنافسة بالشارعين المسيحي والسني تحديدًا.

التنافس على التصويت السني
المال السياسي، الشائعات، وتكثيف الإطلالات الإعلامية، كانت أبرز عناوين الساعات الأخيرة قبل الدخول في مرحلة الصمت الإلزامية. والكل يركز على نسبة التصويت، كمؤشر تراقبه الماكينات الانتخابية، بناء على استراتيجياتها الموضوعة لرفع حظوظ مرشحيها. وهذا المؤشر موضوع مراقبة خصوصًا في الشارع السني. فأي تراجع بنسبة التصويت في هذا الشارع يحرم اللوائح الأساسية المتنافسة من أعداد أصوات تقربها من الحواصل التي تطمح إليها.

وأي انخفاض في نسبة التصويت السني يتطلب جهوداً إضافية لتحفيز الشارع المسيحي تحديدًا، وخصوصا القوات اللبنانية التي تخوض معركة مقعدين تفضيليين.

ورفع نسبة التصويت يشكل هاجس لائحة "زحلة تنتفض" التي يقترن وصول مرشحها التفضيلي باستنهاض الناخب الصامت تحديداً. مع ضرورة أن يتفوق بأصواته على أصوات أي من منافسيه على اللوائح الأخرى.

في المقابل تكتمت مصادر حزب الله وحركة أمل حول وجهة توزيع أصواتها التفضيلية، خصوصًا أن للثنائي مرشحاً واحداً في الدائرة، قادر وحده إذا قرر رفع نسبة التصويت الشيعي وتأمين حاصلين، أو حاصل وكسر أعلى في أسوأ الحالات. ما يعني عمليًا أن لائحة تحالفه مع التيار العوني تنطلق بحاصلين مرتاحين، ولكن من دون أن يريح ذلك القوى التي يتحالف معها، أي التيار الوطني الحر الذي يخوص معركة المقعد الماروني.

لوائح أخرى تخوض معاركها معتمدة بشكل أساسي على الرافعة السنية، ولا سيما لائحة "سياديون مستقلون" برئاسة النائب ميشال ضاهر. فيما المنافسة تبدو أكثر شراسة على جبهة الكتلة الشعبية التي تترأسها ميريم سكاف. واللوائح كلها تعمل  على استقطاب الصوت السني بشتى الوسائل. فيما التفتت يبدد قوة هذا الشارع، ويشرذم أصواته على أكثر من لائحة، وسط محاولات لسحب مفاعيل أحداث كان يمكن أن تكون مؤثرة في هذه الانتخابات، والعمل على عرقلتها من قبل المتنافسين، ومن بينها زيارة السفير السعودي وليد البخاري زحلة، والتي انتهت بلقاء مع ثلاثة مرشحين على الأقل.

إذا كان البعض يتحدث عن حظوظ بالحواصل لثلاث إلى خمس لوائح من اللوائح المتنافسة، فإن الجميع يتنافس، وحتى اللوائح التي تشكلت بالتحالف مع حزب الله، على أصوات السنة، كل في بيئته. ولكن من دون أن يكون المرشح السني مفضلا من قبل أي من مشكّلي اللوائح.

حمى الساعات الأخيرة
هذه الصورة البانورامية التي ترسمها الساعات الأخيرة قبل فتح صناديق الاقتراع، تجعل البعض يستخلص معركة محصورة في زحلة على مقعد أو إثنين. قد يكون أبرزها الأرثوذوكسي والكاثوليكي. وتنحصر الأولى بين "القوات اللبنانية و"زحلة تنتفض"، والثانية بين النائب ميشال ضاهر وميريم سكاف، ولكن شرط أن ينجح كل الأطراف بتأمين الحواصل. 

لكن ذلك لا يجرد باقي المرشحين من حظوظ "النمرة الزرقاء". وتجربة زحلة مع "فلتات الشوط" جعلت اللعاب يسيل على أكثر من صعيد بالنسبة لتقديم الترشيحات. والأمر ليس محصورًا وفقا للبعض على المقعد الأرمني هذه المرة، طالما أن معركة الانتخابات وفقا للقانون المعمول به، هي معركة أرقام وحواصل بالدرجة الأولى.

في الأثناء ارتفعت الأصوات من مآذن الجوامع  وفي الكنائس بناء لتوجيهات رؤساء الأساقفة للإقبال الكثيف على الانتخابات. إلى مهرجانات شعبية نظمها حزب الله بالتزامن في دوائر البقاع الثلاث، مع إطلالة حسن نصرالله لإطلاق التوجيهات الأخيرة قبل الدخول في الصمت.

وفيما يترقب التأثير ولو المحدود الذي يخلفه انعكاس الفتاوى والوصايا الدينية على مجريات العملية الانتخابية، لا يزال البعض يعتبر أنه غير معني بهذه الانتخابات، ولا يقتصر الأمر على الطائفة السنية، بل يطال كاثوليكيي زحلة، الذين انعكس إحباطهم من خلال الشح في الترشيحات من شخصيات الطائفة، فلم يقدر عدد المرشحين الزحليين على تغطية عدد اللوائح.   

سلاح الحزب والاقتصاد
في المقابل، إذا كان سلاح حزب الله وحصره بالشرعية هما العنوان الأبرز للمعركة التي تخوضها القوات اللبنانية بشكل أوضح من سواها، يجمع العنوان سائر اللوائح الأخرى، باستثناء لائحة تحالف حزب الله والتيار العوني. وفي هذه اللائحة بالذات شح بالكلام والحملات، وخصوصًا من قبل المرشح الشيعي. الأمر الذي يقلل من وقع خطاب القوات اللبنانية في الشارع المسيحي ومن الجدل بين الطرفين، إلى حد دفع مرشحه الكاثوليكي جورج عقيص للتذكير بأحداث القمع اللاحقة بالمرشحين الشيعة على لائحة القوات اللبنانية في بعلبك.

وإلى الخطاب السياسي الذي تتقدم به القوات اللبنانية، يبدو الخطاب الاقتصادي متقدماً في لائحة "سياديون مستقلون"، فيما خطاب التيار العوني يركز هجومه على "من عرقل العهد"! وتركز "الكتلة الشعبية"على خطاب محلي يستحضر زمن الخدمات التي تتميز به عائلة سكاف. فيما تحاول زحلة تنتفض أن تقبض على "نبض الثورة".

هذا مع انصراف بعض المرشحين على مختلف اللوائح لخطابات مناطقية، تحصر معاركهم بالقرى التي يصوتون فيها، ما يقزم استحقاق الانتخابات النيابية بالنسبة لهؤلاء إلى حجم معركة البلديات.

على العموم قد تحمل انتخابات زحلة المفاجآت أو تبقى في إطار المتوقع. ولكنها لا شك في أنها تشكل البوصلة التي تنطلق منها كل من الأحزاب السياسية والقوى المشاركة لوزن حجمها السياسي والشعبي. ليكون خميرة انطلاق التحضير للانتخابات البلدية في العام المقبل.