إصبع ميقاتي يحمل فيلاً

يوسف بزي
الخميس   2022/03/24
ليس في الأمر تهوراً من رجل سمته الأصلية الحذر والتأني الشديد (دالاتي ونهرا)
لنتخيل مصير رجل تعهّد حمل فيل بإصبع واحدة. إما أنه صاحب قوة خارقة فوق بشرية، أو أنه مشعوذ وصاحب ألعاب خفة وسحر استعراضي، أو أنه ببساطة تنطّح للمهمة توهماً وتهوراً.

هكذا يبدو رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، إن في تعهداته التي أطلقها إبان تشكيل حكومته، أو في أعماله وتصريحاته وقراراته اليومية.

يتعامل ميقاتي مع مجموعة أحزاب شرسة، أنيابها تطحن العظام. ويتشارك في أشغاله السياسية مع رئاسة جمهورية أشبه ببلدوزر بلا فرامل، ومع رئاسة برلمانية أشبه بطوطم مقدس لا يمسّ ولا يشكك به. ويتكون فريق عمله من وزراء، نصف أعداء ونصف منافسين ونصف خونة..

إلى جانب ميقاتي تقف عصابات البيروقراطية الطائفية التي لا تتوانى عن اقتراف أفظع الأعمال جهاراً أو تحت جنح الظلام. وراءه تقف تشكيلة المصارف، والكارتيلات، وأشباه الأوليغارشية الروسية (أكثر انحطاطاً منها على الأرجح). أمامه باستمرار حزب القوة الحاسمة. فوقه سفراء قوى عظمى، وديبلوماسيون إقليميون أشداء.

لنضع كل هذا جانباً، افتراضياً. هناك بالمقابل، على ميقاتي إدارة دولة وبلد في القرن الواحد والعشرين بلا كهرباء، ولا مشتقات نفطية، ولا طرق آمنة، ولا نظام مواصلات، ولا مصارف حقيقية، ولا مال في الخزينة، ولا ورق حتى في طابعة حكومية.. ولا طعام للجنود. عليه إدارة حكومة من شروط تأليفها ونيلها الثقة أن لا تنفذ أي مطلب إصلاحي. بل العكس، عليها أن تطلي النفايات بلون زاهٍ وبرّاق، وتغطي العفن بعطور رخيصة.

جلسة الحكومة الاستثنائية المخصصة لملف النزاع بين بعض القضاء والقطاع المصرفي، ثم الجلسة الأخيرة أمس الأربعاء 23 آذار، تقول لنا أن عقلية اقتراح الوزير محمد شقير لتفادي الكارثة بضريبة الواتساب، لا تزال هي عينها العقلية التي تمسك بالسلطة التنفيذية اليوم: رفع فيل بإصبع واحدة.

استماتة ميقاتي في إحباط القضاء، مقابل استماتة رئاسة الجمهورية باستغلال القضاء، ومقابل رئاسة برلمانية "تتجاهل" أصلاً القضاء.. من أجل حماية "حاكم" لن نقول أنه فاسد أو مرتكب أو مقترف جنايات وخطايا، بل على الأقل بات سيء السمعة، والثقة به معدومة. أو من أجل أرباح انتخابية على حساب الحقيقة والعدالة والقضاء كله، أو من أجل حماية ثروات مهربة أو إخفاء تاريخ فساد أو تحويل انفجار بيروت إلى حادث قضاء وقدر وغامض إلى الأبد.. هذا كله، مضاف إليه سنتان من الخداع المتواصل إن في تغييب الكابيتال كونترول، واستمرار الهيركات غير المعلن، أو في تسويف التدقيق المالي الجنائي، وتفخيخ "خطة التعافي" ونسف التحقيق في قضية ثاني أكبر انفجار غير نووي بالتاريخ، والفشل المريع بخطط الكهرباء، وتبديد الاحتياطي المالي وفق مزاج حاكمية مصرف لبنان وحساباته السياسية قبل الاقتصادية. ثم وضع كل هذه الكوابيس بتصرف آلة الدعايات الانتخابية لابتذالها بأطنان من الأكاذيب.

ما نحن موقنين منه أن لا قوة خارقة هنا تنقذنا ولا أوهام بريئة تواسينا. وموقنون أكثر أن ليس في الأمر تهوراً من رجل سمته الأصلية الحذر والتأني الشديد.

على الأرجح نحن أمام مشعوذ سياسي يتقن ألعاب الخفة والسحر الاستعراضي، على مثال ملاعبته رئيس الجمهورية وزملائه من رؤساء الحكومة أو حتى بأسلوب "دعم" خصومه ومنافسيه في الانتخابات. ناهيك عن تطاير الطابات السعودية والإيرانية والفرنسية والأميركية بين يديه..

شعوذة لن تمنع الفيل من أن يدهسنا.