المعارضة التي تقوي السلطة

أنطوان ع. نصرالله
الإثنين   2022/02/07
تشيع المنظومة أن الانتخابات لن تحدث تغييراً كبيراً! (الأرشيف، المدن)
يتلاعب أركان السلطة وأهلها بقوى المعارضة، تماماً كما يتلاعب فريق كرة قدم محترف من الدرجة الممتازة بفريق هاوٍ لم يلمس الكرة منذ سنوات. والأنكى من ذلك، أن الفريق يرفض أن يتعلم أو أن يرى نقاط ضعف خصمه الكثيرة، وحتى أن يستعمل نقاط القوة التي يملكها، وهي كثيرة ومتعددة، ولا يجب الاستهانة بها. ولعل الدليل الأكبر على هذا المشهد، هو كيف يتلقى أولئك الناطقون باسم المعارضة اي خبر تطلقه المنظومة، أو كيف يتصرفون أمام ما تقوم به سلطة قبضت على حياتنا في غفلة من الزمن. إذ يكفي أن ترمي المنظومة شائعة أو أُمنية فتصبح حقيقة عند أهل المعارضة. والأدلة على ذلك كثيرة.

فمعظم قوى المعارضة مقتنعة أن هنالك إمكانية أو رغبة في تأجيل الانتخابات. وهي شائعة تغذيها المنظومة بهدف واحد لا غير: خلق الشك لدى من يرغب فعلاً بإحداث تبديل حقيقي في المشهد اللبناني بموعد الانتخابات، فيدخل سباق الانتخابات من دون استعداد كاف ويصل إليها منهكاً متعباً.

الشائعة الثانية، والأخطر من الأولى، هي أن الانتخابات لن تحدث تغييراً كبيراً، وبالتالي، فإن ما سيتبدل في المجلس الجديد هو عدد من النواب لن يتعدى عدد أصابع اليد. هي شائعة تترسخ يوماً بعد يوم في عقول اللبنانيين والأجانب. ومن يساهم بنشرها هم أعضاء فاعلون بما يسمى قوى التغيير، بينما تشير الإحصاءات الجدّية إلى أن حوالى الخمسين بالمئة من الناخبين لا يرغبون بالتجديد للطبقة القديمة، وهم بانتظار قوى التغيير لتتوحد ليتخذوا قرارهم النهائي.

وفي الإطار نفسه، تتلهى المعارضة بما يقال اليوم عن إمكانية إعادة استنباط الدائرة 16، ما يمنع الناخبين المغتربين من التأثير على نتائج الانتخابات في الدوائر داخل لبنان. وهذا الأمر في حال إقراره، يطيح بالانتخابات لأسباب لوجستية وقانونية إلى فترة لن تقل عن سنة. وهو من سابع المستحيلات، نظراً للظروف الداخلية والخارجية. وإطلاق الشائعة لها هدف واحد: إحباط حماسة المغتربين وخلق بلبلة لدى المجموعات الثائرة.

وآخر شائعة من المسلسل الذي لن تنتهي حلقاته إلا مع انتهاء الانتخابات، هو أن نسبة المشاركة الشعبية لن تكون مرتفعة، وستعم المقاطعة جميع الدوائر الانتخابية. وهي أمنية من أمنيات المنظومة غير المعلنة. إذ أن تدني نسبة المشاركة سيؤدي حتماً إلى اكتساحها الانتخابات. وهذا الأمر تعمل له، عبر ترسيخها مجمل هذه الشائعات في العقول والنفوس.

مقابل ما تطلقه المنظومة، تبدو قوى التغيير مستسلمة، متلقية لما ترميه عليها القوى من قنابل دخانية. علماً أن واجبها الأخلاقي والوطني يفرض عليها اعتماد خريطة طريق واضحة المعالم والأهداف، أولى نتائجها اقتناعها أنه بإمكانها أن تحدث تسونامي انتخابي، يمكنه الإطاحة بأحلام طبقة سياسية فاسدة ومفسدة. كما من واجبها أن تطل على ناسها بوجوه جديرة بالثقة، لديها إمكانية الفوز ما يحمس المترددين على المشاركة، وأن تدرك هذه القوى أن الانتخابات هي محطة أولى مهمة لإحداث التغيير المطلوب.

باختصار، على هذه القوى المبادرة، وأن تتصرف كفريق محترف، بعيداً عن التجارب السخيفة. كما عليها التخفيف من الاجتماعات التي لا تنتهي. كل ذلك، قبل أن تتحول إلى معارضة تقوّي وجود السلطة.