زيارة البابا لبنان مؤجلة حتى ينضج الحل وينتهي الانقسام

حبيب شلوق
الثلاثاء   2022/02/22
الزيارة البابوية تأتي لتكريس مشروع حل وليس لـ"تطبيع" خطأ قائم (Getty)
ينشغل لبنان الرسمي و السياسي والشعبي بكل تحرك فاتيكاني، مع أمل في أن يثمر حلاً لمشكلة استفحلت منذ سنوات عدة. وكلما حصل تحرك نُسجت حوله سيناريوهات هي أقرب إلى الآمال منها إلى الواقع.

واليوم تراقب كل الأوساط اللقاءات السينودسية الحاصلة في الكرسي الرسولي، والتي يشارك فيها رؤساء الكنائس الكاثوليكية الشرقية، ومنهم البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، بدعوة من المجمع الشرقي، برئاسة الكاردينال ليوناردو ساندري. وهي اجتماعات تعقد في شباط من كل سنة للبحث في شؤون كنسية تهم الطوائف المسيحية "الأقلية" في الشرقين الأوسط والأدنى، بدءاً من لبنان وسوريا والعراق وصولاً إلى الهند مروراً بالخليج، وفي المشكلات التي يعانيها المسيحيون في هاتين المنطقتين، اللتين تشهدان نمو بعض حركات التطرف، في وقت تسعى دول منها إلى تكريس الانفتاح على الكنيسة مثل المملكة العربية السعودية والكويت وقطر والإمارات والبحرين. وهي دول قطعت شوطاً بعيداً في مجال الإنفتاح و"قبول الآخر". وفي هذا المجال يدرس المؤتمرون سبل المحافظة على الوجود المسيحي والتنشئة الكهنوتية في هذين "الشرقين".

زيارة غالاغير
من هنا، ومع تكاثر التحليلات التي تلت زيارة وزير خارجية الفاتيكان، رئيس مجلس الحوار بين الأديان المونسنيور بول ريتشارد غالاغير، لبنان، لا بد من إعادة الأمور إلى نصابها في كل ما يتعلق بالزيارة والموقف البابوي.

أولاً، يعود موضوع الزيارة أساساً إلى دعوة الرهبانية اللبنانية المارونية إلى الاحتفال بذكرى مرور 25 عاماً على زيارة البابا القديس يوحنا بولس الثاني لبنان (أيار 1997) وتوقيعه الإرشاد الرسولي "رجاء جديد للبنان"، وإطلاقه شعار "لبنان هو أكثر من بلد، إنه رسالة"، وقد ساهم في التحضير لهذا الاحتفال في جامعة الكسليك، السفير اللبناني في الفاتيكان النائب السابق فريد الياس الخازن.

ثانياً، لم تكن زيارة غالاغير رسمية، بدليل أن وزير خارجية لبنان غاب عن وداع الوزير غالاغير في المطار، وأوفد ديبلوماسياً من الخارجية ليمثله. الأمر الذي رأته أوساط متابعة تقصيراً رسمياً نظراً إلى مكانة الفاتيكان ودوره الداعم للبنان والعلاقة الديبلوماسية الوثيقة بينه وبين الكرسي الرسولي العائدة إلى 75 عاماً.

ثالثاً، صحيح أن غالاغير زار رئيس الجمهورية ورئيسي مجلس النواب والحكومة ووزير الخارجية، وهي زيارات بروتوكولية، فإن زياراته لرؤساء الطوائف الإسلامية أتت بطلب من البابا فرنسيس، للاستماع إلى رؤيتهم للأوضاع، بعدما كان استمع في حضور غالاغير إلى وجهات نظر رؤساء الطوائف المسيحية في تموز 2021 خلال مؤتمر دعاهم إليه في الفاتيكان، وشارك فيه رئيس مجمع الكنائس الشرقية الكاردينال ليوناردو ساندري.

رابعاً، إن زيارة رؤساء الطوائف الإسلامية الثلاث تأتي من قناعة لدى الكرسي الرسولي بوجود تباين في وجهات نظر هذه الطوائف. وهو ما يتجلى في الخلاف الظاهر بين السنّة والشيعة والدروز وحتى بين المسيحيين أنفسهم، الذين يتعاطف كل قسم منهم مع طرف.

خامساً، إن الكلام الذي روّجته أوساط سياسية وإعلامية معينة عن لسان وزير خارجية الفاتيكان لجهة الدعوة إلى رفع التهمة الدولية بالإرهاب عن "حزب الله" غير صحيحة، والموقف الفاتيكاني الثابت هو عدم التدخل في الشؤون الداخلية لأي دولة ولا في السياسة التي تنتهجها ، إنما يعمل الكرسي الرسولي لاحترام قرارات هذه الدول والسعي إلى ترسيخ سلامها وسيادتها، والحوار بين كل أطيافها. ومن هنا فإن موقف الفاتيكان من "لبنان الرسالة" هو تشجيع الحوار بين كل المكونات و"حزب الله" هو واحد من المكونات اللبنانية التي يجب الحوار معها. وتدعو مصادر كنسية قريبة من الكرسي الرسولي إلى عدم سوء تفسير الموقف وتوسيع التكهنات.

أسئلة بمكانة أجوبة
سادساً، إن زيارة البابا فرنسيس للبنان واردة، ولكن ليس في المدى المنظور، لجملة أسباب أوردتها أوساط كنسية لبنانية على شكل أسئلة، منها:

- هل يمكن أن يزور البابا لبنان وهو يستعد لإجراء انتخابات نيابية، قد تستغلها أطراف معينة، والأمثلة على تجنب مثل هذه الزيارات ظهرت قبيل الانتخابات الأميركية والفرنسية، حتى إذا ما استوجب اتمام زيارة فتكون عبر موفدين.

- إن البابا يدعو إلى الحوار المسيحي-الإسلامي فلا يمكن أن تكون الزيارة في هذه الظروف، في ظل خصام سني- شيعي- درزي، وانقسام مسيحي- مسيحي متعاطف مع هذا الطرف أو ذاك.

- هل يمكن أن تتم الزيارة وكأنها تكريس لواقع سوء العلاقة بين لبنان ودول الخليج في ضوء دعوة البابا إلى الحوار المسيحي- الإسلامي والانفتاح الحاصل بين هذه الدول والكنيسة.

- مَن يضمن أمن الزيارة في ضوء العجز الأمني الرسمي وتعدد ولاءاته، والسلاح غير الشرعي والفلتان الحاصل؟

- مع رغبة البابا في زيارة لبنان، وهي رغبة أبداها مراراً، إلا أنها ليست قريبة، لأن البابا لا يمكن أن يزور لبنان وكأنه يأتي لتكريس واقع انقسام داخلي وسوء علاقة بينه وبين الدول العربية المحيطة وفي مقدمها دول الخليج، وهو الداعي إلى الحوار الإسلامي- المسيحي. كما أن هناك احتمال بعدم حصول انتخابات نيابية، ما سينعكس على عدم حصول انتخابات رئاسية، وغياب أي إصلاحات تبشّر بمستقبل واعد لجيل شباب يهاجر بعشرات الآلاف؟

بانتظار الظروف
وبإزاء كل هذه الاستفهامات، ترى أوساط كنسية محلية وفاتيكانية أن الزيارة البابوية تأتي لتكريس مشروع حل وليس لـ"تطبيع" خطأ قائم. علماً أن الزيارات البابوية تحصل عموماً في ظروف ملائمة ساهمت في إنضاجها، تماماً كما حصلت زيارة البابا بولس السادس عام 1964 بعد استعادة لبنان سلمه الأهلي وترسيخ وحدته على أثر حوادث 1958 وانحسار ذيولها، وزيارة البابا يوحنا بولس الثاني 10 و11 أيار 1997 لتوقيع"الإرشاد الرسولي- رجاء جديد من أجل لبنان" وإطلاقه الشعار الشهير "لبنان هو أكثر من دولة، إنه رسالة" والتي أعقبها انسحاب القوات الإسرائيلية من لبنان في 25 أيار2000 بعد احتلال استمر 18 عاماً. وهو انسحاب ساهمت مساعي الفاتيكان في تحقيقه، ثم زيارة البابا بينيديكتوس السادس عشر من 14 إلى 16 أيلول 2012 لتقديم الإرشاد الرسولي إلى أساقفة الشرق المنبثق عن السينودس الخاص  الذي عقد في تشرين الأول 2010 .

زيارة البابا واردة، وفق أوساط كنسية، ولكن.. عندما تتهيأ الظروف لتؤتي ثمارها.