الفاتيكان لا يرى ضرورة للتدويل ويتحفّظ على"زواريب"حقوق المسيحيين

دنيز عطالله
الثلاثاء   2022/12/20
تبدو معزوفة "حقوق المسيحيين" مملة ومؤذية لكثرة تكرار وضعها في خانات ضيقة (Getty)
بعيداً، نسبياً، عن "حقوق المسيحيين" التي تحاول الأحزاب "احتكارها"، وتحديداً التيار الوطني الحر، الذي ينام على طرح "المشرقية" ويستقيظ على "الفيدرالية"، وبينهما لامركزية موسعة حيناً ودولة علمانية أحياناً، تراقب الدوائر الفاتيكانية "تخبط" المسيحيين اللبنانيين وتعثرهم في الخروج من أزماتهم.

صحيح أن الفاتيكان لم يكن دائماً على توافق مع طروحات أحزاب "مسيحية" كثيرة، على مرّ تاريخ الصراعات السياسية، إلا أنه لا يؤيد أو يعارض حزباً أو فريقاً بالمطلق. هو ينحاز إلى طروحات أو يعارضها، من منظور مصالح المسيحيين في لبنان ودورهم وتأثيرهم في محيطهم الأوسع.

لذا، يراهن دوماً على "توازن الكنيسة وطرحها الوطني الجامع، الذي يرى في المصلحة الوطنية العامة مصلحة مسيحية حكماً. وهي، حتى في خطابها المسيحي تزن الأمور من منظار أعم وطنياً".

الفاتيكان وتكبير حجر الحقوق
تؤكد مصادر ديبلوماسية على اطلاع واسع بالموقف الفاتيكاني، أن "تكبير حجر الحقوق الذي يخفي خلفه مصالح حزبية وفئوية، يضر بالمسيحيين وشراكتهم العميقة والحقيقية في رسم هوية البلد ومساره ومستقبله". لا تعفي الفاتيكان سائر السياسيين اللبنانيين، تحديداً المسلمين، من مسؤولية الشراكة الحقّة للنهوض بالبلد، ومحاولات "التذاكي في صغائر المواقف"، كما نُقل إليها، لكنها تحاور وتنصح من "تمون" عليهم.

الفاتيكان: التدويل قائم
في الزيارة الأخيرة للبطريرك بشارة الراعي إلى روما "لمس اهتماماً متجدداً بالتفاصيل اللبنانية، لكنه لم يلمس حماسة لفكرة تدويل القضية اللبنانية. وللدقة، لم يتم مناقشة الموضوع بعمق. تم المرور عليه باقتضاب. فبالنسبة إلى الفاتيكان، ليس لدى الدول أكثر مما تطرحه على اللبنانيين". ويعتبر الديبلوماسي "إن التعمق في الأمور يظهر أن "التدويل" قائم. فإذا لم تكن شروط صندوق النقد الدولي ونصائحه تدويلاً في أحد وجوهها، فماذا تكون؟ وماذا يطلق على شروط الإصلاح ومكافحة الفساد والدعوة إلى انتخاب رئيس للجمهورية؟ ماذا يمكن أن تفعل الدول أكثر؟ تفرض رئيساً وتعيّن هيئة ناظمة للكهرباء مثلاً؟ دول تربط مساعداتها بالإصلاح وأخرى تعاقب من تعتبرهم فاسدين أو إرهابيين، ودول تقدم الدعم المادي والمعنوي. أليس ذلك "تدويلاً" وتدخلا مباشراً في التفاصيل اللبنانية؟".

لذا، فان الدوائر الفاتيكانية لمحت للراعي أنه "لا يمكن لإنسان أن يغامر بالصعود إلى القمر وهو لا يزال يتعثر في السير على الأرض".

هذا التعثر هو بالضبط ما يقلق الفاتيكان. لمسيحيي لبنان مكانتهم الخاصة، ولذا تنتظر منهم "أن يساعدوا في تجذير مسيحيي المنطقة أكثر ويشكلوا عنواناً للإنجاز والسير قدماً في الشراكة الوطنية، المبنية على تفاهمات عميقة محورها القيم الإنسانية والمواطنة. عوض ذلك صار مصيرهم محط اهتمام وهجرتهم المتزايدة محط متابعة".

افرام: لنتعلم من دروس التاريخ
إذا كان الفاتيكان ينصح بالتخفيف من غلو "تغليف المصالح الحزبية بشعارات حقوق المسيحيين"، فإن سياسيين مستقلين كثر يلاقونه. وقد يكون نعمة افرام الأجرأ في التعبير من دون تحفظات. يقول لـ"المدن" إنه "في كل مرة كانت تستعمل فيه شعارات حقوق المسيحيين من باب التحدي والاستفزاز والمصالح الضيقة، كانت تزداد خسائرهم. والوقائع تؤكد ذلك. في حين أن طريقة فؤاد شهاب، الذي لم يمش أحد في دفنه في كسروان، أتت بنتائج، فبنت دولة، بدءاً من القوانين إلى المؤسسات وصولاً إلى البنى التحتية".

يأسف افرام أن "قلة من تتعلم من دروس التاريخ، الذي يؤكد دائماً أن التراكم والعمل بجدية وانفتاح وملاقاة الآخرين على منتصف الطريق توصل إلى الأهداف". مستشهداً بمقولة تنسحب على أدائه في الكثير من المواقف قائلاً: "الضجة ما بتعمل خير، والخير ما بيعمل ضجة". مضيفاً "إن هذا المثل ينطبق تحديداً على موضوع حقوق المسيحيين، التي يؤكد التاريخ الحديث والقديم أنها كانت مؤمنة يوم كانوا يعملون بصمت مبني على العلم والعطاء والمشاركة، وليس على التحدي السياسي والصراخ واستغلال قضايا محقة في زواريب ضيقة، كلها "خربت بيوت" المسيحيين". ليختم: "العمل بتجرد ونكران الذات ومصالحها لدى المسؤولين المسيحيين، والعمل بتروٍ لا يعني من دون عضل، لكنه عضل يتحكم به العقل لا الغرائز والمصالح الصغيرة التي تضيّع حقوق المسيحيين وجميع اللبنانيين ومستقبلهم".

تبدو معزوفة "حقوق المسيحيين" مملة ومؤذية لكثرة تكرار وضعها في خانات ضيقة، ليس على المسيحيين فقط، إنما على مستوى البلد وناسه المنتهكة حقوقهم كبشر قبل أي تصنيفات طائفية وسياسية أخرى.