تحقيق دولي: حزب الله يستغل القناصل الفخريين لتوسيع نشاطاته

سامي خليفة
الأربعاء   2022/11/16
أدلة دامغة تربط قناصل فخريين بشبكات تمويل حزب الله (Getty)

كشف تحقيقٌ استقصائي جديد يحمل اسم "دبلوماسية الظل"، نشره الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين، عن استخدام حزب الله بشكلٍ كبير لقناصل فخريين من أصل لبناني في دول مختلفة من العالم، من أجل تهريب وتبييض الأموال، وتوسيع نشاطاته.

واجهة للنشاطات غير الشرعية
قبل الغوص في التفاصيل، لا بد من الإشارة بأن القناصل الفخريين هم مواطنون عاديون، كرجال الأعمال والمشاهير والسياسيين السابقين، يُعينون من قبل حكوماتهم لخدمة مصالحها في البلدان الأجنبية، ويتم منحهم بعض الامتيازات التي يحصل عليها الدبلوماسيون المعتمدون. وبذلك، لا يمكن مصادرة أرشيفاتهم ومراسلاتهم، ويُمنع تفتيش البضائع التي تخصهم. وغالباً ما يتلقى القناصل الفخريون بطاقات هوية خاصة وجوازات سفر ولوحات ترخيص، وحتى شكلاً من أشكال الحصانة الدبلوماسية.

وبما أن هذا النظام الدبلوماسي كان يهدف في الأصل إلى تزويد البلدان الفقيرة بالتمثيل الدبلوماسي من دون الحاجة إلى تخصيص تمويل لفتح سفارة، فقد أُسيء استخدام هذه الامتيازات من قبل جهاتٍ عدة لارتكاب جرائم بسهولة وتمويل الإرهاب.

يقول بوب جارفيس، أستاذ القانون الدولي والدستوري في جامعة "نوفا ساوث" بفلوريدا، لـلاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين: "إنه لأمرٌ مدهش أن تصبح غداً القنصل الفخري إذا كنت ترغب في ذلك وعلى استعداد لدفع المال. يشتري الناس هذه الأشياء أو يحصلون عليها كمكافأة لدعم مرشح سياسي، وليس لديهم أيُ فكرةٍ عمّا يفترض بهم أن يفعلوه. ولا أحد مشغول بالتدقيق بهويتهم ونشاطاتهم".

القناصل الفخريون وحزب الله
ووفق التحقيق، وجد الصحافيون ما لا يقل عن 500 من القناصل الفخريين الحاليين والسابقين المتهمين بارتكاب جرائم مختلفة، تم ربط تسعة منهم بجماعاتٍ سُميّت بالإرهابية، ومعظمهم من حزب الله.

وفي هذا السياق، يقول ديفيد آشر، المستشار السابق الذي كُلف من وزارة الدفاع الأميركية في عام 2008 بالمساعدة في الإشراف على تحقيق اتحادي بشأن الشبكات الإجرامية لحزب الله: "لقد أدرك حزب الله أنه إذا استخدم هؤلاء القناصل الفخريين، فيمكنه في الأساس نقل الأشياء من دون عقاب ولا أي رادع، حيث يمكن للمرتبطين به تمرير جواز سفرهم الدبلوماسي، من دون طرح أي أسئلة عليهم".

في غامبيا
يشرح جاك كيلي، العميل المتقاعد، الذي كان يساعد في قيادة عملية فيدرالية أميركية تُسمى "مشروع كاساندرا" لتفكيك الإمبراطورية الإجرامية لحزب الله، في التحقيق، كيف كشف لأول مرةٍ عن إساءة استخدام الحزب لنظام القنصلية الفخرية في أواخر عام 2008. فبعد أن درس كيلي بيانات الاتصالات لهاتف يستخدمه مبعوثٌ دبلوماسي مرتبط بحزب الله، يُشتبه في أنه يساعد في تطوير برامج إيران النووية والصواريخ الباليستية، لفت انتباهه رقم هاتفٍ خاص بمواطن لبناني يُدعى محمد إبراهيم بزي.

اعتقد كيلي وآشر أن بزي كان ممولاً كبيراً لحزب الله، وأنه كان يغسل الأموال غير المشروعة من خلال شركاته في لبنان وإفريقيا. كان بزي مستورداً للبترول في غامبيا وشريكاً للرئيس الغامبي حينذاك، يحيى جامح. وأثناء التحقيق في أنشطة بزي الإجرامية، اكتشف كيلي أن هذا الأخير تم تعيينه قنصلاً فخرياً من قبل الحكومة الغامبية في عام 2005.

بعد ذلك، تم تصنيف بزي كممول لحزب الله وأدرجته الولايات المتحدة على لائحة العقوبات في عام 2018. وقد عُوقب ابنه بعد مرور عامٍ من فرض عقوبات عليه، بسبب مزاعم بعمله نيابةً عن والده. وحالياً، تعرض الولايات المتحدة مكافأة تصل إلى 10 ملايين دولار للحصول على معلومات تتعلق ببزي وأنشطته المالية المرتبطة بحزب الله.

فوزي جابر
إلى ذلك، يكشف التحقيق أنه تم ربط القناصل الفخريين بحزب الله مرةً أخرى في غانا عام 2012، عندما التقى "مشترون" كانوا في الواقع مخبرين في "إدارة مكافحة المخدرات" الأميركية، مع فوزي جابر، سمسار الأسلحة التابع للحزب. وحينها أخبر هؤلاء المخبرون جابر بأنهم بحاجة إلى أسلحة للقتال ضد أميركا. فردّ عليهم قائلاً "حزب الله جاهز لبيع الأسلحة". ثم ما كان منه إلاّ أن عرض على هؤلاء المخبرين شراء قنصليات فخرية بقوله "كل العظماء، كل الأثرياء، كلهم قنصليون".

وأضاف جابر في اجتماعٍ لاحق معهم "أفضل مكان لذلك هو إفريقيا. يعمل العديد من الرجال البيض الأوروبيين كقناصل من بلدانهم الأصلية عندما لا تكون هناك سفارات قريبة. نستطيع الذهاب إلى أي بلدٍ في إفريقيا. يمكننا أن نجعل أيُ فردٍ قنصلاً لغينيا الاستوائية أو غينيا بيساو، مقابل دفع مبلغٍ وقدره 200 ألف دولار. وعندها سيكون القنصل الفخري في البلاد. وسيمتلك جواز سفر آخر".

في عام 2014، سافر كيلي إلى براغ للتأكد من اعتقال جابر، واعتُقل خلال هذه الرحلة مساعد جابر، خالد المرعبي، وتاجر أسلحة لبناني يُدعى علي فياض. وقد أطلقت الحكومة التشيكية في وقتٍ لاحق سراح المرعبي وفياض في عملية تبادلٍ أُفرج خلالها عن خمسة مواطنين تشيكيين اختُطفوا في لبنان.

ويشير التحقيق أن جابر كان قد وعد الحزب بتوريد صواريخ أرض - جو وبنادق هجومية وقنابل يدوية، وكذلك نقل وتخزين الكوكايين في غرب إفريقيا وغسل عائداته من خلال حسابات بنكية في نيويورك. وفي النهاية، تم تسليمه إلى الولايات المتحدة وأقرّ بأنه مذنب في عام 2017 بالتآمر لدعم جماعة إرهابية كولومبية.

المصارف اللبنانية
في غضون ذلك، يلفت التحقيق بأن المحامي الأميركي غاري أوسين، مدير مكتب "أوسين" للمحاماة في نيوجيرسي، وجد أدلة دامغة تربط قناصل فخريين بشبكات تمويل حزب الله، أثناء التحقيق في حملة للحزب ضد أعضاء الخدمة الأميركية في العراق. ورفع أوسين دعوى قضائية في عام 2019 نيابةً عن أكثر من ألف مواطن أميركي، متهماً 13 مصرفاً لبنانياً بانتهاك قوانين مكافحة الإرهاب من خلال إدارة وتحويل الأموال عن عمد لحزب الله، خلال الهجمات المميتة المرتبطة بإيران والحزب إياه في العراق.

أحد المصارف المدرجة في الدعوى، هو "فرنسبنك" المملوك من عدنان قصار وشقيقه عادل، الذي شغل منصب نائب رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي للمصرف، كان القنصل الفخري للمجر في لبنان. ووفقاً للسجلات التي حصل عليها الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين، احتفظ محمد إبراهيم بزي بحساب في هذا المصرف إضافةً إلى مصرف آخر مدرج في الدعوى.

أفراد استغلوا المنصب لصالح حزب الله
وفي معرض استعراضه للأفراد الذين تلطوا خلف منصب القنصل الفخري، وأداروا سراً عمليات حزب الله، يقول التحقيق بأن هناك رجل أعمال لبناني ومشغّل فندق، يُدعى علي ميري، عينته جنوب السودان قنصلاً فخرياً في لبنان، كان قد قُبض عليه أثناء إقامته في باراغواي في عام 2000، لبيعه برمجيات مزيفة بملايين الدولارات وتحويل العائدات إلى حزب الله.

وتضم لائحة الأسماء علي سعادة، رجل الأعمال الناجح في غينيا، الذي عينته الدولة قنصلاً فخرياً لها في لبنان. وقد اتهمت الولايات المتحدة في وقتٍ سابق من هذا العام، سعادة، بأنه ممول رئيسي لحزب الله. والأمر ذاته ينطبق على إبراهيم طاهر، الذي يشغل منصب القنصل الفخري للبنان في ساحل العاج. وتم إدراج كليهما على لائحة العقوبات الأميركية.