حزب الله.. إلى أين؟

عارف العبد
الجمعة   2022/01/07
لم يعد بالإمكان في لبنان تقرير أي أمر رئيسي من دون موافقة حزب الله (علي علوش)

نجح حزب الله في تعبئة الفراغ السياسي والأمني، والتحوّل إلى القوة الرئيسية المؤثرة في لبنان، منذ الانسحاب العسكري السوري في العام 2005.

هذه النتيجة لم تتحقق دفعة واحدة، بل تمت على مراحل متعددة وطويلة. وهي كانت بالنسبة له كسباق الحواجز، خطوة إثر خطوة وحاجزاً إثر حاجز، وصولاً إلى أن كرّس الحزب بقوته العسكرية والأمنية نفوذاً وقوة سياسية حاسمة في أغلب الملفات والمواضيع المطروحة في لبنان.

الحزب بات له الصوت التفضيلي الأساسي والمرجح، في حسم الاقتراع والاختيار لمن يكون رئيس جمهورية لبنان. وهذا ما حدث في تجربة الرئيس ميشال عون، حين أبقى الحزب الفراغ الرئاسي قائماً ومحجوزاً لحليفه طوال سنتين ونصف السنة، إلى أن تحقق له ما يريد، ووصل الجنرال مع حلمه القديم إلى قصر بعبدا.

الأمر لم يعد مقتصراً على ترجيح كفة من يكون الرئيس الأول فقط. بل امتد بطبيعة الحال إلى التأثير على اختيار من يصل إلى رئاسة مجلس الوزراء. باعتبار أن رئيس مجلس النواب هو من ضمن ثنائية متحالفة ومتلاصقة مع بعضها بعضاً مع الحزب.

موضوع تقدم نفوذ الحزب في لبنان يعود إلى أمرين اثنين بشكل أساسي. الأول، جدية قيادته في العمل السياسي والأمني والإعلامي. والثاني، تقدم مواقع وقوة نصيره ووليه الأساسي ومؤسسه وداعمه ومموله، أي إيران، في المنطقة، والتي نجحت في اختطاف ومصادرة أبرز رايات قضايا العرب الرئيسية، وتحويلها كأنها رايات إيرانية أصلية، لها فعلها ووقعها ودورها ومكانها.

 وانتقلت إيران بعدها، وبسبب الانكسارات والتراجعات العربية، إلى الإمساك برايات القضية العربية الرئيسية أي قضية فلسطين، بأبعادها المقدسة والرمزية، وباتت لإيران منظمات وأحزاب وجبهات على الساحة الفلسطينية تدين لها وتتحرك بأمرها وتوجهاتها، بالترافق مع تحول قسم ليس بصغير من العرب إلى أصدقاء أو حلفاء لإسرائيل.

لم يتوقف الأمر عند حدود قضايا الإسلام وفلسطين، بل انتقلت إيران إلى مد نفوذها على ساحات عربية أخرى بفعل فشل وانهيار مشاريع الدولة الوطنية، حيث باتت تشكل بلدان عربية، كاليمن وسوريا والعراق نموذجاً واضحاً لتقدم نفوذ وسطوة وقوة وتأثير إيران فيها.

لعبت المواجهة في الملف النووي مع الولايات المتحدة الأميركية والدول الغربية دوراً كبيراً في تقدم النفوذ الإيراني في المنطقة، وعلى الساحة الدولية والإقليمية.

في ظل هذه المواجهة، يشكل لبنان ورقة رئيسية وأساسية، بسبب موقعه الجيوسياسي وقربه من إسرائيل وسوريا، وإشرافه على البحر المتوسط بنفطه وغازه المندرج في الصراع الدولي والإقليمي الدائر.

منذ اتفاق الدوحة وما سبقه، لم يعد بالإمكان في لبنان تقرير أي أمر رئيسي من دون موافقة حزب الله. لكن الحزب الذي يؤكد كل يوم استمتاعه بالتفوق العسكري والسياسي الحاصل في لبنان، بدأ يواجه في المدة الأخيرة نتائج هذه الحالة، بمؤشرات على تململ قد يتوسع مستقبلاً ويتضخم، إذا بقي الحزب على سياسته الرافضة للاعتراف بقوة وتجربة وخصوصية القوى الأخرى على الساحة اللبنانية.

دلت تصرفات حزب الله ومواقفه في المدة الأخيرة، وخصوصاً بعد التصعيد الأخير من قبل أمينه العام السيد حسن نصر الله، أن الحزب ماضٍ في سياسة المواجهة مع أخصامه الإقليميين والمحليين، من دون أن يعير انتباهاً إلى أن ما حملته أحداث السنة الماضية تشكّل إشارات أولية لظواهر قد تجد طريقها للنمو في وجه الحزب وسياسته ونفوذه، فإضافة إلى الفشل المدوي لنتائج خياره في إيصال حليفه إلى الرئاسة الأولى، وما أسفر عنه من نتائج ملموسة، فقد تتالت ثلاثة أحداث بارزة ودالة في السنة المنصرمة.

ففي الأول من شهر آب السنة الماضية، كان الاشتباك الغريب بين أنصار ومسلحين للحزب في منطقة خلدة مع عناصر مسلحة من العشائر العربية فسقط من سقط وجرح من جرح.

شكلت حادثة خلدة مشكلة بسيطة وصدمة صغيرة للمتابعين، لكنها سبقت بأيام حادثة أخرى وقعت في بلدة شويا الجنوبية، والتي تمثلت باعتراض مجموعة من الأهالي راجمة للحزب أثناء مرورها في البلدة بعد إطلاقها صلية صواريخ باتجاه مواقع إسرائيلية في الأراضي اللبنانية.

حادثتا خلدة وشويا تبعهما في منتصف تشرين الأول حادثة الطيونة-عين الرمانة، والتي سقط فيها قتلى وجرحى من المتظاهرين المسلحين من أنصار حركة أمل وحزب الله في مواجهة مع أهالي وشبان من المنطقة.

بيت القصيد في هذه الأحداث الثلاثة أنها تشكل إشارات دالة، على بداية تكون ظواهر اعتراضية لسياسة وتمدد نفوذ الحزب وطريقة تصرفه، وإن في بيئات لبنانية متفرقة ومتباعدة ومتناثرة وغير محسوبة.

السؤال، هل يأخذ حزب الله، المتفوق عسكرياً وأمنياً والمحمي إقليمياً، بعين الاعتبار أن ما جرى في السنة الماضية ليس أمراً عابراً وبسيطاً، وأنه قد يكون بداية لمسار بدأ يبحث عن نفسه في لبنان؟