حزب الله "يتحضّر" للاستراتيجية الدفاعية وإعادة تكوين السلطة

منير الربيع
الأربعاء   2022/01/19
ترسيم الحدود وإحياء اتفاق الهدنة؟ (Getty)
لا نقاش في لبنان إلا لمشروع الموازنة وعودة اجتماعات مجلس الوزراء لإقرارها. لكن الأزمة اللبنانية سياسية وتربط بسياق إقليمي ودولي، ما يجعل الخلافات الداخلية تفصيلية تنهمك فيها القوى السياسية لتحقيق مكاسب السلطوية.

حزب الله والموازنة
تساؤلات كثيرة تطرح حول موقف حزب الله من الموازنة: هل يوافق على تحرير سعر الصرف، واعتماد سعر منصة صيرفة؟ هل يوافق على رفع تعرفة أسعار الكهرباء والاتصالات وغيرها؟ وتبقى هذه الملفات كبيرة الأهمية على مشارف الانتخابات النيابية.

وقد يجد حزب الله أنه مضطر لتمرير هذه المشاريع، تسهيلاً للتفاوض مع صندوق النقد الدولي. لكنه سيتحفظ عليها ويبدي رفضاً لها، بل يصوت ضدها في المجلس. لكنها في النهاية لا بد أن تمرّ، في حال أُريد وضع لبنان على سكة التفاوض مع الصندوق.

وفي الأحوال كلها تظل هذه الملفات تفصيلية لحزب الله، الذي ينظر إلى مستقبل لبنان في إطار مستقبل المنطقة ما بعد الاتفاق النووي.

فهو ينتظر وصول إيران والولايات المتحدة الأميركية إلى إطار للاتفاق النووي. وتشير بعض التقديرات إلى أن هذا الاتفاق يجب الوصول إليه في أسابيع قليلة. وهو ينحصر في الملف النووي. أما بعده فتنتقل المفاوضات إلى الوضع الاقليمي ونفوذ إيران في المنطقة. وهذا يحتاج إلى وقت مديد. وطهران تمسك بأوراقها المعروفة من لبنان إلى اليمن والعراق وسوريا.

مفاوضات بالمفرق
وقبل يومين، أعلن رئيس المجلس التنفيذي في حزب الله هاشم صفي الدين عن محاولات أميركية للتفاوض مع حزبه الذي رفض ذلك بحسبه. هذه ليست المرة الأولى التي يعلن فيها حزب الله عن هذا الأمر. فسابقاً قال إن مفاوضات غير مباشرة حصلت عبر وسطاء. وهو يعلم أن المفاوضات الإقليمية تطال النفوذ الإيراني في المنطقة، وإعادة ترتيب الوضع والأولويات ورسم حدود جديدة للنفوذ.

لذا، لا بد من وضع سيناريو متخيّل لما يمكن أن تحمله تداعيات الاتفاق النووي وتسريع وتيرة التفاوض الإقليمي في المنطقة. فالملفات تطرح على الطاولة: التفاوض السعودي- الإيراني في بغداد، ومناقشة ملف اليمن، والسعي إلى تسوية سياسية بين إيران والسعودية، فيما تسعى طهران إلى جعل الحوثيين عنصراً مفاوضاً. وهذا تكتيك إيراني يعتمد على توزيع أوراق القوة، كي لا تحصر الملفات التي تفاوض عليها في جانب واحد. فهي تفاوض في ملف، والحوثيون يفاوضون في ملف آخر، وحزب الله في ملفات تتعلق بلبنان وسوريا.

استراتيجية تكوين السلطة 
ويبدو حزب الله متيقناً من أن التركيبة اللبنانية لا بد من أن تتغير، بما يتعلق بموازين القوى وآلية تكوين السلطة. والتكامل اللبناني- السوري حاضر بقوة، جغرافياً وفي الحدود مع إسرائيل. وفي لبنان لن يتقدّم ملف على ترسيم الحدود، والذي تعتبره واشنطن استراتيجياً لحفظ أمن إسرائيل. وفي حال الوصول إلى اتفاق، يعني إرساء الاستقرار في الجنوب، والسماح لشركات النفط ببدء عمليات التنقيب.

وترسيم الحدود البحرية يتلازم مع الانتهاء من ترسيم الحدود البرية، امتداداً إلى مزارع شبعا والجولان السوري. وهناك طرح أميركي حول إعادة إحياء مبدأ "وديعة رابين" في ما يتعلق بالانسحاب الإسرائيلي من شطر من الجولان، مقابل دخول قوات دولية لتشكيل منطقة عازلة.

ويتزامن ذلك مع إعلان إحياء اتفاق الهدنة الذي يشمل لبنان، مع الحصول على تعهدات بمنع أي اعتداء إسرائيلي على لبنان، وعدم حصول اختراقات برية أو بحرية أو جوية.

وبعد الانتهاء من ذلك، وإرساء متغيرات سياسية، استراتيجية اقتصادية ونفطية، لا بد من النظر في مسار استكمال عملية استجرار الغاز المصري والكهرباء الأردنية إلى لبنان. وهذا عنصر يوازن ما يحققه حزب الله من نفوذ بعد إنجاز عملية ترسيم الحدود. فالانتهاء من الترسيم يفتح الأبواب اللبنانية أمام البحث عن مخارج وتسويات، يتحضر لها الأميركي والإيراني. وحزب الله يضع في حسبانه هذه التطورات. ويفترض أن يشمل النقاش الاستراتيجية الدفاعية.

ولم يكن طرح هذه ميشال عون تلك الاستراتيجية قبل أيام أمراً عبثياً، بل دليل على التقاطع مع معطيات خارجية. وأي حوار حول الاستراتيجية الدفاعية لا بد أن يحصل على طاولة تضم الأفرقاء اللبنانيين، وبرعاية دولية وإقليمية. وقد يؤدي مثل هذا الاتفاق إلى تعديلات دستورية تتعلق بكيفية تكوين السلطة.

فحزب الله يضع في حسابه ضرورة تعزيز مكتسباته داخل النظام اللبناني، على قاعدة أن قوة نبيه برّي في بنية النظام ليست قوة شيعية، بل قوة بناها رئيس حركة أمل بمجهوده. والمطلوب هو تعزيز دور الشيعة السياسي والدستوري.

ربما لا وقت لتحقيق هذا السيناريو. لكنه احتمال قائم. قد تعترضه عقبات داخلية وخارجية. وقد يصطدم في الطريق بحوادث وأحداث كثيرة عاصفة.