ترسيم الحدود معضلة الحكومة.. ورهين مقايضات أميركية-إيرانية

منير الربيع
الأربعاء   2021/09/22
هل يوضع تعديل مرسوم ترسيم الحدود على جدول أعمال مجلس الوزراء؟ (علي علّوش)
عاد ملف ترسيم الحدود البحرية ليطغى على ما عداه من ملفات، فيما يمكن اختصار أزمة لبنان الكلية بأزمة الطاقة. فهي على علاقة أساسية بالقطاعات الاقتصادية، الإنتاجية، التعليمية، العسكرية، وحركة الحياة اليومية.

تفاوض من موقع الضعيف
وفيما كان اللبنانيون يتلمسون أملاً من تشكيل الحكومة لحلّ بسيط أو جزئي لأزمة المحروقات، ناظرين بإيجابية لحصول البلد على النفط العراقي، والغاز المصري، والكهرباء الأردنية، تاهوا عن الملف الأساسي: ترسيم الحدود. ويُفترض بإعادة إحياء الحديث عن الترسيم، والاهتمام به، أن تعيد الجميع إلى القواعد السياسية الإقليمية والدولية. وهنا تسقط كل محاولات التكاذب حول الابتعاد عن السياسة أو عن المحاور التي ينخرط فيها لبنان أكثر فأكثر.

وجاءت التطورات الإسرائيلية والأميركية لتضع لبنان في زاوية حرجة وقاسية. فهو يبحث عن تسول الوقود من أي مكان، فيما تجمّدت مفاوضات الترسيم، وخسر أوراقًا كثيرة كان قادراً على استخدامها. أما العودة إلى طاولة التفاوض، في حال توفرت، فيعود إليها لبنان من موقع الضعيف والمحاصر والمستهدف.

متصادمون يسترضون أميركا
ولا شك في أن التفاوض حول ترسيم الحدود شهد فوضى هائلة من جهات متعددة، سياسية وغير سياسية. وهناك قوى متعارضة ومتناقضة التوجهات، حاولت التدخل في هذا الملف. والقاسم المشترك بينها، سواء كان على علاقة مباشرة أو غير مباشرة بالملف إياه، هو أن الولايات المتحدة الأميركية معنية بقوة فيه.

وبعض الأطراف المحلية يعتبر من المحسوبين عليها، فيما يسعى البعض الآخر إلى تحسين علاقته بها، وبعض ثالث على خصومة معها. وقد تصادمت هذه التوجهات في ما بينها.

فمن تحمس لإقرار تعديل المرسوم وتوسيع الحدود من 860 كلم مربع إلى 2290 كلم مربع، يعتبر أنه يحظى بغطاء أميركي. وهذه حال المستشار السابق لرئيس الجمهورية طوني حداد وسواه. ومن يرفض تعديل المرسوم يحاول استرضاء الأميركيين لأنهم يرفضون ذلك. والقوى الأخرى تحاول الاستثمار في هذا المشروع، لترتيب علاقتها بالأميركيين وإبرام صفقة سياسية معها.

إيران تستثمر فرنسيًا وتقايض أميركا
وسط مشهدية الفوضى هذه، يقف طرفان متفرجان: واشنطن من جهة، وطهران وحزب الله من جهة أخرى. فواشنطن تستفيد من هذه التناقضات كلها ولن تسلم ملف الترسيم لأي طرف آخر لتظل اللاعب الأبرز فيه وفق ما تقتضيه مصلحتها الاستراتيجية. وإيران وحزب الله يتفرجان بصمت، وفي يدهما الورقة الأقوى. فحزب الله يلتزم بما تقرره الدولة اللبنانية، مدركًا أنه صاحب القرار والمفاوض الأساسي سياسيًا واستراتيجيًا.

وإيران تتعاطى بذكاء في هذا الملف. فعندما أبرم الاتفاق مع شركة توتال في العراق بموافقة ورعاية إيرانية، حققت إيران تقدماً سياسياً في لبنان من خلال تشكيل الحكومة. وفتحت الطريق لتعزيز علاقتها وحزب الله مع باريس. وقد يتعزز هذا الطريق باستعداد إيراني-فرنسي مشترك للعمل على التنقيب عن النفط في الشاطئ اللبناني، وفق معادلة طرحها أمين عام حزب الله حسن نصر الله سابقاً.

وهذا يتعزز لاحقاً على وقع الخلاف الاستراتيجي الفرنسي-الأميركي. وتعلم إيران ومن خلفها حزبها في لبنان أن لا أحد سوى أميركا قادر على البت بموضوع التنقيب وترسيم الحدود. لكن طهران تستمر في استثمارها الخلافات الفرنسية–الأميركية. وهناك توجه إيراني واضح لإجراء المقايضة الكبرى مع أميركا، وليس مع فرنسا أو أي طرف آخر.

خلافات تقنية وقانونية
وهذا هو التحدي الأساسي الذي يواجهه الحكومة، التي قال رئيسها نجيب ميقاتي إنه يريد استعجال بت ترسيم الحدود. والسؤال المطروح: هل يوضع تعديل مرسوم ترسيم الحدود على جدول أعمال مجلس الوزراء؟

لا شك في أن موقف رئيس الجمهورية يعتريه الكثير من الحرج. فهو تذرع بعدم وجود حكومة وامتنع عن توقيع المرسوم. وكانت حكومة ميقاتي السابقة هي التي أودعت المرسوم لدى الأمم المتحدة في العام 2011. وهنا ستدخل الحكومة في جدالات وسجالات متعددة. ففي بحال وقع عون المرسوم وأحاله على مجلس الوزراء لإقراره، يمكن لميقاتي أن يطلب إعادة درسه وتحويله إلى لجان مختصة، خصوصاً أن القرار الحكومي يحتاج لتعديله إلى قرار حكومي.

ولا يمكن للمرسوم منع إسرائيل من التنقيب، بل كان يجب منعها عندما عرضت المناقصات، وليس بعد إنجازها وتلزيم الشركات. والاعتراض يأتي متأخراً، وفق ما تقول مصادر ديبلوماسية. وفي مقابل هذه الخلافات التقنية والقانونية، هناك في لبنان من يراهن على الوضع السياسي وإيجاد تسوية سياسية لحلّ المعضلة. خصوصاً أن في لبنان من يراهن على إبرام صفقة على قاعدة البيع والشراء مع الأميركيين. وهنا تقول المصادر إن أميركا عندما تريد عقد صفقة في لبنان، قادرة على عقدها مع إيران مباشرة. فواشنطن لا تحتاج إلى سمسرات جديدة.