مفاجآت المرفأ تتوالى: دعوى "ارتياب مشروع" بالنيابة العامة

نادر فوز
الأربعاء   2021/09/01
يشعر أهالي ضحايا المرفأ بأنّ النيابة العامة تخلّت عن دورها (Getty)
في جديد مفاجآت ملف انفجار مرفأ بيروت، تقدّمت نقابة المحامين بصفتها أحد المدّعين، بدعوى ارتياب مشروع بحق المحامي العام التمييزي، القاضي غسان الخوري. تمّ تسجيل الدعوى في قلم محكمة التمييز بانتظار التبليغات اللازمة، ومن دون سقف مهل محدّد للبتّ بالدعوى. لكن الأهم على هذا الصعيد، أنّ ملف التحقيقات في انفجار 4 آب 2020 لن يتوقّف بفعل هذه الدعوى، نظراً لوجود المحامي العام التمييزي عماد قبلان في منصبه. وبالتالي، تتحوّل كل الملفات والطلبات إليه. وأرخت هذه الدعوى أجواءً إيجابية بين أهالي ضحايا وشهداء مجزرة المرفاً، تحديداً لجهة التأكيد على استمرار ملف التحقيقات في مساره الطبيعي، ومن دون تأثير.

شكوك وارتياب
وحسب ما علمت "المدن" من دوائر في قصر عدل بيروت، ومن عدد من أهالي الضحايا، فإنّ القاضي الخوري لم يتبلّغ بعد بالدعوى. وفي البحث عن الأسباب الموجبة لدعوى الارتياب بالخوري، فإنّ سلوك الأخير وقراراته في ملف نيترات الأمونيوم، حتى قبل وقوع الانفجار، تبعث بالارتياب. إذ أنّ الخوري هو من أصدر قرار حفظ ملف التحقيقات في الشحنة بناءً على تحقيقات وتقرير الرائد جوزف النداف. وبعد الانفجار، وقبل تسلّم القاضي فادي صوّان التحقيق في ملف الجريمة (أي بين 4 و13 آب 2020)، قام الخوري باستجواب مدير عام جهاز أمن الدولة، اللواء طوني صليبا، من دون الادعاء عليه، ولا حتى اتخذ القرار بتوقيفه. كما أنه يسجّل على الخوري أنه نفى صلاحية المجلس العدلي خلال النظر في دعوى الارتياب المشروع التي تم التقدمّ بها بحق صوّان.

عرقلة وامتناع
وما يزيد الارتياب من الخوري، حسب ما فهم عدد من الأهالي المعنيين في ملف المرفأ، أنّ القاضي المعني "يعرقل التبليغات الخاصة بملف المرفأ". ويتأخر في النظر وإبداء الرأي في الدفوع الشكلية المقدّمة من قبل مدعى عليهم في الملف، بهدف إطالة أمد التحقيق وتأجيل الاستجوابات. كما يسهل على الأهالي الإشارة إلى أنّ أغلب طلبات إخلاء السبيل التي تم تقديمها إلى الخوري، بعد تنحّي النائب العام الاستئنافي القاضي غسان عويدات عن الملف، يتقدّم بها برأي إيجابي، ويعطي رأياً بإخلاء سبيل الموقوفين. هذا بغض النظر عن الموقف الفعلي لأهالي الضحايا والشهداء، القائل إنه "لا يهمنا أن يبقى أبرياء قيد التوقيف، نريد توقيف المسؤولين عن قتل أبنائنا وأخوتنا وكشف الحقيقة وإحقاق العدالة". وقبل أسبوع، لم يحضر القاضي الخوري إلى مرفأ بيروت لمعاينة التجارب الميدانية على عملية التلحيم التي تمّت، كأنه غير معني بهذا الجانب من التحقيق.

نظرة عامة
في نظرة عامة على ما يحصل في ملف انفجار المرفأ لجهة النيابة العامة، كان لافتاً الموقف الصادر عن القاضي غسان عويدات قبل يومين، خلال لقائه وفداً نسائياً من أهالي الضحايا تحت منزله: "لست مع مثول الرئيس حسان دياب أمام المحقق العدلي القاضي طارق البيطار"، قال الأخير. يسجّل لعويدات أنه كان أذكى من أي سياسي أو وزير آخر تحرّك الأهالي ضده. أمام منزل وزير الداخلية محمد فهمي، تمّ الاعتداء على الأهالي وحصلت مواجبة قاسية. أمام منزل رئيس الحكومة المكلّف، نجيب ميقاتي، تكرّر الأمر. في عين التينة، على بعد أمتار من مقرّ إقامة رئيس مجلس النواب تمّ الاعتداء المبرح على الأهالي أيضاً. عويدات، لبس كمامة فيروس كورونا، والتقى الأهالي. بدا، حتى، كأنه طلب هو اللقاء. فصرّح وأعطى موقفه، وهو المتنحّي بالأساس عن الملف.

بالنسبة لعدد كبير من المعنيين في ملف التحقيقات بانفجار مرفأ بيروت، تبدو النيابة العامة التمييزية بأداء عويدات والخوري وكأنها تخلّت عن دورها. كأنّ لا مطالب بـ"الحق العام" في الملف، ولا ساعٍ إلى تكريسه وتطبيقه. لا بل العكس، كأنّ الحق العام هو في الدفاع عن المدعى عليهم وعرقلة سير التحقيق. هو كلام ثقيل يخرج عن الأهالي والمعنيين المباشرين في الملف. كلام بثقل جريمة المرفأ نفسها. فهمّ، فعلياً، يقاتلون دولة ونظاماً بكامله. نظام يحرّك عصبيّاته، أجهزته القضائية وأذرعه الأمنية، وخطاباته السياسية وماكيناته الإعلامية من إجل إطفاء أمل العدالة. وفي ملف المرفأ، لم تعد معاداة التحقيق والحقيقة بـ"الهمس". باتت ممارسة يومية.