لماذا يستهدف نصرالله المجموعات الشبابية؟

جاد هاني
السبت   2021/08/28
هل اتهام مجموعات 17 تشرين بالارتهان للسفارات، مقدمة لشيء ما يُحضَّر ضدها؟ (Getty)

"هذا البلد لم يعد يحتمل". بهذه العبارة وصف الأمين العام لحزب الله الوضع في لبنان، في خطابه بتاريخ 15 آب الحالي، مطالباً المعنيين والرؤساء والمسؤولين كافة بالإسراع في تشكيل حكومة، لأنّ -حسب رأيه- لعبة الوقت قد انتهت. ولم يستثن السيد حزبه كقوة سياسية من المسؤولية.

كان هذا الجزء من الخطاب واضحاً في تحميل كل القوى السياسية في لبنان مسؤولية إيصال البلد الى حالته الراهنة من الانهيار الاقتصادي والمالي والأمني، وتردّي الوضع الاجتماعي للمواطنين بشكل مخيف، فبات الجوع يهدد الغالبية العظمى من اللبنانيين، إضافة إلى غياب أو تردي جميع أنواع الخدمات المتصلة بالحياة اليومية للناس، والتي تهدد ما تبقى من شركات وأعمال. أضف إلى هذا، أزمة انقطاع الأدوية التي تهدد حياة المصابين بالأمراض المزمنة والمستعصية، في سابقة لم تحصل حتى أبان الحرب الأهلية. ولا ننسى أزمة المحروقات التي انعكست سلباً على الأمن. فكثرت أعمال الشغب والعنف على محطات الوقود، وصولاً الى مجزرة عكار التي ذهب ضحيتها موتاً وحرقاً ما يزيد على السبعين شخصاً من فقراء عكار الشرفاء.

طبعاً ورقة "المسؤولية الجماعية" في هذه الحالة بالذات، هي أيضاً أداة لتضييع التحليل المتين، أي التحليل الذي يوصّلنا إلى خلاصة واضحة: حزب الله الحامي الأوّل للنظام، وحزب الله المُعرقل الأول، وسلاح حزب الله يقف في وجه الديموقراطية والتغيير الجذري والعدالة و"العيش المشترك" في الوقت نفسه.

وفي تحليل سريع لهذه النقطة من الخطاب، فإن السيد لم يبرئ النظام السياسي اللبناني بكلّ ما يمثل من تهمة التخريب وإيصال الوطن نحو الهاوية. إذ لطالما كان هو المدافع الشرس عن النظام وأزلامه. فلم ينس اللبنانيون خطابه الشهير بعيد انطلاقة تظاهرات السابع عشر من تشرين، عندما دافع وبشراسة عن العهد وحكومته آنذاك برئاسة سعد الحريري.

وكان أكثر من لافت الاعتراف العلني الصريح من السيد، بأننا أصبحنا نعيش الانهيار والفوضى بعد أن كان يشكّل الغطاء الحامي لسياسات العهد وقراراته العشوائية، ومنذ اليوم الأول وحتى قبل الوصول إلى الحكم.

أما في خطابه الأخير، ومن منطقة الهرمل، فقد قام الأمين العام لحزب الله بالتصويب مجدداً على انتفاضة 17 تشرين بكل مكوناتها ومجموعاتها. فبعد أن برّأ، وفي الخطاب نفسه الذي تلا بدايات انتفاضة في تشرين 2019، تلك المجموعات آنذاك من ارتباطها بـ"بسفارات" أو أحزاب أو جمعيات أجنبية أو أجندات خارجية، يبدو انه قد غير رأيه عبر تحميل الانتفاضة مسؤولية الفوضى والانهيار، غامزاً من قناة ارتباط مجموعات المعارضة بالخارج، وتمويلها من جمعيات أميركية، بغية إحداث المشاكل وتعميم الفوضى المنظمة، وتفتيت المجتمع اللبناني وفصله عن محيطه وتاريخه، الذي -حسب رأيه- يأتي بعد الفشل الأميركي في التأثير على سياسات الحزب.

أضاف السيد بأن من يقوم بالاعتداء على المؤسسات العامة وتخريبها وتكسيرها هم من الثوار، وحرض عليهم أهالي القرى والبلدات، طالباً منهم حماية قراهم، ومتناسياً ما ذكره في الخطاب ما قبل الأخير حول مسؤولية السلطة اللبنانية بكل مكوناتها عما وصلنا إليه. وهذا ما يثير العديد من التساؤلات.

هل باتت المعارضة تشكل تهديداً مباشراً وواضحاً للطبقة الحاكمة والمتحكمة، لتأخذ حيزاً كبيراً من كلمة الأمين العام لحزب الله في ذكرى حزبية؟

هل استطاعت مجموعات 17 تشرين، الشبابية منها خصوصاً، التأثير على خطاب الشارع اللبناني، وزرعت وعياً بين الناس أخاف النظام بأكمله، فجاء التصويب عليها من قبل الأمين العام بما لذلك من دلالات كبيرة وكثيرة؟

هل اتهام مجموعات 17 تشرين بالارتهان للسفارات، أي حسب مفهوم الحزب بالعمالة، مقدمة لشيء ما يُحضَّر ضدها؟

لا نستطيع أن نقول أنّ المعارضة قد نجحت في قلب الموازين، خصوصاً أنّ قوّتها المادية والبشرية، وبالأخص خارج بيروت، ضعيفة مقارنة بأحزاب الطوائف. لكن نستطيع القول أن حزب الله لن يخاطر في وجه خساراته الكبيرة في مساحات نقابية وطلابية ومناطقية عدة. وستكون قوّة سلاحه، مرّةً أخرى، الجواب الأول.

هل باتت المجموعات الشبابية التي تقوم بالنضال من أجل الحرية والديموقراطية والخبز، تسعى لتفكيك المجتمع وفصله عن محيطه؟

الجواب هنا قد يبدو معقداً. نعم، لن نعيد انتاج نهج ثقافوي من القومية و"التحرر الوطني" الذي يخوّن البعيد والقريب ويجرّم وجهات النظر ويجمّد العقل. ولكننا نصرّ أن وحدة المجتمع وحقّ شعبه في تقرير مصيره، يحتاج أولاً إلى التحرر الاجتماعي من ميليشيات السلطة والموت والرجعية.

والجواب أيضاً، أن شباب لبنان أكدوا مراراً أن خلفية انتفاضتهم هي السعي لإنقاذ ما تبقى من هذا الكيان الذي مزقته سياسات التحاصص والتفقير والقتل والاغتيال، التي أوصلتنا إلى هذا الجحيم. ونعم، لم يخجلوا بمقاومتهم الثقافية في وجه مدرسة ترفع شعارات "تحررية-وطنية" لم تعرف التحرير. ولن يستحوا بمقاومتهم الثقاقية في وجه مدرسة التقسيم والتقوقع. بل لن يستحوا بمقاومتهم اليومية في وجه سياسة حسن نصرالله وما يسمّى "نقيض" حسن نصرالله في ملعب النظام اللبناني. ورغم كل ما حدث منذ سنتين وحتى اليوم، وفي كل المناسبات والمواجهات برهن هؤلاء الشباب أنه لن يرهبهم التخوين ولا تهمة الارتهان.. وكل همهم أن يبنوا وطناً على أنقاض نظام قاتل. وطن يشبه طموحات شاباته وشبابه. وطن حر قائم على العلمانية والديموقراطية والعدالة الاجتماعية.