جريمة المرفأ: القاضي البيطار أقوى.. ويسطّر مذكرات جديدة

نادر فوز
الجمعة   2021/07/23
عدّاد محكمة التمييز ينتهي مساء اليوم والتحايل أرجأ المهلة الزمنية حتى يوم الإثنين (Getty)
على بعد أقلّ من أسبوعين من الذكرى السنوية الأولى لجريمة 4 آب، وفي ظلّ كل حملة الضغوط التي تمارس عليه، ومع كل العراقيل التي توضع منعاً لاستجواب المسؤولين السياسيين والأمنيين، لا يبدو أنّ المحقق العدلي في ملف انفجار مرفأ بيروت، القاضي طارق البيطار يائساً.

بإمكان الأخير، اليوم قبل الغدّ، إعداد قراره الظني وتسليمه إلى المراجع القضائية. بإمكانه القول إنّ منع رفع الحصانات ومنع ملاحقة الضباط أعاقه. بإمكانه القول إنّ السلطة استخدمت الإعلام وقنواتها ومنابرها لمنعه من استكمال التحقيقات. لكن البيطار، على عكس كل ذلك، مستمرّ في عمله. وعلى ما تقول مصادر مطّلعة على سير التحقيق لـ"المدن"، فإنّ "القاضي لن يوقف تحقيقاته، ولن يتنازل عن الملف، خصوصاً أنّ حسم بعض الأمور اقترب موعده". وعليه، تضيف المصادر نفسها أنّ البيطار بصدد تسطير مذكّرات قضائية جديدة، لم تُعرف بعد وجهتها ولا عناوينها، وما إن كانت داخلية أو خارجية. وعلمت "المدن" أنّ قائد الجيش السابق جان قهوجي ومدير المخابرات السابق كميل ضاهر، حضرا إلى قصر العدل، ولم يتم استجوابهما لعدم حضور محاميهما. كما تم إرجاء استجواب الوكيل البحري مصطفى البغدادي ليوم آخر بسبب وضعه الصحي، مع إمكانية أن يتم استجواب الأخير في منزله وليس في مكتب البيطار.

رؤساء ووزراء
لا بد من القول إنّ الادعاء على رئيس حكومة تصريف الأعمال، حسّان دياب، وعلى وزراء سابقين في حكومات سبقت حكومته، لا يطرح سوى علامات استفهام حول إمكانية الادّعاء على رؤساء الحكومات السابقة. وفي هذا الإطار، تجدر الإشارة أيضاً إلى أنّ السفينة "روسوس" وعلى متنها 2750 طناً من نيترات الأمونيوم دخلت إلى مرفأ بيروت في تشرين الثاني 2013. أي في عهد حكومة الرئيس نجيب ميقاتي. وتم إفراغ النيترات منها في تشرين الأول 2014، أي في عهد حكومة الرئيس تمام سلام. وبعد تلك الأعوام، كانت حكومتان للرئيس سعد الحريري، وصولاً إلى انفجار 4 آب في عهد حكومة دياب. مساءلة رؤساء هذه الحكومات، والوزراء المتعاقبين المعنيين، أقلّ الواجب، خصوصاً إن صح ما يشاع عن مراسلات وبلاغات لجميع المسؤولين عن المرفأ وعن الدولة بشأن شحنة النيترات. فهل يتّخذ القاضي البيطار خطوة بهذا الاتجاه؟

الردّ على الضغوط
قد يكون في هذا الخيار، رداً من القاضي البيطار على السلطة السياسية التي تقف في وجه استجواباته وتحقيقاته وتحقيق العدالة وكشف الحقيقة. فالردّ على السلطة، لا يكون من خلال السكوت عن تجاوزاتها وإصرارها على رفض إسقاط الحصانات عن المسؤولين المدعى عليهم ومنع ملاحقة آخرين. خصوصاً أنّ الظرف الشعبي ملائم لخطوة مماثلة، على عتبة ذكرى 4 آب، وفي ظلّ تحضيرات ميدانية لإحياء هذه الذكرى. فالهدوء المستمرّ الذي يلتزم به المحقق العدلي، منذ انطلاق الحملة السياسية عليه مطلع تموز الجاري، دفع القوى السياسية إلى رفع نسبة الضغوط والحملات عليه، سياسياً وإعلامياً. وقد ترجموا هذه الحملة فعلياً من خلال منع إسقاط الحصانات والملاحقة بحق أعضاء من المنظومة الحاكمة.

إرجاء استجواب قهوجي
وكان القائد السابق للجيش، العماد جان قهوجي، قد توجّه اليوم إلى قصر العدل في بيروت للمثول أمام القاضي البيطار. وتم إرجاء الاستجواب بسبب امتناع محامي قهوجي عن حضور الجلسة بفعل إضراب نقابة المحامين. وفي هذا الإطار، يؤكد أحد وكلاء قهوجي، المحامي كريم بقرادوني، خلال اتصال مع "المدن" أنّ "قهوجي مثل وحضر. لكنّ إضراب النقابة أعاق استجوابه". وفي السياق، شدد بقرادوني على أنّ "قهوجي من بين كل المسؤولين الذين تمّ إبلاغهم بشحنة النيترات، هو الوحيد الذي قدّم حلولاً فلم يأت جوابه لرفع المسؤولية عنه، بل قدّم 3 اقتراحات هي إما تسليمها لشركة شماس أو معالجتها أو إعادة ترحيلها". كما يشدّد بقرادوني أنّ "كل المسؤولين حينها تمّ إبلاغهم بالنيترات وخطورتها، والكل حاول رفع المسؤولية عن نفسه". ويضيف: "الكل كان يعي خطورة هذه المواد". لكنّ واقع الأمور يقول إنّ أياً منهم لم يتحرّك، فتم الإعداد لمقتلة اللبنانيين.

إضراب المحامين
بات واضحاً، بالنسبة لكثيرين أنّ الإضراب المستمر لنقابة المحامين يضرّ بملف انفجار مرفأ بيروت والتحقيق فيه. فيتذّرع كل المدعى عليهم بغياب وكلائهم القانونيين لعدم حضور الاستجواب والمثول أمام القاضي طارق البيطار، وهو حق يكفله القانون. وفي هذا الإطار، لا تزال الاتصالات مستمرة مع النقابة من أجل إصدار استثناء جريمة 4 آب من الإضراب. لكن حتى الساعة، يبدو أنّ هذا الخيار ليس سهلاً. إذ تؤكد مصادر متابعة من نقابة المحامين لـ"المدن" على أنّ "استثناء جريمة 4 آب من الإضراب سيفتح الباب أمام المطالبة باستثناءات أخرى، وهو ما يساهم في ضرب الإضراب وأهدافه". وهو ما يدفع البعض إلى القول إنّ إضراب نقابة المحامين بات يخدم السلطة السياسية. لكن في الوقت نفسه، لا يمكن التوقّف سوى عند موقف الجسم القضائي الذي يعارض، بشكل مستغرب أو ربما غير مستغرب، عنوان إضراب المحامين وهو "استقلالية القضاء". إذ أنه من المفترض أنّ يحمل القضاة أنفسهم هذا العنوان وهذا المطلب.

وفي سياق آخر، عدّاد محكمة التمييز ينفد، وقد يصدر القرار بشأن طلب القاضي البيطار ملاحقة مدير عام الأمن العام اللواء عباس إبراهيم قبل يوم الإثنين المقبل، تاريخ انتهاء المهلة الزمنية الملزمة. مع العلم أنّ المهلة يفترض أن تنفد مساء اليوم الجمعة، لكن التحايل تم لتمديدها بحجة التبليغات. فإن لم يصدر عن المحكمة قرار، يكون طلب البيطار سالكاً، وهو ما تحاول السلطة السياسية إعاقته بشتّى الطرق. وقد يكون ردّ طلب البيطار بتوقيت عطلة نهاية الأسبوع لمحاولة كبح أي حركة اعتراضية في الشارع.

والأكيد أنّ ملف 4 آب، بات يحتاج إلى خضة ميدانية.