القاضي البيطار لـ"المدن": استدعاء السياسيين بعد إنهاء التحقيق التقني

نادر فوز
الخميس   2021/06/03
البيطار: لحظة الانفجار، سمعت صوت طائرة وكنت في منطقة البياضة (Getty)
التحقيق في جريمة انفجار مرفأ بيروت، بعد مرور 10 أشهر على وقوعها، لا يخلو من المفاجآت. بالصدفة، على ما يقول المحقق العدلي في الملف القاضي طارق البيطار، التقى خلال إحدى زياراته إلى المرفأ بأحد الموظفين في المرفأ، وقد نجا من الانفجار. كان هذا الموظف بالقرب من مبنى الإهراءات لحظة وقوع الانفجار. شاهد وغيره ما حصل. منهم من أصيب ومنهم من نجا بأعجوبة. ولدى كل منهم مشاهداته وإفاداته بهذا الخصوص. القاضي البيطار، تمكّن إلى اليوم من تحديد هوية 7 ناجين من انفجار المرفأ كانوا متواجدين فيه، وعلى مقربة من مكان وقوع الانفجار. فدوّن إفادات 4 منهم، وينتظر لقاء ثلاثة آخرين. يمكن لهذه الإفادات أن تحدث فرقاً كبيراً، حسب ما يقول البيطار. وهو يؤكد أنّ التحقيق "بات تقريباً على مشارف الانتهاء من مرحلته التقنية. وهي مرحلة بحاجة إلى بضعة أسابيع". يقول: "كل ما يجب القيام به سأقوم به في الوقت المناسب. وأعدكم بأنّ أي دليل سيتمّ العمل به. وسأقول الحقيقة كما هي". ويشدّد على أنه كلّف لجنة بإعادة تركيب مسرح الجريمة، لتنفيذ بعض الاختبارات وحسم بعض النظريات، ويُلمّح إلى أنّ موضوع استدعاء السياسيين والمسؤولين قد اقترب، "لأنه مع انتهاء المرحلة التقنية ستكون هناك استدعاءات جديدة".

اكتشاف شهود وتقارير
في جلسة مع عدد من الصحافيين في قصر العدل، يشير القاضي البيطار إلى أنّ "كل شيء نقوم به في المرفأ مهمّ. ثمة عدد من الأشخاص كانوا موجودين في المرفأ بجانب الإهراءات، خرجوا بأعجوبة أو جرحوا فقط. هم شهود على ما حدث. نجوا ولم تؤخذ إفاداتهم بعد". يضيف أنه "بالصدفة، خلال إحدى زياراتي للمرفأ، التقيت بأحد الموظفين هناك. وتبيّن أنه كان موجوداً في المكان لحظة التفجير". وهنا بدأت القصة. يعمل على تحديد هوية أكبر عدد ممكن من هؤلاء الشهود: "لا يمكن عدم الاستماع إليهم، كانوا موجودين على أرض مسرح الجريمة". ويؤكد أنه "إذا تقاطعت إفاداتهم مع بعضها البعض فقد يشكل ذلك دليلاً مهماً. استمعنا إلى 4 منهم، وثمة 3 آخرين. فإذا تحدثوا عن صوت طيران فيكون ثمة طيران. وإذا قالوا كلهم لم نر طائرة فهذا يعني ما من طائرة. وإذا شاهدوا صاروخ أم لا.. شهاداتهم قد تكون عامل حسم لأمور مهمة".

"سمعت طيران"
وخلال الدردشة مع الإعلاميين، أشار القاضي البيطار إلى أنه شخصياً سمع صور طيران. كان موجوداً في منطقة البياضة، في المتن، وسمع ذلك. وفي هذا الإطار، يشير إلى أنّ جملة من العوامل من شأنها حسم هذه النظرية. ومنها "شهود، رادارات، تحليل التربة والأرضية في مكان الانفجار والمحيط. إذا تبيّن وجود متفجرات أو شظايا، وصور الأقمار الصناعية". ليعيد التأكيد أنّ 3 إجابات سلبية وردت إلى القضاء اللبناني بشأن صور الأقمار الصناعية، من 3 جهات قالت أنها لا تمتلك صور لبيروت يوم 4 آب.

حسم النظريات
ويعود البيطار ليشير إلى النظريات الثلاث المرتبطة بانفجار مرفأ بيروت. عمل أمني، عمل عسكري، ونظرية التحليم. يشير في هذا الإطار رداً على سؤال "المدن" إلى أنّ "الفرنسيين أعطونا تقريراً متقدّماً وسيكون هناك تقرير آخر مفصّل. والجيش أعدّ دراسة أيضاً، وثمة تقاطع بين التقريرين". ويضيف أنّ "التقرير الفرنسي عزّز فرضية من ضمن الفرضيات الموجودة. لدينا معطيات كثيرة، ولا شيء حُسم بشكل نهائي. لدينا نسب محددة في حسم النظريات. وثمة ثلاث فرضيات، من بينها فرضية متقدّمة وأخرى مرجحة وثالثة أقلّ ترجيحاً. وقد تمّ استبعادها بنسبة 80%". ويلفت أنّ الحسم هو بانتظار "أجوبة متوقعة من لبنان ومن الخارج. وهذا بحاجة إلى وقت إضافي ربما أسابيع أو شهر".

استدعاء السياسيين والمسؤولين
وحول مرحلة استدعاء المسؤولين والسياسيين، يقول إنه "حين يحين الوقت سنستدعي مسؤولين ووزراء وسياسيين. الهدف إيصال التحقيق إلى المجلس العدلي. وهذه الطريق فيها مصاعب. لذا، نبدأ بالعراقيل أم بالأمور التي يمكن القيام بها من دون مشاكل؟ برأيي، يجب أن أنهي كل ما يمكن القيام به، ونأخذ القرارات اللازمة، ثم نتّجه بعدها إلى العراقيل".
يشير إلى أنّ هذه المرحلة هي مرحلة تحقيق تقني، "عندما أنهي هذه المرحلة والتكليفات، أتّجه إلى المرحلة الثانية". وحول التعقيدات والحصانات، يقول إن "في لبنان ثمة حصانة نيابية ضمن دورة انعقاد البرلمان، ولا خلاف في ذلك. استدعاء نائب يستوجب رفع الحصانة عنه، وهذا يتم بالنصف زائد واحد تصويتاً. ننتظر انتهاء دورة الانعقاد ونستدعي النائب. ولاستدعاء النائب كمدعى عليه في مرحلة انعقاد البرلمان ثمة طريقتان، إما أن يكون الجرم مشهوداً أو بطلب رفع الحصانة". ويضيف في هذا الإطار أنّ التحقيق في هذا الشق "بحاجة إلى جمع أدلة ومستندات. لدينا بعض المراسلات، ومجرّد علم المسؤولين بالملف. وإذا نصّت واجباتهم على المسؤولية بالتحرّك، فإذاً هم مسؤولون ويجب استجوابهم. هذه مرحلة سنصل إليها. كل الأشخاص المشتبه فيهم بعمل إجرامي مقصود أو غير مقصود سيستدعون، بغض النظر عن درجة المسؤولية. قد يستدعى واحد إلى التحقيق وخطأه صغير".

نظرية التلحيم ومسرح الجريمة
وحول نظرية التلحيم التي سألت عنها "المدن"، يشدد البيطار على أنه "يتم العمل على إعادة التجربة، ثمة لجنة كبيرة مكلفة بهذه المهمة، لا يمكن تحديد الموعد. لكن بغضون 3 أسابيع إلى الشهر، من المفترض الانتهاء من هذا الجانب. قد يكون الأسبوع المقبل. لا يمكنني معرفة ذلك". ويضيف أنه يتم العمل على إعداد مسرح مشابه للجريمة في المرفأ، "وكما قلت، لا يمكن حسم النظريات كلها الآن. ونحن بانتظار نتائج التجارب. سنقوم بالتجربة، لحسم موقفنا من النظرية بشكل كامل". ويلحظ في هذا الإطار أنه "لا يجب أن نضيّع اللبنانيين ولا أن ننساق إلى عواطفنا. مثلاً، الأحب إلى قلبي أن أقول إن إسرائيل اعتدت علينا وأقوم بملاحقتها والادعاء عليها. لكن لا يمكن قول ذلك. الناس مقسومة حول نظريات الانفجار، حسب وسائل الإعلام والانتماء. لا يجب توجيه الناس إلى نظرية محدّدة بينما التحقيق مستمرّ، لا يجب تدمير الثقة بالقضاء ولا بالدولة. ماذا لو صدرت وقائع ونتائج معاكسة وأعادت قلب معادلة النظريات؟ لا يمكن اللعب بكل هذا".

شحنة الأمونيوم
وعلى مستوى شحنة نيترات الأمونيوم، يشير البيطار إلى أنّ "كل الناس باتت على علم بدور شركة سافارو، ونحن نتابع ما فعلته الشركة ونحقق إذا أحضرت المواد عن قصد أم لا. وهنا ثمة دور إضافي ممكن لقبطان السفينة، وهذا ما نتتبّعه".
يؤكد أنّ ثمة تقدّماً على هذا المستوى بنسبة 70% لجهة تحديد أسباب رسو السفينة وتفريغ حمولتها. "لا يهمني أن أصدر قراراً، بل أريد قراراً يقنع الناس. وهنا الصعوبة. أصحاب البضاعة مسؤولون عنها، أأحضروها عن قصد أم أهملوها في المرفأ. نبحث عن أصحاب هذه البضاعة لتحديد مسؤولياتهم". ويضيف: "نعرف المسؤولين عن العنبر وما فيه، كميّة النيترات التي تم تنزيلها 2750 كيساً. وكل كيس طن واحد. وهنا ثمة احتمالات". ثمة احتمال أول بأن تكون كل الكمية انفجرت. احتمال ثانّ بأن يكون جزء منها انفجر، بين 500 إلى 600 طن. "إما تطاير الباقي أو سُرق. كل هذه الفرضيات يتم أيضاً العمل عليها. هل يمكن للنيترات أن تتطاير؟ إذا لا، فأين هي؟ وهنا أهمية الشهود. والتحقيق يشمل كل شيء في هذا الجانب. سرقة؟ تهريب"؟ يضيف، أنّ في المرفأ ثمة 5 جهات مسؤولة، "إدارة المرفأ، الجمارك، الأمن العام، الجيش وأمن الدولة، وقد طلبت مسحاً لكل كاميرات المراقبة في المرفأ ومحيطه".

في موضوع الإهمال
وفي الشق المتعلّق بالإهمال، أوضح البيطار أنّ ثمة نوعين من الإهمال: "الخطأ الجسيم الذي لا يمكن توصيفه إهمالاً عادياً، والإهمال البسيط". ويؤكد أنّ "هذا موضوع لا دخل له في سبب الانفجار، هو موضوع قائم بغض النظر إن كان الانفجار ناجم عن خطأ في ورشة أو عمل عسكري أو عمل أمني. الإهمال موضوع ثابت وأساسي ووقته سيحين. حتى لو كانت له محاذير سياسية، أنا أعمل بالقانون وسأطبق القانون".
وفي ما يخص طلبات إخلاءات السبيل المقدّمة من قبل موكلي الموقوفين في الملف، يشير البيطار إلى أنّ "لا مهلة زمنية تلزمني للبت بإخلاءات السبيل. سأحيلها إلى النيابة العامة، وقد يكون الأمر مرتبطاً بالأجوبة والفترة الزمنية المتبقية في حسم بعض الأمور في التحقيق التقني". ورداً على سؤال حول التحقيق الدولي، قال إنّ "تحقيقاً بهذا الحجم لجريمة بهذا الحجم يستوجب لجنة تحقيق خاصة وطنية، هذه قضية وطنية. ما سأقوم به هو المستحيل لكشف الحقيقة كلها، وأشك أن يتمكن أي قاض أجنبي بأن يقوم بأكثر مما نقوم به. إذا صدر قرار دولي بإنشاء لجنة تحقيق دولية فلا قدرة لي على المواجهة، سألتزم بقرار الحكومة حينها".