مشاهد من أفلام جبران باسيل

محمد أبي سمرا
الأربعاء   2021/06/16
نعم هو قدرنا منذ ولادته في الطائرة التي حملت عمه ميشال عون من باريس إلى بيروت (الأرشيف)
لا تعدّ ولا تحصى أخبار جبران باسيل. فهي سيّالة بلا توقف في ديار الخراب اللبنانية.

والسياسة وأهلها في هذه الديار، أخبارٌ وصور للهزل المأسوي الكاريكاتوري. وبعد فيلمه "حامل الصلبان"، و"أنا وسعد الحريري: غرام وانتقام"، أتحفنا باسيل بفيلمه الأخير قبل أيام: "شتيمة وعنف واعتذار".

وفي الصورة - الأفيش الإعلاني - لفيلمه الأخير، يظهر حامل صلبان جمهورية الخراب: منتفخ الصدر، ممشوق الإطلالة والإهاب بين اثنين من مرافقيه، سائراً بخطىً ثابتةٍ نحو العلى والمعالي. بل إن العلى والمعالي تسعى إليه سعي الروح الهائمة لتتجسد في عالمنا هذا.

والروح هذه تقول إن جبران باسيل قدرنا.

***

نعم هو قدرنا في هذه الديار، منذ ولادته في الطائرة التي حملت عمه ميشال عون من باريس إلى بيروت في العام 2005، بعد مقتل رفيق الحريري، والد سعد الحريري، الذي شاءت الأقدار أن يلتقيه باسيل في فيلم "غرام وانتقام".

وجبران باسيل في ولادته تلك لم يسبقه إليها سوى جبريل قرشته، بطل رواية سلمان رشدي "آيات شيطانية"، والذي هبط من السماء في مظلةٍ، ليصير صانع وممثل أفلام هندية عن أدوار آلهة دينية في الهند.

لكن باسيل لم يولد وحده في تلك الطائرة المتجهة من باريس إلى بيروت، بل وُلد معه جيل كامل من أصحاب معالي الوزراء وسعادة النواب العونيين في لبنان. ومنذ عودة ذاك الجيل، لم تعد تحصى أمجاد السياسة والسلطان السياسي في الديار اللبنانية ودورات خرابها المزمنة والمتجددة من جيل إلى جيل.

والسياسة وأهلها في هذه الديار، بدوراتها وأجيالها، ليست (وليسوا) شيئاً آخر سوى السلطان الذي غالباً ما لا يُبلغ إلا بالخراب. سلطان سداهُ ولحمته الأهل والموالي والأتباع، المصطفين لطلب العلى والمعالي، هاتفين بأسمائهم، وسائرين في مواكبهم، تحتهم، ليعتلي أصحاب العلى والمعالي أكتافهم مسرورين، ووجوههم وضّاحة وثغورهم باسمة.

***

ومجد لبنان أعطى كله لجيل حامل الصلبان في السنوات الأخيرة، بل له وحده في جيله. هكذا قال ويقول، ردد ويردد، مولّد هذا الجيل في كهولته، وهو راعي باسيل، معلمه ومختاره من جيله، متبنِّيه ومدربه على تسلق درجات سلّم المجد والمعالي في هذا الخراب الذي بلغه لبنان وأهله أخيراً.

وأهل ديار الخراب هذه، ومن يتابعون أخبار خرابها في العالم، سياسيون وديبلوماسيون، علموا أخيراً وخبروا يقيناً أن أمجاد أهل السياسة والسلطان في لبنان، ليست شيئاً آخر سوى نذالات. لذا قرّر العالم إعالة أهل هذا البلد المنكوب بمساعدات غذائية فحسب، للحدّ من تلك النذالات.

***

ومن مشاهد حامل الصلبان في فيلمه الأخير "شتيمة وعنف واعتذار"، مشهده مصافحاً في دارته بالبياضة حبيب المصري، والد ياسمين المصري التي يُقال إنها شتمت باسيل لمّا شاهدته مصادفة في مطعم بالبترون. وهي استعادت أو كررت أفعال ناشطي 17 تشرين الأول 2019 وكلماتهم. الأفعال والكلمات التي كانت غيّبت حامل الصلبان وأمثاله جميعاً عن الشاشات التلفزيونية والأماكن العامة، طوال أشهر كاملة من صمتهم، فيما كان المحتجون في ساحات لبنان وشوارعه تلهج أصواتهم بأسماء أصحاب الأمجاد والمعالي وأفعالهم المجيدة.

وأقدم مرافقو حامل الصلبان في المطعم البتروني على ضرب ياسمين المصري ورميها أرضاً، قصاصاً لها على شتيمتها. وجاءت مصافحة والدها لجبران باسيل، اعتذاراً منه على ما فعلته ابنته في ذاك المطعم على شاطئ أمجاد باسيل في دياره. أما ياسيمن فنُشر بيان لها يقول إن لا أحد يمثلها سواها، ولا أحد يمكنه تبديل موقفها المؤيد للثورة، والمناهض للسياسات العونية، ولا حتى والدها الذي تعرض للضغط وأُجبر على ما قام به. أي زيارته دارة صاحب الصلبان والمعالي والسعادة ومصافحته معتذراً.

والمشهد – مشهد شتيمة ياسمين والاعتداء عليها، ومشهد مصافحة والدها الاعتذارية في دارة حامل الصلبان – ليست إلا من مشاهد يومياتنا المتكررة: الغضب والذل والمهانة والنذالة والشتيمة والاحتقار، السمو والرفعة والمهابة والمعالي والمجد والبهاء في مشهد واحد، أو في مشهدين متقاربين في ديار الخراب العميم.

وهي مشاهد حياتنا، نصنعها وتصنعنا في كل يوم وساعة، حتى تكتمل أشراقة شمس الأمجاد والنذالات في هذه الديار.