البيطار لأهالي ضحايا المرفأ: توصّلتُ إلى معلومات قد تفاجئكم

نادر فوز
الأربعاء   2021/06/16
خلاصة التجربة القضائية الفرنسية تشير إلى أنّ الفرضيات تبقى قائمة ولو بعد عقد أو اثنين (Getty)
المحقق العدلي في جريمة انفجار مرفأ بيروت، القاضي طارق البيطار، لن يصدر قراره الظني في قريب عاجل. وها ما أكده أمس، في لقائه بوفد من أهالي ضحايا وشهداء التفجير. وهو يريد قراراً محكماً في القضية، يؤكد أنه لا يزال يحقّق في الجوانب الثلاثة المتعلّقة بسبب التفجير دون حسم أو استبعاد أي من النظريات الثلاث: عمل أمني، اعتداء عسكري، والتلحيم. وكل ما يشاع عكس ذلك، ينفيه البيطار. الفرضيات الثلاث قائمة، ولو بنسب مختلفة، لكن السؤال بات اليوم: لماذا كل هذا التأخير الحاصل لحسم دقة هذه الفرضيات؟ هل من أمور تقنية تعيق حسم موقفه من نظرية التلحيم التي سيعيد تجربتها في المرفأ من خلال بناء مجسّم مشابه للعنبر رقم 12؟ لا شيء واضح في هذا الإطار. فالبيطار، وبعد اكتشاف مجموعة من الشهود الذين كانوا موجودين في المرفأ لحظة وقوع الانفجار، أعاد خلط الأوراق. وبحسب مطلّعين على الملف، أنهى الاستماع إليهم وتدوين إفاداتهم، كشهود.

إعاقة إضراب المحامين
وفي السياق نفسه، تذرّع أحد المدعى عليهم، وهو ضابط رفيع في جهاز الجمارك، بإضراب نقابة المحامين لعدم المثول أمام القاضي البيطار هذا الأسبوع. حقّه القانوني يكفل له أن يتمّ استجوابه بحضور محاميه، ونقابة المحامين مستمرّة في الإضراب. وتقول مصادر حقوقية في هذا الإطار إنه "سيتم طرح موضوع استثناء قضية انفجار المرفأ من إضراب المحامين، على النقيب ملحم خلف". فالإضراب يعيق التحقيق في الجريمة، أو على الأقلّ يستمهله إلى أجل غير مسمّى.

عنصر مفاجأة
"لن يصدر القرار الاتهامي قبل يوم 4 آب، الذكرى السنوية الأولى للجريمة"، بهذه الخلاصة خرج الأهالي من مكتب البيطار أمس. ولو أنّ الأخير أكد خلال اللقاء على أنه "توصلتُ إلى معلومات قد تفاجئكم". كعادته لم يخض في التفاصيل ورفض الإفصاح عن "عنصر المفاجأة" المتوقّع في الملف، ولا الجانب المتعلّق به. ولم يتطرّق إلى أسماء المتّهمين ولا إلى مسؤولياتهم، وشدّد على سرية التحقيق.

عقود التحقيق
قد يمرّ الوقت ثقيلاً على كل من فقد ابناً أو زوجة أو قريباً، وعلى كل من هجّره الانفجار من منزله أو دمّر مؤسسته. كل المتضرّرين المباشرين، وغير المباشرين، يريدون الحقيقة الآن، اليوم قبل الغد. لكنّ الواقع يقول إنه في انفجارات مماثلة، قد يستمرّ التحقيق لسنوات، لأكثر من عقد وربما لعقدين. في بلدان تقوم على العدل والقضاء، مثل فرنسا والولايات المتحدة، هكذا كانت الحال. التحقيق في كارثة تكساس التي انفجر في أحد مرافئها 2300 طناً من نيترات الأمونيوم عام 1947، انتهى بعد عشر سنوات. أما انفجار النيترات الذي وقع عام 2001 في مصنع AZF في تولوز الفرنسية، فانتهى عام 2019.

إدانة متأخرة
في مجزرة تولوز، التي أدّت إلى مقتل 31 شخصاً بفعل انفجار 400 طناً من النيترات، أدين مدير الموقع وحكم عليه بالسجن 15 عاماً عام 2017، أي بعد مرور 16 عاماً. واستؤنف القرار وردّ استنئنافه بعد عامين، وشاب التحقيق الكثير من التساؤلات والغموض، إذ وقع بعد 10 أيام فقط على أحداث 11 أيلول 2001. واتّجهت الأنظار حينها إلى حسن الجندوبي، أحد موظفي المصنع المعروف بقربه من الجو الإسلامي. قتل الأخير خلال التفجير. لكن ما زاد الملف عموضاً تأكيد أحد القضاة الذين تناوبوا على الملف، جان لوي بروغيير، على أنّ "مسار التحقيق لم يكن كافياً وتم إهمال جوانب عدّة". وسجّلت أخطاءً فادحة في التحقيق منها عدم التدقيق في داتا الاتصالات، واللافت في هذا السياق أنّ كل المقتنيات الشخصية لجندوبي تبخّرت من منزله.

خلاصة التجربة القضائية الفرنسية تشير إلى أنّه في انفجارات مماثلة، تبقى الفرضيات فيها قائمة ولو بعد عقد أو اثنين، ولو بعد 100 عام. لكنّ الثابت الوحيد فيها أنّ إهمالاً وسوء إدارة أديّا إلى قتل الناس، أكان لجهة تسهيلهما على الإرهابيين المفترضين عملهم، أو بفعل حادث عمل. وإدانة الإهمال وسوء الإدارة موجودة لدى المحقق العدلي، راسخة وثابتة مهما تنوّعت الفرضيات والنظريات. ففي جريمة 4 آب كل المؤشرات تشير إلى خلاصة وحيدة: دولتي فعلت هذا. والمسؤولون كانوا يعلمون.