لودريان يدشّن الانتقال من الشارع إلى المعارضة فالانتخابات النيابية

نادر فوز
السبت   2021/05/08
هروب من الشارع، أو أنّ الشارع هرب من المحتجّين والناشطين والمجموعات (علي علوش)
أتت زيارة وزير الخارجية الفرنسي، جان إيف لودريان، لتعطي دفعاً إضافياً للجهود السياسية والتنظيمية التي تقوم بها مجموعات 17 تشرين. لم تكن هذه المجموعات تنتظر موقف لودريان من الطبقة السياسية لشحذ تفاهماتها ولقاءاتها، إلا أنّ رسالة الوزير الفرنسي في هذا الاتجاه لا يمكن إلا تلقّفها بغض النظر عن جديّتها، والواقع الفعلي القائل إنّ فرنسا كانت حتى يوم أمس لا تزال ترعى الطبقة السياسية الحاكمة التي أفلست البلاد، وتعتمد عليها من أجل تشكيل الحكومة للخروج من المأزق المالي والسياسي والاجتماعي. ليس في التعويل على الموقف الفرنسي أي خطأ، إلا أنّ الاعتماد والبناء والرهان عليه قد يكون ضرباً من ضروب التهوّر السياسي ومراهقته.

المعارضة السياسية
في بيانات ومجالس مجموعات 17 تشرين، توجّه إلى تكريس مبدأ المعارضة السياسية. وفي هذا الشعار انتقال من مفهوم الثورة إلى منطق العمل السياسي المباشر. وهو شعار مبطّن لتبرير أي تحرّك واتّجاه، محقّ أساساً ومنطقي أصلاً، لخوض الانتخابات النيابية بعد أشهر. لكن في الدعوة إلى الانضواء تحت جناح المعارضة السياسية، شبه اعتراف بإنهاء حركة الشارع وإيحاء بأنّ هذه الحقبة أفلت. وفيها استباق ومزاحمة للتعبير عن نيّة مبيّتة، بغض النظر إن كانت محقّة ومنطقية أيضاً، للعمل الانتخابي واستحقاقه.

معركة موحّدة
من بين عشرات آلاف الناشطين ومئات المجموعات، من لا يحمل طموح الفوز بانتخابات نيابية أو حتى المشاركة فيها للدخول إلى السلطة، دوافعه منقوصة ومشكوك فيها. من دون أن يعني ذلك طبعاً أنّ همّ الترشّح والفوز مبرّر تقديمه على الهموم السياسية العامة الأخرى. لذا، صدرت دعوات متكرّرة عن مجموعات 17 تشرين وائتلافاتها لتوحيد المشاريع والاصطفافات، ودمج مشاريع انتخابية وسياسية، وخوض معركة موحّدة بوجه السلطة وأحزابها. حتى أكثر البيانات تفاؤلاً بهذا الخصوص، دعت إلى تشكيل لائحة انتخابية موحدّة للمجموعات.

السلطة أقوى
لا يحتاج التأكيد على أنّ قوى السلطة أقوى بكثير من مجموعات 17 تشرين على مستوى توحيد الجهود. في خلافاتها وانقساماتها وصفقاتها وتفاهماتها على حدّ سواء، تتقن أحزاب المنظومة تركيب "بازل" مصالحها في السياسة والانتخابات والقرارات والتعيينات وكل ما من شأنه أن يعني هذه المصالح. تُجمع على تمديد ولاية مجلس نيابي، أو عهد حاكم المصرف المركزي، أو تشيكلات أمنية أو قضائية أو إدارية أو تنفيذ مشاريع. حتى حين تختلف في ما بينها، يكون ذلك لصالحها، فتغذّي شعبيتها وشعبويّتها وتستنبط الخطاب اللازم لذلك. علاقاتها ببعضها تاريخية بغض النظر عن خلافاتها اللحظوية. أسست شبح دولة وكوّنت منظومة وأدارت البلد لعقود. ما يجمعها أكبر بكثير مما يجمع مختلف أفرقاء 17 تشرين.

خيارات وأسئلة مفتوحة
في طرف 17 تشرين، أرضية مشتركة عريضة تتّسع لأي كان من معارضي السلطة ومناهضي ممارساتها وسياساتها. وفي هذه الأرضية سلسلة طويلة من العناوين. الكثير من الشعارات. كمّ من المطالب. خليط من اللهجات والوجوه والمناطق. شعارات ومطالب وخليط.. وعليها يتضاربون، يُعجنون، يولّدون انقسامات أو تفاهمات. ويبقى الانقسام هو الهاجس الأكبر. أولوية السلاح وسيادة الدولة أم لقمة العيش؟ محاسبة ومساءلة أم شبكة طوارئ اجتماعية؟ حياد ومؤتمر دولي أم مقاومة وممانعة؟ مع العلمانية الشاملة والمدنية المطلقة أم مراعاة رجال الدين في السياسة؟ هي خيارات وأسئلة مفتوحة، أجاب عنها البعض وتجنّبها البعض الآخر، تبقى من دون حسم ولا تبنّيَ كاملاً وواحداً.

إطلاق حركة "أسس"
من زعرتا، استكملت أحزاب ومجموعات 17 تشرين نداء 13 نيسان وأطلقت حركتها. فقد مضت مجموعة "زغرتا الزاوية تنتفض" قدماً وشكّلت حركة "أسُس" كحركة سياسيّةٌ مدنيّةٌ ديمقراطيّةٌ، ضد خطاب الكراهية والتهميش والخوف، مع دولة المواطَنة والمساواة والحق والقانون والحريّة، ضد ثنائيات السياسية اللبنانية، من "شرقية وغربية، ومن 14 و8 آذار" وضد الثنائية التي حكمت زغرتا طوال العقود الثلاثة الأخيرة. وتؤكد الحركة على 3 أمور أساسية، أولاً أن تكون زغرتا المنتفضةُ جزءاً من انتفاضة 17 تشرين العابرة للمناطق والطوائف والمذاهب والحساسيّات والحسابات الضيّقة. ثانياً، أولويّةُ وضع رؤية عقلانيّة لمعنى أن نكون في السياسة لا خارجها. ثالثاً، أن يندرج كل هذا في مفهوم الدولة. وقد أعادت التأكيد على شعار مبادرة 13 نيسان بالمطالبة بحكومة مستقلة انتقاليّة "كحلّ وحيد لوقف الانهيار الماليّ والاقتصاديّ والتحضير لانتخابات نيابيّة شفّافة وديمقراطيّة".

رفع الدعم والانتخابات
وفي السياق نفسه، أصدر "لقاء تشرين" بياناً تطرّق إلى موضوع ترشيد الدعم والبطاقة التموينية، واعتبر فيه أنّ الترشيد والبطاقة التموينية هدف حكومة حسان دياب التي "تغاضت عن ‏أساس المشكلة الاقتصادية في لبنان، المتمثلة بانهيار القطاع المصرفي من مصرف مركزي ‏ومصارف خاصة". وأشار اللقاء في بيان صادر عنه إلى أنّ الحكومة "ذهبت بعيداً في سياسة لحس المبرد عبر تحويل المجتمع إلى مجتمع ‏متسوّل، يعتمد في غالبيته على بطاقة وهمية لا تمويل حقيقياً لها"، مؤكداً على أنّ "تخفيض الدعم لا يمكن ان يأتي خارج خطة متكاملة للإنقاذ تعيد الثقة، ‏وتكون للحماية الاجتماعية حيزًا منها أبعد من البطاقة، تمنح المواطن أبسط حقوقه من تعليم وصحة ‏وضمان شيخوخة".
وعلى صعيد آخر، أكّد الأمين العام للكتلة الوطنية بيار عيسى أنّ زيارة لودريان "إن دلّت على شيء فعلى التغيير الجذري في النظرة إلى الأحزاب ومجموعات المعارضة". وشدد على أنّ "المعارضة تنظّمت أسرع وأفضل مما تعتقد الناس، ونصرّ على إجراء الانتخابات النيابية في موعدها، منذ 17 تشرين حتى اليوم، لم تحصل انتخابات، نقابيّة كانت أم طلاّبية، إلا وربحتها الحالة التغييريّة. وهذا دليل قاطع على ما يمكن أن يحصل ومؤشّر جيّد للمستقبل".

في خضمّ كل النقاشات واللقاءات المستمرة داخل القاعات والصالونات، هروب من الشارع، أو أنّ الشارع هرب من المحتجّين والناشطين والمجموعات. العمل مستمرّ على تشكيل جبهة معارضة أو جبهات معارضة، في منحى يؤكد على أنّ دور الشارع انتهى، وأنّ قولبة هذا الشارع مستمرّة لتكريس تحوّله من فعل المطالبة والاحتجاج إلى فعل العمل السياسي المباشر. لكن قبل كل هذا، لا بد من إعادة احتساب كم ناشط سُحل في الشارع، كم عين فقئت وكم أصبع بُتر في أشهر 17 تشرين الطويلة في الشارع. ثمة من سيعيد رفع صور شهداء هذه الانتفاضة من طرابلس إلى بيروت، بعيداً عن أي ابتزاز أو استهلاك سياسي، أو حتى تسلّق على ظهورهم.