"انتخاب" الأسد في لبنان: سَوْقُ اللاجئين للاقتراع بالدم!

جنى الدهيبي
الأربعاء   2021/05/05
تنتشر ظاهرة رفع صور بشار الأسد في القرى البقاعية (المدن)

بدأ العد العكسي للانتخابات الرئاسية السورية، المقررة في 26 أيار المقبل، والتي سيُتوج مجددًا على إثرها "الدكتور" بشار، قائدًا وحاكمًا لنظام الكيماوي والدم والتهجير، في بلاد الشام وسائر المشرق.  

ويبدو أن التحضيرات للانتخابات الرئاسية السورية، تتصاعد وتيرتها في لبنان. إذ بدأت الأحزاب والقوى و"الشبكات الاستخباراتية" المؤيدة والداعمة لنظام بشار الأسد، ببذل قصارى جهدها، ولو عبر الضغط والتهديد، من أجل دفع آلاف اللاجئين السوريين، أن يتوجهوا إلى السفارة السورية في 20 أيار المقبل. وهو اليوم المحدد لتصويت اللاجئين في سفارات البلاد التي هُجروا إليها.  

الأسد في المنية  
قبل نحو 10 أيام، تم استدعاء مئات اللاجئين السوريين من مخيمات المنية شمالاً وجوارها، للاجتماع مع رئيس "رابطة العمال السوريين في لبنان" مصطفى منصور، الموالي للأسد والذي ينسق عمله مع السفارة السورية بيروت. وهذا الاجتماع، الذي حضره اللاجئون من دون علم بموضوعه، قيل لهم أنه يتعلق بتوزيع المساعدات الأممية، حسب معلومات "المدن"، وحصل داخل مكتب محمد مطر، وهو صاحب مكتب عقاري ونائب رئيس حزب البعث العربي السوري في المنية.  

وتفيد المعلومات أيضًا أنه قبل أيام من الاجتماع، جال بعض أعضاء التجمع، على مخيمات السوريين في المنية، وأخبروا مسؤولي (أشاوش) المخيمات، لضرورة حضورهم هذا الاجتماع، كما طالبوا بتصوير هوياتهم.  

وحينها، توجه عدد كبير من اللاجئين لهذا الاجتماع، ظنًا منهم أنه يتضمن توزيعًا للمساعدات في شهر رمضان، وانتبه بعضهم أنه جرى التقاط صور لهم من سطح أحد المباني، وكانوا أكثر من 500 شخص، ثم اكتشفوا أن حضورهم هو لحشدهم والمشاركة في الانتخابات الرئاسية السورية. وعندها، انسحب عدد كبير منهم، بعد أن بدأ الحديث عن أهمية انتخاب الأسد و"ضرورتها للسيادة السورية ومستقبلهم"؛ وكانت بعض اليافطات لصور الأسد مدونة بعبارة "بشار الأسد من عينيك تشرق كل الانتصارات"، وموقعة باسم "المهندس محمد مطر".  

وفي اليوم التالي، جال بعض المحسوبين على التجمع والداعمين له على المخيمات، وطالبوا بأخذ الداتا عن اللاجئين، وتحدثوا معهم مهددينهم بسكنهم وأمنهم وسلامتهم، على قاعدة أن اللاجئين في المنية مجبرون بانتخاب الأسد، وأن هذه الانتخابات "ضرورة لتثبيت انتصار النظام على الإرهاب والعقوبات والحصار الدولي".  

هذه الرواية، يحاول محمد مطر نفيها، ويعتبر أن ما حصل أمام مكتبه مجرد لقاء لا يهدف إلى ترهيب أحد، وقال حرفياً لـ"المدن": "سيادة الرئيس الرفيق بشار الأسد شعبه معه من دون أن يطلب منهم ذلك، وهم يمارسون حقهم الديموقراطي بانتخابه"! 

ويرى مطر أن موازين القوى في سوريا تبدلت، وهي تصب بمصلحة الأسد، و"خير دليل على ذلك هو بوادر الانفتاح السعودي على النظام السوري والعمل على إعادة فتح سفارتها، مما يعني أن الاعتراف الدولي بالأسد صار أمرًا واقعًا في المرحلة المقبلة".  

لكن، يبدو أن محمد مطر ليس الشخصية الوحيدة التي تقود حملة منظمة دعمًا للأسد، إذ يفعل مثله كمال الخير. ويصف معارضو النظام السوري في المنية، كمال الخير، بـ"رجل النظام السوري"، وهو مقرب من حزب الله، ويروج دائماً في لقاءاته إلى ضرورة توطيد العلاقة مع النظام السوري وحزب الله، وسبق أن شارك مرات عدة بالانتخابات النيابية، كمرشح 8 آذار شمالًا.  

ولدى احتراق مخيم بحنين–المنية، نهاية 2020، رافق الخير وفدًا من السفارة السورية إليه، وعمل على توزيع المساعدات على عشرات العائلات السورية التي خسرت خيمها، وهو ما رآها البعض حينها، محاولة لتقديم رشوة انتخابية للضغط على اللاجئين في لحظات استضعافهم.    

ويوم أمس، انتشر فيديو للخير يخطب فيه، بالمنية، ومن خلفه بعض المرافقين وعلم النظام السوري. وقال فيه: "كل الناس الذين يتآمرون على سوريا، لا تسمحوا لهم يا أهل سوريا أن يسبقوكم إليها". ثم صرخ مخاطبًا: "انزلوا انتخبوا بالدم قائد الشرفاء. ومن هنا، من لبنان العربي المقاوم، نوجه تحية إلى القائد الدكتور بشار حافظ الأسد، وتحية إلى الجيش العربي السوري، والأجهزة الأمنية السورية".  

تبادل للاستفزازات  
وقبل يومين أيضًا، نظم عشرات الشبان في منطقة جبل محسن مسيرة تأييد للأسد، وداعمة لانتخابه، ورددوا شعارات عدة من بينها "الله سوريا بشار وبس".  

لكن الناشط السياسي يوسف شتوي في جبل محسن، يوضح لـ"المدن" أن هذه التظاهرة جاءت عفوية، وغير محضر لها مسبقًا، بمعزل أن الرأي العام في جبل محسن مؤيد للأسد ولخطه السياسي منذ عقود.  

وقال: "لم تكن هذه التظاهرة مطلوبة، لأن ما حصل لا يتماشى مع الرأي العام المحيط لأهالي الجبل، وبينما يوجد فيه نحو 600 ألف نسمة، لم يشارك في التظاهرة سوى العشرات، وتبقى مصلحة طرابلس متقدمة على كل شيء".  

وفي المقابل، رد شباب من باب التبانة باستفزاز مماثل، إذ خرج العشرات منددين بانتخاب الأسد. وقال شتوي: "ثمة أرضية للتباين السياسي والاستفزازت، والمهم في هذه المرحلة هو العمل على تعزيز العيش المشترك وتقبل الآخر على اختلافاته".  

البقاع أيضًا  
وفي البقاع، انطلقت الحملات الداعمة لانتخاب بشار الأسد، وافتتحت "اللجنة التحضيرية للإنتخابات الرئاسية السورية في لبنان"، مكاتب بأكثر من قرية وبلدة بقاعية، منها بدنايل وشمسطار.  

وتشير معلومات "المدن" أن أحد "الإعلاميين" يعمل على حشد الموالين للنظام السوري في البقاع. وآخر التجمعات التي دعى إليها كانت منذ أيام قليلة في بلدة حوش الرافقة، وروج فيها للعودة إلى سوريا باعتبار أن "كل من لم يتورط بالدم والارهاب، يستطيع العودة، وأن هناك تسهيلات بهذا الشأن لمن يملكون الأوراق الثبوتية". كما عبر أمام الحاضرين عن استغرابه أن يكون هناك من يفضل البقاء في خيمة مقابل ترك بلده.  

وتفيد المعلومات أيضًا أن "بعض الأجهزة الأمنية تواكب التحركات في البقاع سراً، منعاً لأي احتكاك بين الأهالي، خصوصاً أن هناك استغراباً من ظاهرة إعادة رفع صور بشار الأسد في القرى".  

وواقع الحال، يبدو أن لبنان سيشهد في الأيام المقبلة مزيدًا من التحركات الضاغطة على اللاجئين لانتخاب بشار الأسد، رغم كل ما يعتري ذلك من مخاطر واستفزازات، في بلدٍ يعيش انهياراً اقتصادياً غير مسبوق واستعصاءً سياسياً، وفي الوقت عينه يضم أعلى نسبة لجوء سوري في العالم مقارنة مع مساحته وعدد سكانه، ما يزيد من تشابك المسار والمصير بين بيروت ودمشق.