تنحية صوان: "اغتيال" التحقيق بجريمة انفجار بيروت

نادر فوز
الخميس   2021/02/18
التحقيق في ملف انفجار مرفأ بيروت بات محرقة للقضاة والمحققين (عباس سلمان)
بكثير من الوضوح، ومن دون مواربة، يمكن القول إنّ التحقيق في جريمة انفجار مرفأ بيروت يوم 4 آب 2020، قد انتهى. والرحمة للشهداء، الصبر لذويهم، وللمتضررين المباشرين وغير المباشرين الشكوى لله. وصل اليوم التحقيق إلى حائط مسدود بفعل قرار محكمة التمييز الجزائية نقل الملف من يد القاضي صوان إلى قاض آخر (نص القرار كاملاً أدناه). بعد شهرين، اتّخذت "التمييز" قرارها وبتّت في دعوى الارتياب المشروع المقدّمة من الوزيرين السابقين المدعى عليهما في الجريمة، علي حسن خليل وغازي زعتير. فيدخل الملف في موجة مهاترات سياسية جديدة وإضافية، لتعيين محقق عدلي خلفاً لصوّان. لكن كلّ هذا في جهة، وحقيقة موقف النيابة العامة التمييزية من جريمة المرفأ في جهة أخرى.

لا نية جرمية
فحسب ما يقول أحد محامي المدّعى عليهم الموقوفين في الملف، لـ"المدن"، فإنّ "النيابة العامة مقتنعة مئة بالمئة بأنّ انفجار المرفأ وقع قضاءً وقدر، ولا جريمة فيه". ويضيف أنّه في ملف التحقيقات لم يثبت للقضاء بعد وجود أي نيّة جرمية لا في إحضار المواد المتفجرة ولا في استهداف المرفأ واللبنانيين، مشيراً في الوقت عينه إلى أنّ قيادات الأجهزة الأمنية اللبنانية تشاطر القضاء هذه النظرية. وبالتالي، ثمة نيّة بالإبقاء على نظرية "التلحيم" واعتمادها، ووقف أي ملاحقات أخرى وموضع شهبات إحضار شحنة نيترات الأمونيوم إلى بيروت بما فيها دور رجال الأعمال السوريين المقرّبين من نظام الأسد في وصول الشحنة. وكل هذه النظرية، أساساً، لا تلغي واقع المسؤولية الجرمية والإهمال القصدي اللذين أديّا إلى قتل اللبنانيين وتدمير عاصمتهم. المطلوب باختصار، رفع المسؤولية عن كبار الموظفين في الدولة اللبنانية، في وزاراتها وأجهزتها الأمنية ومرفأ بيروت.

تنحية صوّان
وارتكز قرار محكمة التمييز بتنحية صوّان، المؤلف من 25 صفحة، على نقطتين أساسيّتين. أولاً، اعتبار أنّ المحقق العدلي بموقفه القائل إنه "لن أتوقف أمام حصانة"، لا يحترم الحصانات. والحصانة ينص عليها القانون. وبالتالي، هو لا يحترم القانون. ومن لا يحترم القانون لا يمكن أن يكون حيادياً. وثانياً، في واقعة تضرّر منزل صوّان جراء تفجير المرفأ. إذ أنّ "القواعد الأساسية الجوهرية في أي محاكمة لا تأتلف مع واقع أنّ يحقّق أو يحكم قاض في جرم هو متضرّر شخصياً منه بصورة مباشرة". فلا يمكن أن يكون صوّان مدّعياً وقاضياً في الوقت نفسه.

مسار الملف
بعد تنحية صوّان، تعود الكرة اليوم إلى ملعب وزيرة العدل لتعيين محقق عدلي جديد في الجريمة، بناءً على اقتراح مجلس القضاء الأعلى، حسب ما يوضح المحامي أيمن رعد لـ"المدن". ويوضح الأخير أنّ "التحقيقات تتوقف الآن بانتظار تعيين محقق عدلي جديد، على أن يكون لوزير العدل دور رفع الأسماء المرشحة لخلافة صوّان إلى مجلس القضاء الأعلى الذي يختار بين الأسماء المقترحة، وينقل خياره للوزيرة لتقوم بتعيين المحقق". بشكل عام، وفي جريمة مرفأ بيروت تحديداً، فإنّ تعيين خلف لصّوان سيكون أمراً مضنياً، مع العلم أنه سبق أن سقطت على الأقل 3 أسماء منهم القاضي سامر يوسف، الذي رفضه المجلس، والقاضيان طارق بيطار وزياد مكنا اللذان اعتذرا ورفضا مهمة التكليف.

إخلاءا سبيل
للصدفة، أو لعكسها، وافقت محكمة التمييز اليوم أيضاً على طلبي إخلاء سبيل كل من رئيس اللجنة المؤقتة لإدارة واستثمار مرفأ بيروت حسن قريطم ورئيس مصلحة الأمن والسلامة في المرفأ محمد زياد العوف. وحسب ما يؤكد وكيل قريطم والعوف، المحامي صخر الهاشم، لـ"المدن": "تقدّمت اليوم صباحاً عند قرابة العاشرة والنصف بطلبي إخلاء السبيل إلى المحقق العدلي القاضي فادي صوان، الذي أحالهما إلى النيابة العامة التي وافقت على الطلبين وردّتهما إلى صوّان". وبينما كان بانتظار موقف صوّان، صدر قرار تنحية الأخير. وبالتالي، يشير الهاشم إلى أنه أمام المحقق العدلي الآن 3 خيارات في ما يخص إخلائيّ السبيل، "إما أن يسكّر الملف ويقول إن قرار تنحيته قد صدر، إما أن يوافق على القرارين أو أن يردّ الطلبين". ويمكن لصوّان التذرّع بأنه لم يتبلّغ بعد بقرار تنحيته رسمياً ما يعيطه وقتاً إضافياً في موقعه. لكن من شأن هذا الوقت المتبقي أمام صوّان أن يوضح فعلياً موقفه وقناعته من جريمة 4 آب.

تجربة صوّان
أمضى القاضي صوّان 6 أشهر في موقع المحقّق العدلي في جريمة مرفأ بيروت. ادّعى خلالها على 37 شخصاً، 25 منهم موقوفون. سيرة صوّان في هذا الملف لا تخلو أبداً من الملاحظات والتقصير أو الخوف من المواجهة السياسية والتعرّض لحملات وضغوط سياسية في الوقت نفسه. فمن بين الملاحظات التي يمكن تسجيلها على أدائه أنه ترك موضوع محاسبة ومسائلة عدد من النواب بعهدة مجلس النواب. وأنه أدّعى على رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب ولم يدّع ولم يستجوب حتى رئيس الحكومة السابق سعد الحريري. أنه استجوب قائد الجيش السابق جان قهوجي بصفة شاهد، ولم يصدر أي إجراء بحقه، ولو أنّ قهوجي أكد في بيان صادر عن موكله القانوني أنه كان على علم بخطورة شحنة النيترات المخزّنة في المرفأ. كما أنّ صوّان لم يكن قد استجوب، إلى اليوم، قائد الجيش الحالي العماد جوزف عون. ومن جملة الملاحظات الكثيرة أيضاً أنّ صوّان أوقف التحقيق لما يزيد عن 40 يوماً، بين كانون الأول الماضي وشباط الجاري، بحجة كورونا.

تنحية القاضي صوّان عن ملف تفجير المرفأ، بما له ما عليه، لا تجعل منه ضحية. ففي مسيرته في التحقيق، هادن وامتنع وواجه أيضاً، فعل القليل من كل شيء. وبقرار تنحيته، تفتح السلطة اللبنانية، السياسية والقضائية، باب التشكيك بنوايا وسلوك وانتماء أي خلف له، على اعتبار أنه أياً كان من سيخلفه سيكون عرضةً للنقد والاتهام بأنّ المنظومة أتت به لاستكمال مسلسل تضييع الملف. وطالما أنّ المطلوب طمس التحقيق، باتت عبارة "ملف تفجير مرفأ بيروت محرقة للقضاء والمحققين" تتواتر على ألسنة معظم رجال القانون في لبنان. وكل هذا يقود إلى خلاصة وحيدة تفيد بأنّ كل ما حصل في ملف جريمة 4 آب إلى اليوم تمييع للتحقيق وضرب له وإبعاد للعدل والعدالة. فالحقيقة القائلة إن منظومة الفساد والنهب مسؤولة عن قتل اللبنانيين وتسعى وراء طمس ارتكاباتها، ولو أنها واضحة للعيان، ليس من قضاء يحكم من أجلها.

قرار محكمة التمييز بتنحية صوان كاملاً