عون وميقاتي والتانغو المرتبك

عارف العبد
الجمعة   2021/12/31
رقصة تانغو مرتبكة ومفركشة (Getty)

شهدت الأيام الأخيرة للعام 2021 ظهوراً متوالياً لكل من رئيس الجمهورية ميشال عون ومجلس الوزراء نجيب ميقاتي، وليس بالضرورة بتنسيق مسبق بينهما لتقديم ما يشبه كشف حساب ومكاشفة مع الرأي العام. لكن هذه المبادرة والمكاشفة أظهرت تناقضاً أو تباعداً في الرؤية بين الاثنين، يؤمل أن لا تتفاقم وتنفجر في العام المقبل، كي لا تطيح بما تبقى من جدران ما تزال مستقيمة وواقفة في هذا البلد الخرب من كل النواحي.

وإذا كانت رقصة التانغو تحتاج إلى اثنين، فأنها لا يمكن أن تنجح وتكون مبررة وممتعة من دون تناسق وتآلف بين الراقصين الشريكين.

رئيس الجمهورية الذي حشد الرأي العام قبل إطلاق كلامه، وترك من يساوم ويفاوض على السقوف التي يمكن أن يبلغها، طرح مجموعة من النقاط الغريبة والمثيرة للجدل والانقسام في المقبل من الأيام.

وضع فخامة الرئيس نفسه خارج إطار المسؤولية واتهم الآخرين، وكما سبق أن وجّه صهره التهمة لمنظومة سياسية حاكمة ومتحالفة، هاجم هو المنظومة أيضاً، وكأنه كان خارج جنة الحكم والمشاركة فيه منذ العام 2009.

فخامة الرئيس أشار إلى رغبته بحوار يتناول الاستراتيجية الدفاعية، المعروف أنها الاسم الحركي لموضوع تنظيم سلاح حزب الله الخارج عن سلطة الدولة، مع أنه تجاهل هذا الملف منذ وصوله إلى قصر بعبدا، مما يعني أن الموضوع الذي لم يحسم ويثار في عز انطلاق العهد القوي، لن يكون بالقوة اللازمة في أيامه الأخيرة بعدما "راح ساقه وسماقه"، كما يقال في العامية.  

والغريب، أن رئيس الجمهورية أدخل على ساحة النقاش، والخلاف طبعاً، موضوعاً جديداً وخطيراً في تلميحاته، وهو نقاش اللامركزية المالية. وهو ما يتناقض مع وحدة الدولة اللبنانية المركزية المؤتمن هو عليها وعلى تماسكها، ويلمح في الوقت عينه إلى اتجاهات "تفتيتية" تحاكي بعض الموجات من خارج سياق الإجماع الوطني اللبناني، لم يقترب منها أو يقاربها إجماع اللبنانيين في أي وقت.

حتى أن وثيقة الوفاق الوطني (ص 12) في باب الإصلاحات الأخرى، كانت أكثر وضوحاً في الفقرة 4 التي تنص على "اعتماد اللامركزية الإدارية الموسعة على مستوى الوحدات الإدارية الصغرى" (القضاء وما دون) ولم تذكر على الإطلاق اللامركزية المالية. مما يوحي بخفة وتسرع مهّد للوقوع في أخطاء فادحة.   

رمى الرئيس بالمسؤولية عن تدهور الأوضاع على مجلس النواب ورئيسه، الذي لم يقدم على إقرار قوانين يعتبرها إصلاحية، حتى لو كانت فضفاضة وخيالية وخلافية، كضمان الشيخوخة، بغض النظر إذا ما كان ذلك ممكن التحقق أو لا.

لكن فخامة الرئيس في المقابل، وهو يتوجه إلى لوم ومحاسبة الآخرين، تناسى أن قطاع الكهرباء، الذي كلف الخزينة نحو 50 مليار دولار، وساهم في إفلاس الدولة اللبنانية، كان من ضمن مسؤولية تياره طوال الـعشر  سنوات الأخيرة.

ولم ينتبه فخامة الرئيس أن مسؤولين في تياره أداروا قطاع الاتصالات وحولوه من قطاع رابح وممول للخزينة، إلى قطاع خاسر ومفلس وينتظر الإعانة والإنقاذ من الانهيار وإعادة الهيكلة.

باختصار، أثار فخامة الرئيس جملة عناوين كان بإمكانه إثارتها والعمل عليها سابقاً، فجاء كلامه الآن متأخراً ومن خارج السياق النافع. كما أثار أموراً أخرى لا يمكن تحقيقها، وستتسبب بمزيد من الانقسام والخلاف.

أما الرئيس ميقاتي الذي التقى مع شريكه في الحكم على ضرورة اجتماع الحكومة لكي تنتج الحلول، فاته أن الشعب اللبناني يعتبر حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وليس وحده طبعاً، أحد أكبر المسؤولين عن الانهيار الذي أصابهم وخرب بيوتهم وحياتهم، وهو لا يمكن اعتباره ضابطاً مرموقاً، بل أحد المتهمين الذين تجب محاسبته على سياساته وارتكاباته وهندساته المالية المريبة، التي كانت فاعلة وأساسية في التسبب في إفقار اللبنانيين ومفاقمة تعاستهم.

لم يكن الرئيس ميقاتي موفقاً أيضاً أو مصيباً أو منصفاً، في حديثه عن حاكم مصرف لبنان في التوقيت والتشبيه، حين تمسك به في ما اعتبره معركة، وهو دعس في هذا الاتجاه دعسة ناقصة خسّرته ما كان قد حققه قبل أسبوعين، عندما أطاح بالصفقة المريبة التي كانت معدة بين أركان المنظومة.

الرئيس ميقاتي خانته الصراحة البديهية أيضاً، حين نفى وجود النفوذ الإيراني في لبنان، متجاهلاً أن حكومته ولدت بعد الاتصال الشهير بين الرئيسين إيمانويل ماكرون و ابراهيم رئيسي، كما أن أمين عام حزب الله، السيد حسن نصرالله، لا يتردد في التذكير والتأكيد مع كل إطلالة له أن تمويله  وسلاحه ووجوده ومازوته من إيران.

المواطنون ينتظرون من الرئيس ميقاتي وحكومته، إذا ما سمحت له الظروف، تحقيق زيادة التغذية بالتيار الكهربائي كما وعد، لأنه إنجاز فعلي  وخيالي إذا ما تحقق في هذه الظروف، لا إطلاق معادلات جديدة غير دقيقة.

الرئيسان عون وميقاتي لم يحسنا ختام أيام السنة الحالية، عبر إطلالتين متناقضتين متباعدتين، ورقصة تانغو مرتبكة ومفركشة، فهل ستنتظم خطواتهما في السنة المقبلة؟ أم سيسقط المسرح بمن فيه؟