مثلث الميم والمصالح المشتركة

عارف العبد
الجمعة   2021/12/10
هل يعمل لبنان على تطبيق بضعة خطوات شكلية، من ما تضمنه بيان جدة؟ (Getty)

سبق أن عاش لبنان أحداثاً تحت مسميات عدة، منها على سبيل المثال مرحلة "السين سين" 2009، أي السعودية-سوريا، والتي شهدت انفتاحاً عربياً على سوريا، بهدف إبعادها عن إيران، وانتهت طبعاً إلى الفشل الذريع. يومذاك بادر الملك عبد الله بن عبد العزيز إلى فتح محادثات واتصالات ووساطة مع الرئيس السوري بشار الأسد،  والتي أسفرت عن الزيارة الشهيرة للرئيس سعد الحريري إلى سوريا، واستضافة الأسد له في مخدع القصر الرئاسي السوري. وكان ما كان بعدها من نتائج ومترتبات سياسية ومعنوية على لبنان والقوى السياسية المتحالفة والمتواجهة.

الآن، يبدو أن لبنان دخل مرحلة جديدة وهي مرحلة "مثلث الميم" أو (ميم3) حسب الرمز المنسوخ والمستعمل في الرياضيات، وهو مثلث حصيلة أسماء ثلاثة قادة تقاطعوا في لحظة مصادفة سياسية، ليخدم كل واحد منهم مصالحه وحاجاته.

"مثلث الميم" هذا، مُشكل من الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون ورئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي وولي العهد السعودي محمد بن سلمان، مما أسفر عن مثلث (ماكرون ميقاتي محمد بن سلمان). فصدر البيان الحدث اللافت والمشترك السعودي الفرنسي (بيان جدة)، وأنتج الاتصال الهاتفي الثلاثي بينهم من هواتف بعضهم مع بعض، حيث قال فيه ولي العهد السعودي لميقاتي جملته المفتاحية حسب الرواة: "سنفتح صفحة جديدة".

والواقع أن كل صاحب ميم من الرجال الثلاثة عمل لتحقيق مصالحه هو، والحصول على مكتسبات لحسابه الخاص أولاً، فكانت الصدفة الحسنة هذه المرة، أن هذا التقاطع المصلحي قد يفيد لبنان، إذا ما أحسن الاستفادة منها أو سُمح له الاستفادة منها.

الرئيس الفرنسي هو أول شخصية غربية تزور العربية السعودية وتلتقي ولي العهد السعودي، منذ مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في إسطنبول في 2 تشرين الأول 2018. وحسبما نشرت صحف غربية رصينة، فإن الجانب السعودي كان ميالاً ومشجعاً على زيارة الرئيس الفرنسي شخصياً إلى جدة للاجتماع بولي العهد.

والرئيس الفرنسي يبدو طبعاً أنه لا يمانع بلعب هذا الدور، وفي أن يكون هو إلى جانب ولي العهد السعودي، الشخصية الصاعدة والمؤثرة في العربية السعودية والمنطقة، وهو المتأمل بولاية رئاسية ثانية في انتخابات مفصلية ومهمة في فرنسا في نيسان المقبل، حيث أراد من هذه الزيارة إلى الخليج العربي أن يعود إلى بلاده حاملاً حقيبة مليئة بالاتفاقات والعقود، لكي يعوض عن الصفعة التي نالها من كارثة خسارة صفقة الغواصات مع استراليا نتيجة الخيانة التأمرية الأميركية-البريطانية.

نجح ماكرون في الحصول على صفقة طائرات رافال والمروحيات مع الإمارات العربية المتحدة، وكمية لا بأس بها من مليارات الدولارات من بيع الأسلحة الضرورية في هذه الأوقات الحساسة أيضاً إلى العربية السعودية، تعويضاً لا بأس به عن ما خسرته فرنسا في استراليا. وبطبيعة الحال لم ينس أن يشكر دولة قطر على دورها في أفغانستان بعد الانسحاب الأميركي.

كما أن نجاح وساطة ماكرون مع السعودية لإعادة التواصل مع لبنان تفيده لأكثر من سبب وسبب. فما يزال موضوع لبنان مؤثراً على الناخب الفرنسي بنسبة معينة، وهو البلد الوحيد "ذو الوجه المسيحي" الصامد والمتبقي في الشرق الأوسط المسلم، الذي لا يزال يحافظ -رغم كل الفشل والتخبط- على وجود مسيحي فاعل وحيوي ورمزي في هذه المنطقة، بعد أن نجا بأعجوبة من انتشار وسيطرة داعش والنصرة.

ولي العهد السعودي استفاد طبعاً من زيارة الرئيس الفرنسي إلى جدة، قبل أن ينطلق في جولة خليجية بدأت في زيارة سلطنة عُمان لتشمل دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى. والرئيس ماكرون توسط لإنقاذ لبنان ومنحه فرصة جديدة، على أمل أن يلعب دوراً في التهدئة والتسويات التي قد تُقترح في المستقبل غير البعيد، حيث يأمل أن يُسمح له بحجز مكان ما وحصة لشركة توتال في التنقيب عن النفط في لبنان والأمكنة الأخرى المتاحة في المنطقة.

والرئيس ميقاتي رئيس الحكومة ورجل الأعمال صاحب الشركات العابرة للقارات والمناطق والاقاليم، استفاد في كونه الشخصية المسلمة التي كانت صلة الوصل مع العربية السعودية معه وعبره وبحضوره، بما تعنيه عودة التواصل مع لبنان بوجوده وعن طريقه، بعد أن كان تعرض في العام 2011 لتجربة صعبة ولضغوط كثيرة وانتقادات متعددة. وبالتالي، فإن ما جرى بوجوده جاء بمثابة رد اعتبار له على انتقادات سبق أن وُجهت له لدوره وموقفه سابقاً.  

شخصيات "مثلث الميم"، أي القادة الثلاثة، استفادوا، كل واحد على طريقته ومقداره من الذي جرى. وسعى كل واحد منهم لاستفادته الشخصية والمصلحية بقدر الإمكان.

السؤال الملح من الآن وصاعداً كيف ستكون انعكاسات مرحلة تلاقي "مثلث الميم" على لبنان؟ وماذا ستنتج هذه المرحلة وكيف ستكون الانعكاسات؟ هل سيستفيد لبنان من كل ما جرى وينجح بتطبيق بضعة خطوات شكلية، من ما تضمنه بيان جدة؟ أم سيعود إلى تكرار مسار الخيبة والفشل؟

الجواب لن يكون بعيداً بالتأكيد!