باسيل يدمّر مكتب لبنان السياحي بباريس.. بصفقة مليوني يورو

وليد حسين
الخميس   2020/05/28
إغلاق مكتب رسمي بميزانية 340 ألف يورو لصالح شركة خاصة بكلفة مليوني يورو (الأرشيف، دالاتي ونهرا)
الدولة اللبنانية لا تدفع إيجار مكتب السياحة في باريس، ولا تدفع الضرائب للدولة الفرنسية. مبلغ "زهيد" لا يتخطى الـ250 ألف يورو، قررت الدولة عدم دفعها، ما جعل الموظفَين اللذين يعملان في المكتب بلا راتب لنحو سنتين، وعرّض سمعة الدولة للمهانة. فهي ذهبت إلى باريس للاقتراض من مؤتمر سيدر، في الوقت الذي تواجه فيه شكاوى في المحاكم الباريسية، لأنها لم تدفع إيجار المكتب.

فتش عن باسيل
وهذا كله لأن وزير السياحة السابق أفديس كيدانيان قرر إغلاق المكتب التابع للدولة، لصالح شركة سياحية خاصة لصاحبها نديم جورج فريحة، المقرب من رئيس التيار الوطني الحر، جبران باسيل.

المكتب السياحي، القائم في شارع سانت هونوريه قرب القصر الجمهوري في باريس، مضى خمسون عاماً على تأسيسه في العاصمة الفرنسية، للترويج للسياحة في لبنان. لكن موظفي المكتب لا تصلهم رواتبهم الشهرية منذ نحو سنة ونصف السنة. وتوقفت الدولة عن دفع إيجار المكتب، الذي يعتبر زهيداً قياساً بموقعه ومساحته التي تصل إلى نحو 160 متراً مربعاً. فالإيجار لا يتخطى 12 ألف يورو شهرياً، في ذاك الشارع الفخم في العاصمة، لأنه إيجار قديم.

كلفة زهيدة
ووفق معلومات "المدن"، لا تتخطى ميزانية المكتب السنوية 380 ألف يورو، بين إيجاره ورواتب موظفيه ومصاريف تشغيله. علماً أنه كان يروج للسياحة في لبنان، ويقيم معرضاً سنوياً يستضيف عاملين في القطاع السياحي ومروجي السياحة. المعرض يمتد لأربعة أيام بكلفة لا تتعدى 100 ألف يورو، وينظم رحلة سنوية للصحافيين الفرنسيين العاملين في أهم المجلات السياحية للكتابة عن السياحة في لبنان وعن مطاعمه وفنادقه، وعن السياحة الثقافية والريفية، بميزانية لا تتخطى 30 ألف يورو. وغيرها من الفعاليات الترويجية... أي أنها ميزانية سنوية كلية لا تتخطى 750 ألف يورو، من ضمنها فعاليات الترويج الكثيرة.

وهذه كلفة لا تقارن بالمكتب السياحي لتونس في باريس، الذي ينظم حملات إعلامية للترويج السياحي في فرنسا بنحو مليوني يورو سنوياً. ولا تقارن بـ 400 ألف دولار يدفعها لبنان لتنظيم المعرض السياحي السنوي في لندن لمدة أربعة أيام، كما قالت المصادر. علماً أن أعداد السياح الفرنسيي إلى لبنان حصتهم كبيرة بين السياح الأوروبيين. 

رغم تراجع السياحة
مر لبنان خلال السنوات العشرين المنصرمة بأزمات، فأثرت أحداث عالمية ومحلية على السياحة فيه والسفر إليه: من تفجير برجي التجارة العالمية (2001)، إلى الحرب على أفغانستان والعراق (2003)، وحرب تموز (2006) في لبنان، واحتلال قوى الثامن من آذار العاصمة (2008)، وثم الحرب في سوريا (2011 وحتى اليوم)، والتفجيرات التي حصلت في لبنان (منذ العام 2005)، والفراغ الرئاسي والحكومي، وكل المشاكل السياسية التي عانى منها لبنان خلال هذه السنوات.

ورغم ذلك استمر المكتب في عمله، وواظب على تنظيم المعارض والجولات السياحية للصحافيين والترويج للبنان. وتخلل تلك المرحلة فترات تهدئة، نشطت فيها السياحة اللبنانية بين العامين 2008 و2010، ولاحقاً بين 2013 و2016، إذ درج الترويج للسياحة الريفية والداخلية في لبنان.

كيدنيان وباسيل
لكن مع توزير كيدانيان في السياحة، وبذريعة عدم الحاجة لهذا المكتب "المكلف؟!" على ميزانية الدولة، قرر العمل على إقفاله لصالح شركة visit Lebanon الخاصة، المملوكة من نديم فريحة، وخصها بعقود من دون إجراء مناقصة بأكثر من مليوني يورو!! وأوقف مكتب السياحة في باريس عن العمل. وطلب من مجلس الوزراء إغلاقه بذريعة عدم إنتاجيته. ولم يرفع الاعتمادات المالية للمكتب إلى وزارة المالية. وهذا ما جعل المكتب والموظفين من دون أموال مرصودة لهم في الوزارة. والنتيجة توقف رواتب الموظفين لسنة ونصف السنة، وتوقف الدولة عن دفع إيجار المكتب، ما جعله عرضة للملاحقة القضائية حالياً في فرنسا.

لم يوافق مجلس الوزراء على إقفال المكتب، كما طلب كيدانيان حينها، لأن الوزير جبران باسيل طلب تجيير المكتب ليصبح في عهدة وزارة الخارجية. وبالتالي، استمرت الدولة بدفع الإيجار. وتدفع إيجار مكتب الشركة الخاصة التابعة لفريحة أيضاً. إذ لم يكتفِ باسيل بسحق مكتب السياحة لصالح فريحة، بل أراد الاستحواذ عليه لصالح وزارته.

وعندما عين الوزير الحالي "البروفسور" رمزي المشرفية، وزيراً للسياحة، استغرب أن مكتب باريس بلا موازنة. فعمل على حل الإشكالية العالقة، سواء لناحية إقفال المكتب أو لناحية حل أزمة رواتب الموظفين. وأرسل الاعتماد إلى وزارة المالية منذ ثلاثة أسابيع. لكن وزير المالية غازي وزني لم يبتّها لأن خزينة الدولة فارغة، ولا قدرة لها على دفع هذا المبلغ. ولم يبتّ مجلس الوزراء موضوع إغلاق المكتب، لأن وزير الخارجية ناصيف حتي طلب، مثل باسيل، أن يبقى المكتب بعهدة الدولة، ليصار إلى تحويله للوزارة لاستخدامه للترويج الثقافي والاقتصادي للبنان، كما قالت المصادر.

خبصة موروثة
وفي اتصال "المدن" بمستشار وزير السياحة مازن أبو درغم، أكد أن فكرة إغلاق المكتب ومشاكله المالية موروثة عن الوزارة السابقة. وقال إن "وزير السياحة السابق أفديس كيدانيان طلب الأمر من مجلس الوزراء، وجرى نقاش الموضوع. لكن وزير الخارجية جبران باسيل استمهل إغلاقه وطلب ضمه إلى وزارته كي يستخدم من قبلها. والوزارة السابقة لم تدفع رواتب الموظفين ولا إيجار المكتب، ما حمل الدولة الفرنسية على رفع شكوى ضد الدولة اللبنانية لتخلفها عن دفع الإيجار لأصحاب العقار".

وأضاف: "هذه الخبصة ورثناها من الإهمال الذي كان في وزارة السياحة في عهد كيدانيان". فقد "وقّع في عهده عقد مع شركة visit Lebanon بقيمته مليون و500 ألف دولار لسنة 2018، وبقيمة مليونين و250 ألف يورو للعام 2019، ومن ضمنها تدفع وزارة السياحة إيجار مكتب الشركة الخاصة 17 الف يورو شهرياً في باريس، بينما إيجار المكتب التابع للدولة هو 12 ألف يورو. وسألنا المجلس لماذا تدفعون إيجار مكتب للشركة الخاصة، طالما أن مكتب السياحة موجود وتتكلفون عليه؟" واستطرد مجيباً: "لا أريد أن أدخل بخلفيات هذا الموضوع. المهم أن المكتب ألغي، وطلب إقفاله، ووصل إلى مجلس الوزراء ولكن لم يبت الموضوع".

وتابع أبو درغم: "في تلك المرحلة كانت الدولة تدفع لجورج فريحة إيجار مكتب. لذا أهمل مكتب السياحة التابع للدولة، التي صارت تعمل مع مكتب فريحة، ولم يعد لمدير المكتب سيرج عقل والموظفة التي تساعده أي عمل".

فقر وهدر
وأوضح: "عندما تسلم الوزير المشرفية الوزارة، قرر إيقاف الهدر. وعندما رأى أن كيدانيان ألغى اعتماد مكتب فريحة للعام 2019، على اعتبار عن الوضع الاقتصادي لا يسمح، لم يحول اعتمادات مالية كي يدفع رواتب الموظفين وإيجار مكتب السياحة. لذا رفع كتاباً إلى وزير المالية غازي وزني لدفع مستحقات الموظفين عن سنة 2019 وما سبقها. فحقوق الموظفين محفوظة من ناحية وزارة السياحة، خصوصاً أن الوضع المادي للموظفة والمدير عقل مزرٍ، وليس لديهما أي مدخول آخر يستندان إليه، فضلاً عن أن وزوجة عقل تعاني من مرض السرطان".

وأضاف: "حقيقة الأمر أننا نصرف وقتاً ونهدر أموالاً من دون الاستفادة منها في هذا المكتب. فها نحن في الشهر السادس من عام 2020، وعلينا عندما نترك المكتب دفع إيجار أربعة أشهر كتعويض. ما يعني أننا سندفع سنة كاملة لاستخدام المكتب. لذا، وحفاظاً على الموظفين، اقترحنا أن نأخذ لهم غرفة في سفارة لبنان في باريس، خصوصاً أن المكتب لا يستخدم للزيارات بل للترويج السياحي. وهكذا نخفف مصاريف لا حاجة لها، خصوصاً أن الدولة لا قدرة لها على صرف أموال كيفما اتفق. وبالتالي نوفر كل قرش، ومن دون إضعاف موقف الدولة والتأثير على الترويج للسياحة".

وتابع: "الوزارة الحالية قدمت طلباً لإغلاق المكتب من جديد، ومجلس الوزراء طلب تبريراً، وأرسلنا لهم كل المبررات الموجبة. لكن الموضوع عاد من جديد كما كان سابقاً. إذ طلب وزير الخارجية الحالي ناصيف حتي استمهال الإغلاق، لأنه ربما سيعاود استخدام المكتب لوزارته. من ناحيتنا قلنا لهم أن المكتب مكلف لميزانية وزارة السياحة. وفي نظرتنا المستقبلية للترويج للسياحة لا حاجة للمكتب، ويمكن الترويج عبر وسائل التواصل الاجتماعي".

وختم بالقول: "المسألة باتت بعهدة مجلس الوزراء. ووزارة السياحة قامت بما عليها، ورفعت توصياتها بإغلاق المكتب، وعلى مجلس الوزراء اتخاذ القرار، إما بإغلاقه أو بضم ميزانيته إلى وزارة الخارجية، طالما أنها تريده لها".