المطالبة الأرثوذوكسية بالمناصب: كضربة سيف في الماء

محمد أبي سمرا
الإثنين   2020/05/11
في القصر الجمهوري طلباً لإنصاف الطائفة (دالاتي ونهرا)

قد يكون عاديأ ومن البديهيات أن يطالب المطران إلياس عودة، مطران بيروت لطائفة الروم الأرثوذوكس، برفع الغبن اللاحق بطائفته في المناصب الإدارية الحكومية اللبنانية.

الطائفة الموقوفة
وقد يكون المطران تصدى لهذه المطالبة اليوم - أي في خضم هذا الطور من التكالب الطائفي اللبناني على تحاصص المناصب وعوائدها، وسط اكتمال الاهتراء والإفلاس - لأسباب كثيرة:

لأن المقدمين والنافذين في الطائفة الأرثوذوكسية موزعين في ولاءاتهم على غرضيات وحزبيات كثيرة. أو لأن بعضهم ملتحق بعصبيات طائفية أخرى في لبنان. أو لأن الطائفة الأرثوذوكسية لم تنجز عصبيتها الطائفية في مسارها اللبناني والإقليمي. وهذا ما أبقاها  حتى اليوم طائفة موقوفة، قلقة في صوغ هوية طائفية - سياسية خاصة بها، وسط تناحر الهويات في المنطقة.

وحال الأرثوذوكس هذه، تخالف حال سواهم من الطوائف أو الطائفيات اللبنانية، التي صنعت كل منها لنفسها هوية أوعصبية تكاد ترقى إلى هوية أمة موهومة أو متخيلة.

طائفتان - أمتان
والمثالان الأنصع لهذه الصناعة في لبنان، هما: مثال الطائفة - الأمة المارونية الأقدم عهداً، والتي بلغت منتهى انحطاطها السياسي والثقافي مع الشّيعة المارونية العونية وعهدها الرئاسي الحالي.

والمثال الثاني الجديد أو المستجد، هو الطائفة - الأمة الشيعية. وهي كانت "قلقة" أو حائرة في مطلع القرن العشرين. لكنها بدأت تتخلى عن قلقها وحيرتها مع إمامها الإيراني - اللبناني موسى الصدر، الذي أنشأ لها، في عشيات الحروب الأهلية في لبنان، ما سماه حركة أو "أمة" المحرومين الشيعية. وفي خضم تلك الحروب كتب الشيعة المحرومون بالدم بدايات ملحمتهم الطائفية. واستكمل حزب الله تلك الملحمة الدموية في "خدمة سيدين": إيران الخمينية وسوريا الأسد، التي حارب الحزب الخميني ولا يزال يحارب لتثبيت أسدها، ولإفراغها من أكثريتها السنّية.

وها هي الملحمة الطائفية الشيعية تكتمل اليوم، لتلبس لبوس شطور أو جيوب من "أمة" شيعيّة إيرانية في لبنان وسوريا والعراق. وفي لبنان يتصدرها، ويتصدر السلطة اللبنانية، حزب الله القائد لـ"الدولة" اللبنانية في طور انحدارها إلى حضيض الاهتراء والإفلاس الكامل.

مطالبة بلا طائل
أما ما يدل على حال الأرثوذوكس اليوم في استمرارهم على قلقهم وحيرتهم الطائفية، وسط المعمعة اللبنانية الراهنة، فهو تداعي شخصياتهم ومقدميهم النافذين إلى الاجتماع، أو الاحتشاد العصبي المحموم، في دار مطرانية بيروت، قبل نحو أسبوع.

فإذا بكل واحد من أولئك المجتمعين المحتشدين، بصفته الأرثوذوكسية، يبيّت تحت أو خلف انتمائه هذا، انتماءً أو ولاءً آخر، أو أكثر: فهناك العوني - الماروني الولاء. وهناك القواتي - الماروني أيضاً. وهناك السوري القومي العتيق، المتخشب والمستمر على تخشبه الجهازي هذا. وهناك من كان شيوعياً، وتاب عن هذه العقيدة العتيقة المتخشبة كذلك. وهناك من كان يماشي أو يستظل الزعامة الحريرية. وهناك من يماشي السيد نبيه بري، ويتلون في عبادته سوريا الأسدية. ومثال هؤلاء المتلوّنين الأسديين ذاك الذي أوكل إليه المجتمعون إذاعة بيانهم الطائفي المتظلم: السيد إيلي الفرزلي، صاحب الصوت الخشن الأجش، والمفترض أنه خبير مفوّه في البيان عن التلون والمراءاة. وأرغى الفرزلي وأزبد وأنذر في مطالبته بحقوق الطائفة المظلومة.

ومن هذه هي حال طائفته، لا بد له من أن يذهب إلى القصر الجمهوري العوني، ليطلب منه إنصاف طائفته. وليتناسى المطران الأرثوذوكسي أن من يطلب منه الإنصاف، هو جنرال الأمة المارونية الغاربة، المتقنّع بالعلمانية وبـ"الإصلاح والتغيير" في حماية مرشد الجمهورية وحزبه القائد.