مأساة طلاب لبنانيين في إيطاليا: العيش بـ6 دولارات أسبوعياً

نادر فوز
الجمعة   2020/03/27
أجّلوا الوجبات أو حذفوا بعضها من يومياتهم وملؤوا أمعاءهم بأرخض المأكولات وأكثر سوءاً (Getty)
كورونا يحاصر اللبنانيين في إيطاليا، مع محاصرته العالم بأسره. الوضع في إيطاليا صعب جداً، فمسّ الفيروس أكثر من 80 ألفاً وقتل عشرة بالمئة منهم. ومع كورونا، كما بات معلوماً، لا دواء ولا سياسة ولا تضرّع ينفع. ومن بين اللبنانيين العالقين في منازلهم، أو حتى غرفهم، في إيطاليا من لم يعد يجد ما يأكله. بعض هذه الحالات المستعصية، مالياً واقتصادياً، تعيش بـ6 دولارات في الأسبوع، 5.5 يورو. أقل من دولار يومياً. انقطعت السبل بهؤلاء، وأغلبهم من الطلبة، الذين خرجوا من بلد الإحباط والانعدام ليقعوا في إجراءات كورونا وويلاته. ممنوع العمل، ممنوع التجوّل، ممنوع العودة إلى لبنان، وممنوع الأكل أيضاً. مسموح فقط الجلوس، مراقبة الساعة، متابعة الأخبار والموت ببطء، إن لم يكن من الفيروس فمن الجوع. وإن ليس من الجوع، فمن القلق.

رز وعجين
يقول أكثر من لبناني موجودين في مناطق إيطالية مختلفة، بين الوسط والجنوب والشمال، إنّ العيش بـ5 يورو ممكن من خلال أكل الباستا الناشفة، الرز، الخبز والزيت. حالة تقّشف تامة، ولا خيار غيرها. انقطعت السبل ببعضهم، وهي حالة موجودة أساساً لدى الطلاب، من مختلف الدول. ليست حصراً على اللبنانيين فقط. حتى أن بعضهم عاش نظام الموت البطيء هذا قبل كورونا. لجأوا إلى الكشك والزعتر وغيرها من مدّخرات المونة التي حملوها معهم من لبنان، أو حملها لهم أصدقاء لهم. قصدوا متاجر التوفير التي لا ينضب زبائنها من المعدومين. وفيها يمكن معاينة قسم "اليورو الواحد"، لشراء خضار أو معلّبات، من أسوأ الخلطات وأكثرها ضرراً على الصحة والنفسية. أجّلوا الوجبات، أو حذفوا بعضها عن جداول يومياتهم المحبِطة.

النملة والصرصار
واقع هؤلاء في زمن الفيروس، وقبله وبعده، إنّ الأكل هو فقط للاستمرار في الحياة. أي حياة؟ الحياة في نمط كورونا وكل ما فيه من ملل ووجع وقلّة حيل. لكن الأكيد أنه ليس في هذه المأكولات من طعم ولا لذة. فقط ما يملأ المعدة، إن ملأ ربعها. وحياة مماثلة لا دخل لها بعبرة النملة والصرصار، أو نظريات القرش الأبيض واليوم الأسود. كل هذه الحكايات باتت بلا مغزى، لا جدوى منها. مرّ عليها كورونا فنسفها، جعلها قصص من الماضي ومآثر اجتماعية وأخلاقية أشبه بخرافات التاريخ. فما يعيشه اللبنانيون في إيطاليا ليس وليدة كورونا فقط، بل نتيجة سياسة حكومية ورسمية اتّخذتها الحكومة اللبنانية منذ أشهر، وجاء الفيروس ليزيد من صعوبتها.

السياسة اللبنانية
ألغت الدولة اللبنانية أربع رحلات كانت مقررة من روما وميلانو إلى بيروت، بين 12 و16 آذار الجاري. كان يفترض بمئات الطلاب اللبنانيين أن يعودوا إلى وطنهم نتيجة الإقفال التام في إيطاليا. انقطعت بهم السبل وحُبسوا في منازلهم. انقطعت عنهم التحويلات المالية من أهاليهم، لأنّ سياسة المصارف تفرض ذلك. ثم انقطعت التحويلات أيضاً عبر شركات التحويل، لأنّ المؤسسات في إيطاليا أقفلت. ومن كان قد وجد منهم وظيفة ليجني مصروفه، خسرها أيضاً بسبب الإقفال. فعلقوا، كل في داره، في همّ مشترك عن لقمة العيش وضمان الاستمرارية.

مصير محتوم
يستعرض طارق الحسن، وهو تلميذ وطبيب لبناني يعيش في منطقة ميلانو إلى اليوم، واقع الأزمة الاقتصادية التي نتجت عن وقف التحويلات المصرفية من لبنان إلى الخارج في شهر كانون الأول الماضي. ويخلص إلى نتيجة واضحة أنّ "لا تحويلات، ولا وظائف، ولا مساعدات". يقول الحسن لـ"المدن" إن "من ليس مجبراً اليوم على العيش بـ6 دولارات في الأسبوع، سيصبح كذلك بعد فترة". ليؤكد أنّ الشكوى ليست من الفقر بل من انقطاع التحويلات المصرفية. فماذا تنتظر الدولة لتعيد تشغيل الحسابات المصرفية إلى الخارج لتنقذ اللبنانيين العالقين بين الموت من الجوع أو من كورونا؟ ما نعرفه أنه تم عقد اجتماع وتخصيص لجنة لذلك، وما على اللبنانيين سوى الصمود.

وقائع ميدانية
ويقول الطالب اللبناني في جنوه، حسين مهدي، "لست أعيش مع العالم لأقول أنّ ثمة لبنانيين يعيشون بـ6 دولارات في الأسبوع، لا أؤكد ذلك ولا أنفيه". لكن الأكيد أنّ "من كان يعمل توقّف عمله، ولم يقبض منذ شهرين"، وبالتالي الوقائع تؤكد أنّ الوضع مزرٍ. وكل مياوم في إيطاليا بات مهدداً بالجوع. ومن يحمل في جيبه 200 يورو، 300 يورو، 500 يورو (إن وُجدت أساساً)، سيفقر بعد أسبوعين أو ثلاثة أو أربعة، بعد شهر. مع الإشارة إلى أنّ بعضاً من اللبنانيين المكابرين "يرفضون الاعتراف بأنّ وضعنا صعب، وأن ثمة من يموت جوعاً، فقط لإنه من العيب قول ذلك". تنضمّ إلى لائحة الممنوعات، فقرة جديدة: ممنوع القول أنّ الجوع يأكلنا، تحت عنوان كرامة أو عزّة نفس. لكن الأكيد أنّ ما يجب قوله أنّ الدولة اللبنانية تحرم الطلاب اللبنانيين في إيطاليا وكل العالم من تحويلات ذويهم لتأمين حاجيات الأكل على الأقل. هذا من جملة الحقوق التي تحرم منها اللبنانيين عموماً. وعدم قول هذه الحقيقة انتقاص من كرامتنا ومن عزّة نفسها، فليس الجوع عيباً إنما التجويع هو العيب.