سلام يمّوت لـ"المدن"(1): الثورة هي الخلاص لهذا البلد

أيمن شروف
السبت   2020/02/22
توقفنا عن الحديث عن الإصلاح، نحن نريد التغيير (مصطفى جمال الدين)

اختار حزب الكتلة الوطنية، بحلته الجديدة، أن يكون على مقربة من المقر القديم للحزب، خيار يُشبه توجه الحزب السياسي اليوم، القرب من التاريخ والتأسيس للمستقبل. الحفاظ على المبادئ الأساسية للحزب توازياً مع إدخال تغييرات تساهم في عصرنته، وتحويله ليكون قريباً من الناس، ومن الشباب على وجه التحديد، هؤلاء الشباب الذين يقودون اليوم المرحلة  التغييرية.

انتخب الحزب امرأة لرئاسته. وهذا أول فعل يُمكن التوقف عنده. سلام يمّوت، المتحدرة من عائلة بيروتية سنية عريقة، ترأس حزباً كان مسيحياً إلى حد كبير. تحوّل لم يعد مستغرباً بعد 17 تشرين. التاريخ الذي كسر كُل محظور، فاستفادت منه "الكتلة" لتقول إنها عادت مع أحلام كبيرة، كانت لتكون مستحيلة لولا هذا التاريخ. وقد تُصبح كذلك إذا تحول هذا التاريخ إلى مجرد ذكرى.

في المقر التراثي، في الجميزة، حركة لا تهدأ، اجتماعات واتصالات وتحضير لبيان، لتحرك، لمؤتمر. تظهر يموت فيها جميعاً. ويظهر عليها مدى حماستها. حماسة لا تغطي تجربتها الفتية جداً في الشأن العام، وفي السياسة تحديداً، فتحاول أن تكسرها سريعاً من خلال "علميّتها"، أو مقاربتها للأشياء بطريقة علمية كما تقول. هذه المنهجية التي قد تنجح كثيراً في رسم سياسات اقتصادية ومالية وغيرها، إلا أنها لا تعني نجاحاً في السياسة اللبنانية. وهذا سيكون محل اختبار، اليوم وفي المقبل من الأيام، التي ستحمل الكثير من التحديات للكتلة كحزب وبوصفها جزءاً من انتفاضة 17 تشرين.

الحديث مع يمّوت يطول، يتميز بالأفكار الواضحة التي تحملها، وبالخطة التي تعمل والكتلة على تنفيذها. هي امراة  طموحة قضت معظم حياتها خارج لبنان، و"شعرت أن الوقت قد حان كي تستثمر خبرتها من أجل وطنها". طموح تحاول تحقيقه في بلد يوشك على الانهيار. لهذا، لا تترك لنفسها أن تذهب بعيداً، تُفرمل اندفاعتها بالواقعية. وهذا يُحسب لها، وللكتلة من بعدها. إذ يظهر جلياً أنهم يعملون ككل، وأنها تحمل فكر المجموعة وليس فقط أفكارها الخاصة.

بالنسبة لها: "لا مكان للمصالحة مع كل السلطة"، لأن الوقت قد حان كي يرحلوا "كلن يعني كلن". هي كغالبية مجموعات الانتفاضة، تحاول أن تفصل بين مطالب الثورة وواقع وجود حزب مسلّح هو سبب، بل أهم مُسبب لما وصل إليه اللبنانيون. هذا الفصل صار يثير شكوك جزء لا يُستهان به من الناس. لكنها، أي يمّوت، ترى أنه "وصلنا إلى طريق مسدود. ولا يمكن أن نكمل فيه بأي شكل من الأشكال، بحجة ائتلافات إقليمية". نفصل أنفسنا عن الائتلافات الإقليمية ونُحيد في الوقت نفسه أهم مسبب في هذه الاصطفافات. هذا تحد ليس فقط أمام الكتلة بل أمام كل المجموعات والأحزاب الموجودة في الشارع، والتي على ما يبدو لا تتفق على أهم شيء، وهو تأطير الثورة. فما دعا إليه النائب أسامة سعد بالأمس، تدعو يموت لعكسه، برأيها "ليس هناك ثورة في العالم لديها إطار واضح"، والتواصل يحصل وجيد إلى الآن.

"المدن" حاورت يموت في مقر الكتلة في الجميزة. حوار بدأ حول الحزب ولم ينته بالانتفاضة.

العلل والفضائل
كيف عاد حزب الكتلة بعد هذا الغياب الطويل عن الساحة السياسية، ولماذا؟
حزب الكتلة، الحزب العريق الذي ساهم في صناعة لبنان المزدهر كما نعرفه قبل الحرب الأهلية، تطلّعه كان دائماً نحو دولة حديثة مدنية، دولة مواطنة. كان له مواقف وطنية مع المقاومة الفلسطينية، ولكن ضد اتفاقية القاهرة. وقد اضطر أن يبتعد عن الساحة مع بداية الحرب الأهلية، لأنه أخذ قراراً تاريخياً بألا يدخل في الحرب. ولهذا، دفع ثمن هذا الأمر في السياسة. لكن مع الوقت، نحن نكتشف أن نظرة الحزب ضرورية ومطلوبة خصوصاً بعد الحرب الأهلية، من أجل إعادة بناء الوطن الذي نطمح إليه، بلد المواطنة اللاطائفية، دولة القانون والسيادة. نحن وضعنا العلل الخمس (الطائفية السياسية، الفساد، الإقطاعية، الزبائنية، التبعية) والفضائل الخمس (المواطنية، النزاهة، الديموقراطية، دولة القانون، السيادة). ورأينا أن كل الأحزاب السياسية لديها علتين أو ثلاثة من هذه العلل. ورأينا أن الحزب كان لديه علة واحدة من هذه العلل وهي الإقطاع السياسي. وهنا نحيي الرفيق كارلوس إده لأن كان له الشجاعة والرؤية بأن الإصلاح يبدأ من الذات. وبدأنا هذه الورشة التي أخذتنا إلى الحقبة الجديدة من حزب الكتلة والتي انتخبوني فيها رئيسة. أي بدأنا ورشة العمل الداخلي لنكون أكثر ديموقراطية، لنزيل كلياً الاقطاع السياسي. وهذا مشوار بدأناه من أجل إعادة الهيكلة نحو حزب ديموقراطي حديث كما يجب أن يكون.

بمرحلة ما، أخذ حزب الكتلة طابعاً مسيحياً نتيجة واقع سياسي معين كان سائداً. واليوم ينقلب بشكل تام، فهل هذا نوع من عصرنة الحزب لكي يتماشى مع المرحلة التي نعيشها؟
صراحة نحن حزب لم نغير مبادئنا، حزب عابر للطوائف منذ تأسيسه. لكن حين كان يعمل في السياسة لم يكن هناك حينها غير المارونية السياسية، إنما نظرته كانت دائماً إلى دولة المواطنة والحداثة. وهنا أذكرك حين انسحب إميل إده من الانتخابات الرئاسية لصالح محمد الجسر. وهو أول حزب طرح اسم مسلم لرئاسة مجلس الوزراء. آفاقنا دائماً كانت للدولة الحديثة، رغم أننا في تلك الفترة كنا وكانت كل الأحزاب أسيرة للمارونية السياسية. واليوم يعود الحزب إلى امتداده الطبيعي. ونحن لم نغيّر مبادئنا لأن السياسة ليست الوصول إلى السلطة بأي ثمن، بل خدمة الناس. ونحن نريد أن نعيد للناس العمل السياسي الأصيل والنبيل. لدينا الرؤية، الخطة، والمبادئ التي لم نحد عنها، وهذا المهم.

كيف تتلقى الناس عودة حزب الكتلة إلى الساحة السياسية؟
رد فعل الناس كان أفضل مما توقعنا. هناك الكثير من الأحزاب والجمعيات والأحداِث على الأرض. لبنان على صغره لديه تقريباً أكبر نسبة جمعيات وأحزاب سياسية في العالم. مع ذلك  رأينا أن الناس تتقبلنا بشكل إيجابي، خصوصاً أننا عدنا بحلة جديدة، ووفق مبادئنا ورؤيتنا الحداثوية. هناك إقبال كبير علينا وخصوصاً من الشباب. هذا أمل يسعدنا ويجعلنا متيقظين، لأن الشباب اليوم يعملون بروحية مختلفة وبعقلية مغايرة. ونريد أن نكون على قدر الثقة التي وضعوها فينا.

ذهنية الناس 
طالما تحدثنا عن الشباب، هل هذا يعني أن نظامكم الداخلي يراعي هذا الجانب؟
هناك إعادة هيكلة جذرية للحزب. فتحنا طريقة مرنة لا مركزية وتشاركية لأخذ القرار، وليس بالضرورة أن تكون أنت منتسباً للحزب كي تكون جزءاً من العمل السياسي الذي نقوم به وتجربه. وهذا ما يغري الشباب ويحمسهم. فهم ينتخبون ممثليهم. وهذا ما جعلناه من صلب هيكلية الحزب.

على الصعيد الميداني، ماذا تفعلون؟
على سبيل المثال، نحن أسبوعياً نخرج من بيروت إلى المناطق، ونتحدث إلى الناس، فهذا ما يهمنا. ونحن نتحدث معهم بشيء مختلف، إذ لا نكتفي بالحديث عن رؤيتنا للبنان الجديد، بل أيضاٍ عن الخطة التي وضعناها لكي نصل إلى هذا الهدف، وما نكتشفه من خلال هذه اللقاءات أننا بحاجة إلى تغيير بذهنية الناس. صحيح السلطة مسؤولة، ولكن الناس أيضاً كانت متمسكة بالزعيم الطائفي، الذي سرقهم ولم يقدم لهم أي شيء. هذه الذهنية التي علينا أن نغيرها. ونحن نتحدث إلى هؤلاء الناس الذين عليهم أن يروا هذه الرؤية للبنان الجديد، لكي تستطيع أن تترك هذا "القرف" الذي هي فيه. الناس هنا لا تعرف أن بإمكاننا أن نبني بلداً من دون طائفية وزبائنية وتبعية للخارج، وهذا ما نعمل على تغييره.

هل تجدون صعوبة في التعامل مع الناس؟
أفضل من توقعاتنا. حين بدأت الثورة رأينا كيف الناس صارت تتحدث مع بعضها البعض. وهنا سأعود إلى الشباب من جديد، لأقول إنهم لا يكترثون للحوار الطائفي الزبائني. 

نهاية السلطة 
إلى أي حد ساعدتكم انتفاضة 17 تشرين؟
لم تساعدنا فقط، بل تساعد البلد. هي الخلاص. الثورة هي الخلاص لهذا البلد. وهنا سأنوّه بمواقف الكتلة منذ سنة، والتي كانت حكومة مستقلة مصغرة. نحن فرحنا حين رأينا أن منحى الثورة يذهب في هذا الاتجاه. نحن كنا سباقين في هذا الأمر وفي نظرتنا لهذا البلد.

مع من تتواصلون اليوم؟
نحن نؤمن بالتواصل مع الجميع. ولا بد من النقاش لتقريب وجهات النظر. نحن حزب لا يؤمن بالسلاح ولا بالقوة ولا بالجزمة والديكتاتورية. لدينا أسس نمشي عليهم، الديموقراطية والحوار. ومن هذا المنطلق، نتواصل مع الجميع، والجميع يتواصل معنا، من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار.

تتواصلون مع الجميع؟
الكل طبعاً، ما عدا أحزاب السلطة الستة الذين حكموا البلد منذ 30 سنة، ونحن لا نغفر لهم.

لكن هل يمنع الموقف السياسي منهم، التواصل معهم؟
لا نريد هذا التواصل، لأنه كما يقول المثل "من يجرب المجرب بيكون عقله مخرب". هذه السلطة انتهت مدتها. برأينا لا يمكن معالجة الوضع بالمقاربة التي كانت موجودة منذ 30 سنة وحتى اليوم. ونحن توقفنا عن الحديث عن الإصلاح، نحن نريد التغيير. هذه السلطة كلها بحاجة للتغيير، تماماً كما تنادي الثورة.

ألا ترين أن مطلب التغيير الكامل بالظروف الحالية هو كلام غير منطقي أو غير قابل للتحقق؟ إلغاء أحزاب موجودة منذ عشرات السنين صعب كثيراً.
ليس مطلوباً أن نلغي أحداً، ولا أحد يستطيع أساساً أن يلغي أحد. اليوم الثورة وضعت على الطاولة لاعباً أساسياً كان نائماً يعاني من "الكوما"، وهو الشعب اللبناني. الآن هذا الشعب بعد 30 سنة بدأ يسائل سلطته. وكيف لهذا الشعب أن يجلس 30 سنة من دون أن يسائل سلطته؟ هذا أيضاً يجب أن نتوقف عنده. لو ساءلها لكان من الممكن أن تتغير قليلاً. لكن الآن، أن نتفاوض مع السلطة فهذا غير مقبول أبداً، ومرفوض كلياً.

وطن أخضر مزدهر
من هو أكثر طرف سياسي مسؤول عما وصلنا إليها؟
"كلّن يعني كلّن". كلهم في الخانة نفسها، نحن كشعب لا يمكن أن نرى غير ذلك. نحن لا نريد أي شيء من نادي أحزاب السلطة المغلق.

أين موقع الكتلة في الثورة؟
الكتلة جزء من هذه الثورة. مطالبها معروفة تتلخص بوطن مزدهر أخضر وعادل، نحن حزب ليبرالي اجتماعي نحقق الوفر والازدهار الاقتصادي، لكي يعاد توزيعه من أجل تأمين العدالة الاجتماعية للجميع. وهذا مبدأ لا يتغير. والأخضر يأتي تعبيراً عن الاستدامة، لأن الرأسمال وحده جشع وعلينا أن نضع له ضوابط.

تركزون على الشق البيئي كثيراً في مقاربتكم؟
طبعاً، والبيئة بكل معنى الكلمة وليست فقط هواء نظيف وماء إلخ، بل إنماء مستدام وبعيد الأمد، المطلوب أن نبني بلداً لمئة سنة للأمام، وليس الاستمرار بسياسة "الترقيع". لا أحد يرى لبنان كبلد كامل وأين موقعه الجيوستراتيجي بالعالم وما يستطيع أن يفعله، نحن في النهاية بلد صغير ضمن منظومة كبيرة، ولديه طاقات كبيرة، شبابية وفكرية. نحن بلد غير مفلس بل منهوب. باستطاعتنا أن نبني بلدنا من دون أن نلجأ إلى الخارج.

تحدثت عن الأزمة المالية، الدولار تعدى حدود الـ 2500 ليرة
هذا متوقع لأن هذه الأزمة لم تبدأ اليوم. منذ عام 2010 ونحن نعلم أن دخول الدولار إلى لبنان يقل شيئاً فشيئاً، ولم نفعل أي شيء سوى الهروب إلى الأمام، وفوائد بـ20 في المئة، ووصلنا إلى عام 2016. امتنعت المصارف اللبنانية عن أن تدين الدولة. فبدأ مصرف لبنان بالهندسات المالية، فارتفعت الفوائد أكثر، وتم جني مليارات الدولارات على حساب مصلحة لبنان ومستقبل أولادنا. اللبناني يولد مديوناً بمئات الألوف من الدولارات.
(يتبع غداً، جزء ثانٍ وأخير)