الصحافة الإسرائيلية والأميركية: لبنان يتجه بسرعة نحو الفشل

سامي خليفة
الأربعاء   2020/02/19
يقترح موقع أميركي أن يضع المانحون يدهم على المرافق الأساسية للدولة (Getty)

لا تزال الرؤية ضبابية في لبنان حول التعامل مع الاستحقاقات الداهمة، ولا سيما بما يتعلق بتأمين سداد سندات الدين باليوروبوند، بقيمة مليار و200 مليون دولار، التي تستحق في الثامن من آذار المقبل. وحتى الآن لم يصرح أي من المسؤولين عن خطة متكاملة شاملة، لمعرفة ماهية التداعيات والقرارات التي يمكن اتخاذها في كامل الاستحقاقات للعام 2020.

أسوأ من اليونان
دأبت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، منذ العام الماضي، على تغطية الوضع الاقتصادي المتردي في لبنان وتداعياته المحتملة على "الجبهة الشمالية". وبينما ينخر الفساد في عظام الدولة اللبنانية، حذر محللو الصحيفة في أكثر من مناسبة من أن يشهد لبنان مصيراً أسوأ من ما ألفته اليونان.

تشير الصحيفة في آخر تحليلاتها، إلى أن القرار بشأن مصير سندات اليوروبوند، لا يمكن أن يتم من دون وضع خطة اقتصادية وتنفيذها. وبرأيها، تبدو الطموحات مفرطة في ضوء الواقع السياسي للبنان.

الطبقة الوسطى
أعلنت حكومة حسان دياب في بيانها الوزاري، خطة لخفض أسعار الفائدة على القروض والإصلاح الهيكلي في النظام المصرفي والمصرف المركزي. كما تعهدت الحرب على الفساد ومقاضاة الجناة الذين يقومون بنقل الأموال من لبنان بطريقة غير مشروعة، وتحسين تغذية الكهرباء، وإعادة الأموال التي سُرقت من الدولة، خلال عام. لكن في هذه المرحلة، تبدو هذه النوايا، حسب "هآرتس"، أشبه بالشعارات الجريئة التي أُطلقت بهدف الاحتفاء وحسب بتشكيل الحكومة، وتشتيت الجمهور.

ستواجه قدرة حكومة دياب على تحقيق هذه الوعود اختباراً صارماً من قبل المؤسسات الدولية، بما في ذلك صندوق النقد الدولي والدول المانحة، التي جمدت مساعدات للبنان بقيمة 11 مليار دولار. وبعدما ألزم رئيس الحكومة نفسه باتخاذ تدابير تمنع توجيه ضربة قاتلة لأفقر الطبقات، ترى الصحيفة الإسرائيلية أنه لا بد من مراقبة رد فعل الطبقة الوسطى، التي تتحمل الضرائب المرتفعة، ومهمة الحفاظ على أداء الاقتصاد اللبناني، بعد إجبار مئات المصانع الصغيرة والمطاعم ووكالات السفر وموردي الخدمات على الإقفال.

الموقف الدولي
حتى إذا أثبتت الحكومة اللبنانية قدرتها على تنفيذ الخطة الاقتصادية بشكل مدهش، فإن على الدول المانحة والمؤسسات المالية، حسب الصحيفة، أن تقرر ما إذا كانت تنوي التعاون مع حكومة تضم مقربين من حزب الله. إذ لا يمكن لمصطلح "وزراء تكنوقراط" إخفاء حقيقة أن الحزب وقف وراء ترشيح العديد من الأسماء للمقاعد الوزارية.

أما الانهيار الاقتصادي الشامل للبنان، فتجد فيه الصحيفة أنه قد يؤدي إلى تعميق نفوذ إيران وتعزيز قوة حزب الله، الذي لا تعتمد عملياته العسكرية على تمويل الدولة. وتكشف في الوقت عينه أن دول الاتحاد الأوروبي مستعدة لتجاهل هذه الصعوبة جزئياً، بينما ستواصل الحكومة الأميركية إرسال المساعدات العسكرية التي تلتزم بها.

حافلة من دون فرامل
وعن الصعوبات الاقتصادية التي يمر بها لبنان وأزمة الثقة التي خلقتها الطبقة السياسية مع الشعب والمجتمع الدولي، أشار موقع "ذا هيل" الأميركي، أن لبنان يشبه اليوم حافلة من دون فرامل، يقودها سائقها باتجاه جدار من الطوب. ومع ذلك، فإن الركاب في هذه الحافلة، أي الشعب اللبناني، لا يجلسون مكتوفي الأيدي، فهم انتفضوا ضد أولئك الذين قادوا بلدهم نحو الانهيار.

في 17 تشرين الأول 2019، خرج مئات الآلاف من اللبنانيين من كل المناطق، إلى الشوارع للاحتجاج سلمياً، وأعلنوا عن اشمئزازهم من فساد الطبقة السياسية وعجزها. وكانت الاستجابة المتوقعة من الطبقة السياسية هي محاولة لإشعال الطائفية، باءت بالفشل، ما يدل على أن الشعب موحد بالفعل ضد النظام الفاسد.

دولة فاشلة
إن أكثر ما يبعث على القلق، كما يحلل الموقع الأميركي، هو تسارع الانهيار المالي في بيروت، حيث يعاني القطاع الخاص في لبنان اليوم من فوضى تامة مع حقيقة أن 70 في المئة من الموظفين يجدون أنفسهم بنصف راتب أو مُجبرين على التوقف عن العمل. وما يزيد الطين بلة، احتمال عدم قدرة القطاع العام على دفع رواتبه، وازياد ساعات تقنين الكهرباء، وتقصير الدولة في سداد سندات اليوروبوند وسندات الخزينة. ما يعني أن لبنان يتجه بسرعة ليصبح دولة فاشلة.

في مثل هذا المنعطف الحرج، يشير الموقع إلى ضرورة أن يكون هناك تغيير سلوكي جذري وإصلاحات هيكلية، حتى ينشأ لبنان جديد. معتبراً أنه من المهم بالنسبة للولايات المتحدة وأوروبا والعالم العربي منع لبنان من الانضمام إلى قائمة الدول الفاشلة المتزايدة. إذ إن مثل هذه الكارثة ستؤدي على الفور إلى نزوح آخر مجتمع مسيحي رئيسي في الشرق الأوسط، إضافةً إلى مواجهة أوروبا موجات اللاجئين من حوض شرق البحر الأبيض المتوسط والتي ستنتج عواقب لا توصف.

حلول ممكنة
لتغيير الواقع الحالي وانتشال لبنان من محنته، يرى الموقع أن هناك حاجة إلى سلسلة من الدفعات المالية المشروطة بالتغيير السلوكي، والذي يسفر عن نتائج ملموسة. وبذلك يمكن في مقابل التدفق النقدي المحدود الأول، نقل قطاع الاتصالات بأكمله إلى سيطرة الجهات المانحة لفترة محددة. أما الدفعة الثانية فستتم في مقابل سيطرة المانحين على مرفأ بيروت وسكة الحديد لفترة محددة أيضاً.

ويقترح الموقع أن تتم الدفعة الثالثة مع إدارة المانحين لمطار بيروت، ومطار القليعات في الشمال، ومطار رياق في وادي البقاع. وبالنسبة للدفعة الرابعة فتتضمن سيطرة الجهات المانحة على قطاع توليد الكهرباء وتوزيعها في البلاد.

سيتعين على المانحين، وفق الموقع، إنشاء أكثر من شركة واحدة في كل قطاع لضمان التنافسية وجودة الخدمة. خصوصاً أنه لا يزال لدى لبنان الكثير من الأصول والشركات التي يمكن أن تخضع لشبه خصخصة بهدف تأمين التدفق النقدي وتحسين الإنتاجية.

ويضيف الموقع أن كل ذلك يجب أن يترافق مع وجود قضاء مستقل، وتعديل واجبات وصلاحيات المناصب القيادية العليا لتعزيز الكفاءة، والتحرك نحو دولة فدرالية لا مركزية، واعتماد الحياد المسلح، وأخيراً وضع قانون انتخابي جديد لجمعية تشريعية ثنائية المجلس تضم مجلساً يمثل الجماعات الدينية، وبرلماناً يمثل المحافظات.