الحرب الالكترونية:سلاح إسرائيل لتعطيل صواريخ حزب الله

سامي خليفة
الأحد   2020/10/18
التعاون الأمني والإلكتروني بين الولايات المتحدة وإسرائيل وثيق للغاية (الإنترنت)

أبدت بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية، في الآونة الأخيرة، اهتماماً بارزاً بكتابٍ قيد الإنجاز، قد يتصدر المبيعات في الدولة العبرية عند نشره العام المقبل، من تأليف وإعداد شاك فريليش، المستشار السابق لنائب جهاز الأمن القومي الإسرائيلي، وإشراف الباحث غابي سيبوني، الذي كان يحمل رتبة عميد احتياط في الجيش الإسرائيلي، إضافةً إلى البروفيسور ماثيو كوهين. ويتناول الكتاب مستقبل الحرب السيبرانية مع إيران وحزب الله، وزيادة التعاون السيبراني مع الولايات المتحدة، إلى جانب كيفية التعامل مع التحديات الإلكترونية من القوى الكبرى، مثل روسيا والصين.

اهتمام أمني بالكتاب
يتزامن الحديث عن كتاب فريليش وترويج الأوساط الأمنية له، مع سلسلة هجماتٍ إلكترونية نفذتها إسرائيل ضد إيران، كان أبرزها في التاسع من أيار المنصرم، حين طال الهجوم أنظمة الكمبيوتر في ميناء "رجائي"، الواقع في مضيق استراتيجي إيراني، وأدى إلى اختناقات مرورية في عمليات الشحن والتسليم، وتسبب في تأخير بعض الشحنات. كما اعتُبر الهجوم بمثابة رسالة إسرائيلية إلى طهران مفادها الآتي: "حذارِ استهداف البنى التحتية الإسرائيلية".

ويأتي هذا الاهتمام بالكتاب، بعد نشر فريليش عام 2018 كتاب بعنوان "الأمن القومي الإسرائيلي: استراتيجية جديدة لعصر التغيير"، حظي بتنويهٍ كبير كونه يتضمن الدراسة الأكثر شمولاً للأمن القومي الإسرائيلي. فهو يجمع بين تحليل شامل للتحديات العسكرية والدبلوماسية والديموغرافية والمجتمعية التي تواجهها إسرائيل، مع الردود التي طورتها، لتقديم اقتراح مفصل لاستراتيجية جديدة شاملة للأمن القومي، وهذا ما يُعد أول اقتراح من نوعه يُنشر بشأن إسرائيل.

وقد حصلت صحيفة "جيروزاليم بوست" حصرياً على مسودة كتاب فريليش عن الأمن السيبراني والأمن القومي (لم يُفصح عن عنوان الكتاب حتى تاريخه)، والمتوقع أن يصدر بحلول منتصف عام 2021، وأجرت معه مقابلة بشأن القضايا الرئيسية. ونذكر هنا أن الفضاء الإلكتروني تحول منذ سنواتٍ إلى ميدان قتال بين دول وجهات تعادي بعضها البعض. ولذلك أنشأت إسرائيل "هيئة السايبر الوطنية" في عام 2012، والتي تعمل تحت إشراف مكتب رئيس الحكومة، الذي يدير الأجهزة الأمنية الحساسة مثل جهازيّ الشاباك والموساد.

الضربة الأولى
في مقدمة كتابه، يذكر المستشار السابق لنائب جهاز الأمن القومي الإسرائيلي ما يلي "على عكس الأسلحة النووية وبعض الأسلحة الأخرى، الأسلحة الإلكترونية هي أدوات للقوة القسرية يمكن استخدامها في الضربة الأولى. كما يمكن استخدامها لإجبار دولة، مثل إيران، على إدراك أن لا خيار أمامها سوى التنازل، أو وقف العمليات الهجومية الكبرى".

يضيف فريليش في حديثه مع الصحيفة، إن فكرة استخدام الهجوم الإلكتروني لإجبار العدو على وقف إطلاق النار جاءت من استخدام "الإرهاب كنموذج"، تماماً كما استخدمت إسرائيل الضربات الجوية لإقناع حماس أو حزب الله بوقف إطلاق الصواريخ ضد إسرائيل. موضحاً أن تل أبيب بحاجة إلى أن تكون نشطة في المجال السيبراني هجومياً ودفاعياً على حد سواء حتى في أوقات السلم.

تعطيل شبكات القيادة والسيطرة
يقدم فريليش لمسؤولي الدفاع في الدولة العبرية إرشادات أكثر تفصيلاً بشأن الهجمات الإلكترونية، التي تتضمن استخدام التفوق الإلكتروني لشل قدرات الأعداء وإحباط أو على الأقل تقليل حجم الصراع السيبراني. ومن وجهة نظره، سيسعى حزب الله في زمن الحرب الفعلي، إلى التفوق السيبراني، لكنه سيبقى معتمداً على قدراته العسكرية التقليدية كوسيلة أساسية لمحاولة إلحاق الهزيمة بإسرائيل.

يجب أن تركز أهداف الحرب الإلكترونية بشكلٍ خاص على تعطيل شبكات القيادة والسيطرة التابعة للحزب وبنيته التحتية العسكرية وأنظمة الأسلحة الرئيسية. وإضافةً إلى ما تقدم، وفيما يتعلق بإيران على وجه التحديد، يجب استخدام الفضاء السيبراني لضرب الصواريخ والطائرات من دون طيار والقدرات النووية. بينما على الجانب المقابل مع حزب الله وحماس، سيكون التركيز على اختراق قدراتهما في إطلاق الصواريخ.

ويتابع فريليش شارحاً أن إسرائيل ستحتاج إلى استخدام القدرات الإلكترونية، في سيناريوهات شديدة ومتطرفة، لإحداث اضطراب منهجي في البنية التحتية الاقتصادية لعدوها ومجتمعه ككل. سينطبق هذا الأمر على إيران وحزب الله، لكنه أقل قابلية للتطبيق على حماس، نظراً لأن البنية التحتية في غزة تعتريها الفوضى لدرجة أن المزيد من التعطيل الكبير قد يؤدي إلى نتائج عكسية.

الضغط السيبراني لوقف إطلاق النار
عند الحديث عن الهجوم الإلكتروني والبنية التحتية الإيرانية الحيوية، لا بد من الإشارة أن فريليش نقل سابقاً توصيات أكثر تحديداً للمعنيين في تل أبيب، بما في ذلك ضرب المجالات المالية والطاقة (ضرب قدرة إيران على توليد الطاقة للاستخدام المحلي وتكرير وتصدير النفط). والبنية التحتية للنفط والموانئ، وهي المصدر الرئيسي للدخل القومي الإيراني.

أما فيما يتعلق بالهجمات الإلكترونية على البنية التحتية لحزب الله، فيرى فريليش أن الصورة معقدة. لقد لاحظ العديد من المراقبين أن الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية التي سببتها الضربات الجوية للجيش الإسرائيلي خلال حرب تموز عام 2006، قد ردعت حزب الله بشكلٍ كبير عن إشعال حربٍ جديدة. في الوقت نفسه، كان يُنظر إلى هذه الحرب على أنها طويلة، واضطرت إسرائيل بعد 33 يوماً إلى التوقف عن توجيه ضربات جوية بسبب الانتقادات العالمية.

أدت الطبيعة المطولة لحرب تموز إلى إمطار الجبهة الداخلية الإسرائيلية بآلاف الصواريخ، ما تسبب في وقوع خسائر كبيرة في صفوف المدنيين. ولتجنب هذا السيناريو مجدداً، يقترح فريليش على المؤسسات الأمنية الإسرائيلية، استخدام الهجمات الإلكترونية ضد حزب الله والبنية التحتية اللبنانية المرتبطة به، ما يمكن أن يعطل صواريخ الحزب ويزيد الضغط بسرعة من أجل وقف إطلاق النار، ويجنب الدولة العبرية مشاهد الحرب المروعة ورد الفعل العالمي الذي يمكن أن تسببه الضربات الجوية على البنية التحتية الحيوية، ناهيك عن توفير مساحةٍ معقولة للإنكار.

شل قدرة التواصل مع الجمهور
يذهب فريليش في توصياته أبعد من ذلك، ويقترح تعطيل قدرة إيران وحزب الله وحماس على التواصل مع الجمهور (عبر الإنترنت والتلفزيون والراديو)، لإثارة الفوضى والفتنة، الأمر الذي قد يشكل بالنسبة لإيران تهديداً لاستقرار النظام.

لكن الهجوم ليس الأداة الوحيدة التي يكتب عنها فريليش فيما يتعلق بالأمن السيبراني الوطني. إذ يشير أن إسرائيل يمكنها، بالتوازي، متابعة تفاهمات غير رسمية مع أعدائها بما يتعلق "بقواعد اللعبة "، أو القيود أحادية الجانب على الهجمات الإلكترونية.

يمكن توسيع نطاق هذه التفاهمات في وقت السلم لتشمل أهدافاً حساسة مثل المستشفيات وأنظمة البنية التحتية الحيوية. ووفق فريليش، سيكون لهذه التفاهمات غير الرسمية فرصة أفضل للتأثير من محاولات حمل أعداء الإسرائيليين للتوقيع على الاتفاقيات السيبرانية.

التعاون الأميركي-الإسرائيلي
يشمل الكتاب أيضاً حيزاً كبيراً لمناقشة كيفية توسيع التعاون السيبراني بين الولايات المتحدة وإسرائيل. معتبراً التعاون الأمني والإلكتروني بين الولايات المتحدة وإسرائيل وثيقاً للغاية. ومنتقداً إسرائيل في الوقت عينه لأنها لا تزال من بعض النواحي في الدرجة الثانية عندما يتعلق الأمر بالمشاركة التلقائية لبيانات وقدرات استخبارية وبيانات إلكترونية معينة.

أحد السبل المحددة التي يعتقد فريليش أن إسرائيل قد تكون قادرة على تحقيق مستوى أعلى من التعاون السيبراني فيها، هو السعي وراء صفقات إلكترونية متعلقة بالأمن على مستوى الدولة. وبالاعتماد على التقارير الأجنبية عن التعاون الأميركي-الإسرائيلي لضرب برنامج إيران النووي بين عاميّ 2009-2010 بواسطة فيروس "ستوكس نت"، كتب أنه يجب على إسرائيل والولايات المتحدة توسيع التعاون العملياتي ضد الأعداء المشتركين، مثل إيران وحزب الله.

ومن وجهة نظر المسؤول الإسرائيلي السابق، يجب على الولايات المتحدة وإسرائيل التعاون في أمورٍ مماثلة في المستقبل المنظور، لا سيما أننا نعيش في عصرٍ تتردد فيه الولايات المتحدة بشكلٍ متزايد في نشر القوات العسكرية واستخدام الوسائل الحركية في المنطقة. 

تحديات الأمن القومي
يتناول الكتاب أيضاً تأمين القدرة لتسديد ضربةٍ إلكترونية ثانية في حال نجاح أعداء إسرائيل بتنفيذ هجوم مفاجئ واسع النطاق ضدها، إضافةً إلى تقديم المشورة حول ما يمكن فعله لتأمين الكابلين البحريين اللذين يربطان الإنترنت في إسرائيل بالعالم الخارجي.

ودون استخلاص استنتاجات، يثير مسألة إذا كان بإمكان الولايات المتحدة الرد إلكترونياً نيابةً عن إسرائيل، على غرار بعض التزامات الضربات النووية المضادة بين الدول، إذا ما قرر أحد أعداء الدولة العبرية الشروع في هجوم إلكتروني كبير يستهدفها.

وبخصوص التعامل مع روسيا أو الصين، يؤكد المسؤول الإسرائيلي السابق أن التعامل معهما بشكلٍ عدواني هو قضية خاسرة. مضيفاً "لا يمكننا القيام بذلك.. لا تضحوا بعلاقتنا معهما باتخاذ أي مغامرة".

أخيراً وَلَيسَ آخِراً، يُظهر الكتاب، حسب "جيروزاليم بوست"، أن فريليش هو واحدٌ من عددٍ قليل من المفكرين المنتظمين حقاً، عندما يتعلق الأمر بعدد كبير من تحديات الأمن القومي التي تواجهها إسرائيل.