حسان دياب "طلب العلى وسهر الليالي"

محمد أبي سمرا
الخميس   2020/01/23
كأنه استلّ ما قرأه من كتاب "رائد الإنشاء العربية" (المدن)

وأنا أسمع حسان دياب يتلو كلمته المكتوبة في قصر بعبدا الرئاسي، بعد إعلان تشكيل الحكومة الجديدة مساء الثلاثاء 21 كانون الثاني الجاري، تولّد لديّ انطباع بأن الرجل استلّ ما قرأه من كتاب "رائد الإنشاء العربية" الذي كان يتداوله ويطالعه تلامذة الصف الخامس ابتدائي في عشيات تقدمهم إلى امتحانات الشهادة الإبتدائية الرسمية (السرتفيكا) في لبنان الستينات من القرن العشرين.

رائد الإنشاء
أذكر أن ذلك الكتاب كان يورد ما سُئل التلامذة كتابته من موضوعات إنشاء عربية في امتحاناتهم الرسمية، مثل: أكتب رسالة إلى مهاجر تدعوه إلى العودة إلى لبنان. أو، اليوم عيد استقلال لبنان، أكتب مشاعرك في هذه المناسبة. أو، اليوم عيد الأم، وقيل إن الجنة تحت أقدام الأمهات، أكتب مشاعرك نحو الأم. أو، رأيت فقيراً على قارعة الطريق في يوم مثلج، صف مشاعرك نحوه. أو، رأيت عصفوراً يغرد في قفص، صف مشاعرك نحوه. أو، رأيت علم بلادك يرفرف على مدخل مؤسسة رسمية، ما هي المشاعر التي يثيرها الأرز الخالد في أبناء الوطن؟

وكان كتاب "رائد الإنشاء" يجيب على الأسئلة إجابة نموذجية يحفظها التلامذة غيباً، أو "كرجة مي"، ويكتبونها في الامتحان كي ينالون علامات حسنة أو جيدة.

حسان دياب لا يزال يفكر ويتكلم في المناسبات العامة على مثال "رائد الإنشاء" لتلامذة الشهادة الإبتدائية.

والحق أن لبنان الرسمي لا يزال في معظمه يتكلم على هذا المنوال في المناسبات الرسمية والعلنية.

ذلك أن الرسميين في خطبهم وكلماتهم العلنية، تعوّدوا مخاطبة اللبنانيين باعتبارهم تلامذة سرتفيكا، وفي أحسن الأحوال تلامذة بروفيه.

طلبُ العلى وسهرُ الليالي
وهذه عيّنة من الجمل والعبارات والكلمات التي وردت في كلمة دياب إلى اللبنانيين، واستلهمها من "رائده" للسرتفيكا:  فسحة الأمل. اغتيال الأحلام. رجال ونساء، شيب وشباب وأطفال. أطلقوا العنان لحناجرهم. هدّموا جدران السجن الكبير. بصيص الأمل. الأنين الذي سمعناه، وبلغ أعماقنا ليحرّك الألم الدفين. الأزمات العاتية. طلبنا العلى لوطننا، وسهرنا الليالي، نفتش، نستطلع، ندرس، ندقق، ونقارن. كنا نحاور، نقارع، نعاند. مستقبل واعد. رجال أنهكتهم التجارب المريرة ويريدون لبنان بحنين الماضي البعيد الذي يحمي مستقبل الأبناء. التكاتف الوطني. الوقت هو وقت العمل.

وكان على دياب أن يعرِّج في كلمته على: الأمهات الثكالى. الأسمال البالية. الوطن التليد. الأرز الأشم. نصاعة الثلج التي تهِّج الأشجان. السواقي الرقطاء. السماء الصافية كعين الديك. الحرية الوارفة. شمس صنين. وطن الحرف والأدمغة. نعيب البوم في الأودية. العيون الدامعة. الأفئدة الراعفة بالخير والعطاء...

مُسمِّعُ المحفوظات
وفي كلامه عن انتفاضة 17 تشرين الأول 2019، تحدث دياب كأنه كان في شوارع الانتفاضة وساحاتها، وبين شبانها وشاباتها، طوال الأشهر الثلاثة المنصرمة. لكنه بدل أن يسمع لغتها، كان يحفظ الموضوعات الإنشائية، ليسمِّع ما حفظه إلى رائده جبران باسيل الذي يتفوق عليه بلسانه السريع في الكلام عن لبنانه، معوّضاً عسر لسان عمه الرئيس العسكري في عبادته لبنان القوي، ليس في ضعفه، بل بنعم إيران المبتلية بالولي الفقيه.

وزير يراسل أمه
وعندما كُلِّف دياب تشكيل الحكومة، شاع أنه كان في فتوته من أتباع جمعية المشاريع الخيرية الإسلامية (الأحباش)، أو الشّيعة الإسلامية السُّنّيّة التي أسسها في بيروت الشيخ الهرري الحبشي. وقد يكون جمع فتوته الحبشية إلى دراسته هندسة المعلوماتية والكهربائية في الجامعة الأميركية ببيروت وفي أميركا، فخرج من هذا الجمع "شخص" يناسب ما يلتقي عليه كلٌ من نجيب ميقاتي ونبيه بري وجبران باسيل، ليكون وزيراً لا يصدق أنه وصل إلى هذا المنصب. فراح يمضي وقته كله في وقوفه وجلوسه ولقاءاته واجتماعاته في مكاتب الوزارة، لتُلتَقط له الصور، غابة من الصور كي يتأكد من أنه وزير. ثم راح يراسل والدته المتوفاة قائلاً لها: أريتي؟ لقد صرت وزيراً. ألا صدّقي يا أماه ابنك وفلذة كبدك.

منصب للصور التذكارية
سذاجة الأحباش، تربيتهم المغلقة السادرة، استعمالهم من أجهزة الأمن الأسدية السورية، ومن ثلاثي الأخوة الألداء، ورثة الأسدية في لبنان (حزب الله نبيه بري جبران باسيل)، مضافة إليها علوم الجامعات الأميركية، تناسبان رئاسة حكومة لبنان في هذا الظرف الذي لا يمتلك من منصبه إلا "رائد إنشاء" طفولته، والصور التذكارية بين القصر الحكومي والقصر الجمهوري، بعدما صار كهلاً يبالغ في صباغة شعره الأشيب.