مركز حزب الله الإعلامي مزاراً في الضاحية

محمد أبي سمرا
الأربعاء   2019/08/28
في الباحة أمام البناية تكرر مشهد التصوير نفسه، لكن على شكل قوسي جامع في الهواء الطلق (ريشار سمور)
في الساعة الثانية من نهار أمس الثلاثاء 27 آب الجاري، افتتح حزب الله مركزه الإعلامي المتضرر في أحد شوارع حي معوّض في ضاحية بيروت الجنوبية، مزاراً مقاوِماً. لا يحب حزب المقاومة تأجيل عمل اليوم إلى الغد. لذا سارع إلى تجهيز مركزه الإعلامي - وفن التجهيز، وتصوير أشرطة الفيديو وبثها، وصناعة ديكورات مشهدية إيهامية للحياة اليومية، من أهم فنون الحزب الإعلامية القتالية المتداخلتين تداخلاً لا ينفصم - وجعله معلماً طازجاً للمقاومة المستهدفة من إسرائيل، ولمعاينة آثار عدوانها والتقاط صوره، والتحديق بأم العين في إرادة حزب المقاومة على الصمود والتصدي للعدوان والرد عليه في القريب العاجل.

الجولة البكر
ومن سوى الذين يسمّون أنفسهم "الشخصيات الوطنية" - "المؤلّفة قلوبهم" في حبِّ الحزب إياه، الذي يحتضنهم ويوجِّههم ويصدّرهم مناسباته الخطابية - أجدر بالزيارة التفقدية الأولى البكر والتقاط الصور في هذا المزار الوليد؟

أزيلت الأضرار من واجهة البناية التي يشغل المركز – المزار شقة في طبقتها الثانية. لكن على سفرة الدرج المؤدي إلى الشقة تُركت بقايا زجاج محطم، ليعاينها الزائرون ويتحققوا مادياً من العدوان. في داخل المركز - المزار لا يزال بعض العاملين فيه جالسين أمام شاشات الكمبيوتر يزاولون أعمالهم كالمعتاد. كأنهم تجهيز حي للعمل الإعلامي الذي كان يقوم به المركز. حتى أجهزة التكييف جرى إصلاحها سريعاً لتبّرد الغرف التي جالت فيها أو تفقدتها "الشخصيات الوطنية" التي استقبلها مسؤول حزب الله الإعلامي في المركز، السيد محمد عفيف، الذي برز اسمه على نطاق واسع بعد حادثة الطائرتين المسيرتين ليل السبت - الأحد نهاية الأسبوع الماضي.

وتبدو البناية شبه خالية ومهجورة، وهي من أكثر من 8 طبقات، لكن علامات ولافتات كثيرة تشير إلى أنها لم تكن كذلك قبل الحادثة. والأعلام والرايات المنصوبة في الشارع وفي الشوارع المجاورة، تنبِئ أن منطقة معوض تقع في نطاق نفوذ حركة أمل، ولو شكلياً. لكن الشكل والتجهيز والاستعراضات والصور، أساسية في عمل حزب الله الدعوي، وأحياناً تبدو أساسية في إرساء سيطرته على المكان والبشر، وتحويلهم إكسسوارات في تجهيزه مشاهد حياتهم وتصورهم الذهني (الذهاني) عن أنفسهم ولحمتهم الجماعية.

وحركة أمل هي التي تنصب أعلامها وراياتها في الشياح أيضاً، بدءاً من مستديرة الطيونة وصولاً إلى كنيسة مار مخايل. كأنما حزب الله تخلى، لأسباب غامضة (فهو يحب الغموض والإيهام قدر حبه للتضخيم والتهويل المشهدي) عن حضوره العلني في هذه "المربعات". وقريباً من بناية المركز الإعلامي - المزار نصبت الحركة خيمة بيضاء كبيرة استعداداً للأيام العاشورائية المقبلة بعد أيام.

التجهيز والتصوير
سيارة رانج روفر بيضاء (كالتي يجلس فيها العرسان في مسيرات الزفاف) مجهزة للإرسال التلفزيوني، ومتوقفة على مسافة أمتار من بناية المركز - المزار، في انتظار وصول طلائع "الشخصيات الوطنية" الزائرة. الشاب الملتحي الواقف على سطح السيارة، مبتسماً حذّر من طائرات تحوم في الجو. ومن يفكر في تحذيره الساخر هذا، لا بد من أن يحدس أن سخريته تصيب الطرفين النقيضين. وأمام البناية تنتصب كاميرات تلفزيونية وفوتوغرافية كثيرة... وفجأة  وصلت  طلائع الشخصيات: رانج روفر سوداء ضخمة توقفت ونزل منها شاب بثيابه السود، وعلى خصره مسدس. ثم وصلت السيارات الأخرى، والتقى المترجلون منها وتحلقوا أمام بناية المركز يتصافحون ويتعانقون ويتحادثون.. وسرعان ما بدأت الزيارة التفقدية.

نحو 20 - 25  "شخصية وطنية" تقاطروا إلى مدخل البناية، يريدون استعمال المصعد إلى الطبقة الثانية. أحدهم كان عليه الانتظار للصعود في الدفعة الثانية، فقال فجأة: "قولوا للأمناء العامين أن يحرصوا على تنظيم الزيارة".

في المركز - المزار احتار المنظمون في أية صالة من الشقة يستقبلون الزائرين ويلتقطون الصور. نقّلوهم بين أكثر من صالة وغرفة، حتى استقر الرأي أخيراً على إدخالهم إلى مكتب مسؤول الحزب الإعلامي محمد عفيف الذي وقف في قيافة رجال حزب الله المعتادة، مصافحاً الداخلين الذين اصطفوا إلى جانبه (كأنما لتبادل التبريكات)، والتقطت لهم الصور. ثم جالت "الشخصيات" الزائرة على غرف المركز متفقدةً محتوياتها والأضرار المتروكة على حالها عن قصد، بينما أزيلت تماماً من مواضع أخرى، لأن فن تجهيز المزارات يقتضي ذلك.

وخرجت "الشخصيات الوطنية" تباعاً، وهبطت إلى الباحة أمام البناية، حيث تكرر مشهد التصوير نفسه، لكن على شكل قوسي جامع في الهواء الطلق: السيد عفيف في الوسط، وحوله الزائرون قبالة الكاميرات المنصوبة على مسافة أمتار قليلة.

عون الكبير
لكن من هي هذه الشخصيات؟
فجأة أمسك أحدهم ميكروفون وتقدم الجميع الواقفين قوسياً أمام مدخل البناية، وصرّح: "مَن يعرف العماد ميشال عون، يعلم أن ليس عنده كبير، لا أميركا ولا إسرائيل". ولدى سؤالنا من يكون الرجل الخمسيني هذا، أجابنا أحد الحاضرين أنه أحد مسؤولي التيار العوني، وهو رمزي دسوم. وهنا سألنا مجيبنا عن الشخصيات الأخرى، فسمّى لنا بعضهم: منسق الزيارة الشيخ غازي حنين، علي عبدالله ممثل حركة أمل، مهدي مصطفى من حزب التوحيد العربي (وئام وهاب)، إبراهيم ياسين من التنظيم الشعبي الناصري (أسامة سعد - صيدا)، بارور أرسن من حزب الطاشناق، فيصل الداوود (نائب سابق عن البقاع الغربي)، فادي الأعور (نائب سابق عن الحزب الديمقراطي اللبناني، طلال إرسلان)، قاسم صالح عن الحزب السوري القومي، وطلال الحسامي من جمعية المشاريع.

الغرام بالصور
مغرمون بالحضور والصور في كنف حزب الله، شأن جيل سابق من أمثالهم كانوا يبحثون عن دور في أيام "جبهة القوى والأحزاب الوطنية والتقدمية" بزعامة كمال جنبلاط، في بدايات الحرب الأهلية (1975). كان أمثالهم السابقون في تلك الأيام البعيدة يسمّون أنفسهم "الشخصيات الوطنية" الباحثة عن دور في "الشارع الإسلامي" بعدما امتنع عليهم أن يكونوا من أركان الجبهة تلك وأحزابها. وأحياناً كانوا يُدعون إلى مقر ما سمّي آنذاك "المجلس السياسي المركزي للحركة الوطنية"، لتكثير أتباعه في أوقات التقاط الصور. وغالباً ما كان أولئك المدعوون من بطانة زعيم المقاومة الفلسطينية ياسر عرفات الذي كان يريد بواسطتهم "تفخيخ المجلس السياسي المركزي للحركة الوطنية" بأتباعه المباشرين.

"الشخصيات الوطنية" التي توافدت إلى مركز حزب الله الإعلامي - المزار في معوض ظهيرة الثلاثاء- وأشدهم حماسة وحمية ممثل التيار العوني، الذي بدا غريباً في فتوته وحركته النشطة بين تلك الشخصيات - ينسجون على منوال أمثالهم القدامى. فبدل المقاومة الفلسطينية أولاً، والمخابرات السورية ما بعد 1982، هناك حضن حزب الله الدافئ الذي يحتضنهم ويمنحهم الحضور في المناسبات، ويوزّع عليهم الحظوة التي يحتاجونها لالتقاط الصور والبقاء على قيد... الصور.