حلف اتفاق الطائف بوجه "العهد"

جليل الهاشم
الإثنين   2019/07/08
حذر فرنجيه من ضرب اتفاق الطائف بالممارسة اليومية لفريق رئيس الجمهورية (المدن)

نجح رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي، وليد جنبلاط، في إعادة الاعتبار للسياسة وتوازناتها المحلية. وفرض نفسه من جديد مدافعاً عن كل لبنان في وجه إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، وضد أي محاولة لتحقيق غلبة فريق لبناني على آخر. فريق يستجدي استقواءً من النظام السوري أو من حزب الله.

بمعنى ما، ضرب جنبلاط يده على الطاولة، وقال لا لملء الفراغ بالوزير جبران باسيل، منفرداً، يجول في طول البلاد وعرضها، مستحضراً باستنسابية مقصودة، محطات من التاريخ اللبناني، يستخدمها في كل زيارة بطريقة مشوهة حيناً ومتعمدة أحياناً، لتكريس نفسه زعيماً أوحد على المسيحيين واللبنانيين.

"غضب الأهالي"
قال جنبلاط إن ما صحّ في بشري وزغرتا لا يصحّ في الجبل، لا يمكن للوزير باسيل أن يملي على الحزب الاشتراكي في دير القمر طلب "التوبة"، في حرب لم يكن لباسيل ولتياره يد فيها. فجنبلاط أنجز المصالحة مع المسيحيين، من خلال بطريركهم، وأكملها مع قياداتهم، وتاليا لا لزوم لأن "يدس" باسيل نفسه طرفاً موازياً للجميع وينوب عن الجميع، ليفرض على جنبلاط طلب التوبة والمسامحة.

لا يمكن لباسيل، أن يفتعل قيادات درزية، هي في الأصل ليست من تياره، كالوزير صالح الغريب، المعروف بانتماءاته السياسية الموالية لنظام دمشق، ولا حتى دعم الوزير طلال أرسلان في مواجهة جنبلاط، بطريقة مفتعلة أيضاً، ولا من هم على شاكلة وئام وهاب. علماً أن جنبلاط سلم بنتائج الانتخابات، ولم يسع إلى إلغاء منافسيه من الدروز، بل يحرص دوماً على إبقاء مقعد المير طلال شاغراً، كي لا تأخذ الحماسة مناصريه فيسقطونه في الانتخابات.

أحرج أهالي الجبل، حين قطعوا الطرقات على مواكب باسيل، جميع القيادات السياسية في البلاد، فـ"غضب الأهالي" ليس اختصاصاً جنوبياً في مواجهة قوات الطوارىء الدولية وحسب، بل يمكن أن يطبق في أي منطقة من لبنان، أوليس هذا ما حصل في بشري، حين تجمع أنصار حزب "القوات اللبنانية" غير مرحبين بزيارة باسيل؟

حركة سليمان فرنجيه
غضب أهالي الجبل، أعاد تحريك المياه الراكده في مستنقع السياسة اللبنانية، التي كان باسيل نجمها الأوحد. تحولت اللقاءات السياسية، التي كانت معدة ما قبل أحداث قبر شمون، و تلك التي عقدت على عجل في ضوئها، إلى لقاءات تبحث في خطورة ما تؤول إليه خطابات الوزير باسيل، سواء في مجلس المطارنة الموارنة أو في دارة النائب فريد هيكل الخازن، أو في عين التينة.

في دارة النائب فريد هيكل الخازن، كان رئيس تيار المرده، سليمان فرنجيه، الى مائدة العشاء بحضور عدد من القيادات المسيحية التي تمثل أطياف المسيحيين كافة، من قوات ومستقبل ومستقلين، ودار النقاش حول خطورة أحداث الجبل. وكان تعليق فرنجيه في بداية الأحداث، واصفاً الوزير باسيل، من دون أن يسميه، بـ"الفتنة المتنقلة"، وطالب الوزير يوسف فنيانوس بحضور جلسة مجلس الوزراء، وعدم الموافقة على إحالة الجريمة إلى المجلس العدلي.

وفي الاجتماع الدوري الذي شارك فيه فرنجيه والخازن مع مجلس المطارنة، كان فرنجيه واضحاً في مطالبة البطريرك الراعي وأحبار الكنيسة بضرورة بذل كل الجهود لتحصين المصالحة في الجبل، ووقف خطابات التحريض الفتنوية. وهذا ما انعكس في بيان المجلس، الذي طالب بتحقيق العدالة ووقف الخطابات التي تشعل الغرائز.

فرنجيه نقل إلى المجلس هواجس وطنية ومسيحية، من اختصار المسيحيين بفريق سياسي واحد، لم يحسن إدارة التنوع اللبناني، فسقط في بداية الطريق. واستمرار سقوطه وتعنته سيؤدي إلى ما لا تحمد عقباه، حسب فرنجيه، محذراً من أن أي رئيس لم يحسن إدارة التنوع اللبناني شهدت ولايته انتكاسات مصيرية على الوطن.

كما حذر فرنجيه من ضرب اتفاق الطائف، بالممارسة اليومية السياسية لفريق رئيس الجمهورية، مشيراً إلى أن ما يجري هو "فدرلة الدولة". بمعنى العمل على تخصيص الوظائف المسيحية في الدولة، وتحويلها للوزير باسيل وتياره، وفقا لمشتهى باسيل، وتخصيص الوظائف الشيعية للثنائي الشيعي، والدرزية مناصفة بين جنبلاط وخصومه، والسنية توزع على القيادات السنية التي تتحالف مع التيار العوني، ورئيس الحكومة.

وشدد فرنجيه أمام مجلس المطارنة الموارنة على ضرورة التمسك باتفاق الطائف نصاً وروحاً، لأن أي مساس به سيدفع نحو ما لا تحمد عقباه على المسيحيين، المتناقصين تدريجياً بالهجرة ومحدودية الإنجاب.

بري وتصويب المسار
على المقلب الآخر، كان الرئيس نبيه بري يعمل على معالجة التوتر بين تيار المستقبل والحزب التقدمي الاشتراكي. وكما فرنجيه كذلك الرئيس بري، الذي توجس من محاولات تطويق حليفه الاستراتيجي وليد جنبلاط، تمهيد لضربه. فالكل اعتبر أن دوره سيأتي بعد جنبلاط في حال نجحت المحاولة. فالرئيس بري، زار العراق ومرجعياته الشيعية العربية، (وهذا ما لن يمر من دون مساءلة إيرانية)، علماً أن الوزير باسيل آل على نفسه الاضطلاع بدور رأس حربة لـ"تأديب" الخارجين عن بيت الطاعة، بحجج مسيحية واهية.

حوادث قبر شمون كانت حاضرة بقوة في اللقاء الثلاثي، الذي جمع الرئيسين بري والحريري بجنبلاط. وكان الوقوف في وجه محاولات الالغاء التي يقوم بها باسيل، من الشمال إلى الجبل، محط اهتمام القيادات الثلاث. فكان اتفاق على تصويب المسار السياسي في البلاد، وإعادة التوازن إلى اللعبة السياسية الداخلية، وعزل تأثيراتها الخارجية.

"القوات" واكتمال العقد
حزب القوات اللبنانية، بدوره أعلن تمسكه بمصالحة الجبل، رافضاً أيضاً الخطابات التحريضية. وتالياً، جاء موقفه منسجما مع ما دار في مجلس المطارنة الموارنة، وعين التينة، ودارة النائب فريد هيكل الخازن.

وبذلك استطاع رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط الدفع نحو حلف خماسي غير معلن بينه والرئيسين بري والحريري وحزب القوات اللبنانية وتيار المرده، وعدد من المسيحيين المستقلين، لتأييد مواقفه السياسية، من ضرورة الاحتكام إلى اتفاق الطائف وتطبيقه نصاً وروحاً، وعدم القبول بإخلال التوازنات القائمة حالياً في البلاد.

هكذا، تحولت أحداث قبر شمون إلى قضية ثانوية، يأخذ فيها العدل مجراه، بعيداً عن التوظيفات السياسية التي يسعى المير طلال ارسلان ومعه الوزير صالح الغريب، ومن خلفهما الوزير باسيل، إلى تحويلها قضية سياسية لابتزاز الحزب الاشتراكي.