وزير الدفاع يستعيد معارك "بحنين" بـ 20 ألف دولار

جنى الدهيبي
السبت   2019/06/22
طالت "أوامر التحصيل" كل الذين تم توقيفهم بتهمة الاعتداء على الجيش (المدن)
قبل أيّام، ينشر مواطن لبناني يدعى فراس فاضل، على صفحته بفايسبوك إعلانًا يكتب فيه: "كلية للبيع. السعر مغرٍ وبجديه تامة". أرفقه بمستند "أمر تحصيل" مُوقّع من وزير الدفاع الياس بو صعب، بقيمة  ثلاثين مليون و949 ألف ليرة لبناني، معلقًا بالقول: "أمّا بعد.. اليوم وصلني هذا البلاغ وفيه تغريمي 30,949,000 ليرة. وأنا لا أملك منه 9 آلاف ليرة، فأرجو من الإخوة الكرام وبكل جدية ومن دون أي استهزاء تأمين شخص بحاجه لكلية من فئة دم O+ لأنني والله على ما أقول شهيد، ليس لي علاقة بهذا الموضوع لا من قريب ولا بعيد، ولا أملك المال للتسديد ولا أريد العودة للسجن ظلماً وعدواناً. أخوكم فراس".

هذا الإعلان "الفردي"، جاء على خلفية  بدء وزارة الدفاع إرسال "أوامر تحصيل" للمتهمين بالتورط في معارك بحنين – المنية، التي وقعت في تشرين الأول من العام 2014، إثر اعتداء مجموعة إرهابية مسلحة تابعة للشيخ خالد حبلص، على عناصر من الجيش اللبناني، سقط شهداء من بينهم. و"أمر التحصيل" الذي ننشر نموذجًا منه، علل هذا المبلغ الباهظ الذي يُقدّر بـ 20 ألف دولار أميركي، أنّه "جزء من قيمة المصاريف الطبيّة التي أنفقت على معالجة بعض العسكريين، وبدل تعطيل البعض منهم عن العمل، والتي أنفقت على معالجة بعض المدنيين، وقيمة الأضرار اللاحقة بالعتاد"، وقد ذُيّل بتوقيع شخصي للوزير بو صعب.

صورة عن "أمر تحصيل"



عودة إلى المعركة
في تلك المعركة الأليمة التي عصفت لبنان، والشمال تحديدًا، والتي تزامنت مع معارك الجيش في باب التبانة وجبل محسن، نصبت هذه المجموعة المسلحة كمينًا لباصٍ مدنيّ يقلُّ عسكريين، على طول الأوتوستراد الدولي الذي يربط منطقة المنية بمحافظة عكار، ونفذوا انتشارًا داخل النفق، وكانوا يحاولون خطف العساكر الموجودين داخل الباص بعد توقيفه، لولا التدخل السريع للجيش في المعركة التي راح ضحيتها أربعة شهداء عسكريين من بينهم ضابطين. بعد انتهاء المعركة، نفّذ الجيش عملية مداهمةٍ كبيرة في يومٍ واحد في بحنين وجوارها، وأوقفوا كلّ المتهمين في المعركة أو المشتبه بهم، وكان من بينهم أفراد من عكار وطرابلس، وقد بلغ عددهم نحو 54 موقوفًا، أُطلق عليهم لاحقًا لقب "موقوفي بحنين". فما مشكلة "أمر التحصيل" إذن؟

فور إرسال "أوامر التحصيل"، التي شملت الموقوفين في السجن، ومن أخلوا سبيلهم، رفع محامي الموقوفين الإسلاميين محمد صبلوح صرخته، سائلًا عن شرعية هذه المبالغ التي وصفها بـ "الخيالية وغير الموثقة بفواتير وأدلة، كأنّها محاولة سداد العجز المالي للدولة". فـ"على أيّ أساس تمّ تحديد هذا المبلغ؟ ولماذا لم يصدر عن المحكمة العسكرية التي سبق أن غرمت الموقوفين بمليون و500 ألف ليرة لبنانية؟".

في نهاية تبليغ "أمر تحصيل"، ذُيّل بملاحظةٍ مفادها أنّه يحقّ لصاحب العلاقة الاعتراض أمام المحكمة العدلية الصالحة في محل إقامته، خلال شهرين من تاريخ التبليغ. لكنّه اعتراضٌ غير قابل لوقف التنفيذ، إلّا إذا قررت المحكمة ذلك كليًا أو جزئيًا. وما يعتبره أصحاب التبليغ "ظلمًا موصوفًا" بحقهم، لا سيما من ثبت عدم تورطه في معارك بحنين وغيرها، ولم يصدر أيّ حكم بحقّهم، يقوم بشرحه فراس فاضل لـ"المدن". فاضل البالغ 28 عامًا، وهو من سكان القبّة في طرابلس، تحولت حياته لجحيم، كما يصفها، بعد "توقيفي ظلمًا". في ذلك اليوم الذي قام فيه الجيش بمداهمته الكبيرة، "ضمّ كلّ الذين أوقفهم في ملف واحد، أيّ ملف بحنين، وأنا لا علاقة لي بالمنطقة لا من قريب ولا من بعيد"، يقول: "ومن بين الـ 54 موقوفًا، كان هناك نحو 12 شاباً ليسوا متورطًين بشيء، وأوقفوهم اشتباهًا بهم. مع ذلك، هناك غير متورطين اعترفوا تحت الضغط والضرب في التحقيقات أنهم متورطون، أمّا أنا، ورغم تعرضي للضغط والضرب لم أعترف بشيء، لأنني لم أفعل شيئًا ولم أشارك بأي معركة ضدّ الجيش اللبناني".  

يعتبر فاضل أنّ حتّى توقيفه لمدة ثلاث سنوات كان ظلمًا، لأن لا علاقة له بالمعركة، ولم يتورط بدماء أحد، و"حاليًا قاموا بالاستئناف. ما يعني أنني لم أُحاكم حتّى اليوم". ويسأل: "كيف يفرضون عليّ هذا المبلغ الباهظ الذي لا أملك منه شيئًا من دون أن يصدر حكم بتورطي؟ ومن أين آتي به وأنا لم أجد غير كليتي حتّى أبيعها لأسدده؟".

توقيع بو صعب
من جهته، يعتبر المحامي صبلوح في حديث لـ"المدن" أنّ "أوامر التحصيل" لا تخلوا من أهدافٍ سياسية، "وهي استكمال للهجمة على اتهام طرابلس بالإرهاب، التي بدأت من ليلة عيد الفطر بعد أن نفذ عبدالرحمن مبسوط عمله الإرهابي منفردًا، وهم يدركون أن لا أحد من الموقوفين يملك هذه المبالغ". ويستغرب صبلوح سبب توقيع بوصعب شخصيًا على تبليغات أمر التحصيل، معتبرًا إيّاها سابقةً، لا سيما أنّه في حزيران 2018، صدرت تبليغات مشابهة بحقّ المتهمين بمعارك عبرا، ومن بينهم الشيخ أحمد الأسير، لكنّ أوامر التحصيل كانت موقعة من قِبل مدير القضايا الإدارية والمالية في قيادة الجيش العميد جهاد الحسن. حتّى المبالغ التي طالبوا تحصيلها من موقوفي عبرا، كانت بقيمة 20 مليون و437 ألف ليرة لبنانية لكلّ واحدٍ منهم. ويسأل: "أيّ معركةٍ كانت أكبر؟ بحنين أم عبرا؟ حتّى يُلزموا موقوفي بحنين بمبالغ تتجاوز 30 مليون ليرة؟ ولماذا لم يحكمهم القضاء العسكري بهذه الأضرار؟ ولماذا انتظروا ست سنوات حتّى يُطالبوا بتعويضات عن الأضرار؟ وحسب الإيصالات، عللوا طلب المبالغ كتعويض عن معالجة عساكر وأضرار في العتاد ومعالجة مدنيين. والسؤال: "ما علاقة وزارة الدفاع بمعلاجة المدنيين؟".

من وجهة نظرٍ قانونية، يؤكد المحامي صبلوح أنّ هذه المبالغ الباهظة، التي تفرضها وزارة الدفاع، من دون آليات واضحة ومدروسة تبررها، "هي غير شرعية، وكان يجب أن تصدر عن قضاء مختص يرفقها بالأدلة والفواتير". كذلك، "ثمّة مخالفة قانونية أخرى بارزة، وهي أنّ المطالبة بدفع أمر التحصيل هي مطالبة مدنية، وبالتالي لا يحقّ لهم توقيف المطالبين بدفع هذه المستحقات على الحواجز". ورغم أنهم أعطوا أصحاب التبليغات شهرين للتقدّم بحقّ الاعتراض، لكن، "لدينا مشكلة في الاعتراض نفسه، ومن يعترض في قضاء منطقته يقومون بعرقلته. علاوةً على ذلك، هو اعتراض لا يُوقف التنفيذ".

"الدفاع" تتحفظ
عمليًا، تتمحور الإشكالية تحديدًا حول قانونية "أوامر التحصيل" بحقّ الموقوفين الذين لم تصدر أحكام بحقّهم، وبحقّ من جرى إخلاء سبيلهم ولم يثبت تورطهم بدماء شهداء الجيش والجرحى، وحول آلية  فرض هذه المبالغ. وفي السياق، تواصلت "المدن" مع وزارة الدفاع، واكتفى مصدر مقرب من الوزير بوصعب بالتأكيد على شرعية التبليغات، واعتبرها تعويضات مشروعة وأنّ توقيعها من مهمة الوزير بوصعب حصرًا، ولا مخالفة في ذلك. ويشير المصدر أنّه إذا اقتضت الحاجة سيصدر الوزير بيانًا توضيحيًا.