خلدون الشريف: توافق ميقاتي - الحريري في امتحان حساس

جنى الدهيبي
الإثنين   2019/04/22
كانت القيادات السياسية (السنيّة) في المدينة غارقة بصراعات دائمة متعلقة بطموحات رئاسة الحكومة (الأرشيف)

بعد مرور أسبوعٍ كاملٍ على الانتخابات الفرعية، التي خاضتها مدينة طرابلس في 14 نيسان الماضي، يقرأ المستشار السياسي لرئيس الحكومة الأسبق نجيب ميقاتي، الدكتور خلدون الشريف، نتائج الانتخابات التي آلت لفوز النائبة ديما جمالي، بنسبة اقتراعٍ لم تتجاوز 12.5 في المئة.

هذه الانتخابات، الذي أخذت بُعدًا تجاوز "فرعيّتها"، وجُنّدت فيها قدرات السلطة، واستنفرت لأجلها الأجهزة وأثمرت تحالفًا سياسيًا – سنيًا عريضًا، دعمًا للمرشحة "الزرقاء" التي جاء فوزها أقرب لـ"التزكية"، يتحدث عنها الشريف في حوار مع "المدن" بـ"أريحية طرابلسية" كما يسميها، متخليًا عن كلّ صفاته، متمسكًا بصفته الطرابلسية فقط.

فهذا الصيدلاني الطرابلسي، الذي بدأ العمل السياسي في المدينة قبل 20 عامًا، يُعدُّ واحدًا من أبرز وجوهها السياسية المطلّة على لبنان، من دون أن يحمل صفة نائبٍ أو وزير، منذ أن رافق الرئيس الراحل عمر كرامي لمدة تسع سنوات (من العام 2000 حتّى العام 2009)، قبل أن يُعيّنه الرئيس ميقاتي مستشارًا له أثناء ترأسه الحكومة في العام 2012. وكان الشريف رئيسًا للجنة الحوار اللبناني – الفلسطيني، ثمّ حمل رسميًا صفة "مستشار سياسي" لميقاتي، منذ العام 2014 حتّى الآن.

منطق الضحية
يرفض الشريف التطرق لقضايا طرابلس بمنطق المؤامرة والمظلومية والضحية و"العداء المناطقي"، الذي يعتبره واحدًا من أسباب تقهقرها وضعفها على المستويات كافة، فيما هي المدينة الثانية في لبنان، التي تحتضن 15 في المئة من سكانه: "أنطلق من طرابلس إلى لبنان، ومن لبنان إلى طرابلس، بناءً على قناعتي بأنّ هذه المدينة هي مسؤولية لبنانية وليست مسؤولية طرابلسية وحسب".  

لا يفصل الشريف طرابلس عن لبنان، الذي يعيش وفقه خطرًا غير مسبوق، رغم كلّ المصائب والحروب التي عاشها البلد. "للمرة الأولى، نشعر أنّ هناك سوءًا اقتصاديًا لم يبلغه لبنان قطّ، وأصبح في وضعه الراهن يعيش لحظة تحوّل كبرى، قد تؤول إمّا إلى الانهيار وإمّا إلى لمّ الفتات والشظايا، وهي مسؤولية الطبقة الحاكمة، التي لا بدّ أن تخفف من التهويل على الناس، وأن تبدأ بالمعالجة من دون المساس بلقمة عيش ذوي الدخل المحدود".

يعتبر الشريف أنّ لا عنوان آخر في لبنان، كما في طرابلس، غير "العنوان الاقتصادي"، بعد أن شارف هيكل البلد على الانهيار على أصحابه. "اليوم، دقّت ساعة الحقيقة، لندفع ثمن سوء أداء الطبقة السياسية الحاكمة التي حكمت لبنان منذ ما بعد الحرب". وفي ظلّ التخبط الحالي، وشعارات الإصلاح للحصول على مخصصات مؤتمر سيدر، يعتبر الشريف أنّه لا يوجد جديّة في التعاطي، وقد تجسد في إقرار مجلس النواب خطّة الكهرباء، "متجاوزاً كلّ القوانين المرعيّة الإجراء، ما يعني أننا في المنطق السياسي نفسه الذي يحكم البلد".

التّسرع
لا يستغرب الشريف من تدني نسبة الإقتراع في فرعية طرابلس، لا سيما أنّ النتيجة كانت متوقعة، مع عدم تجاوز نسبة إقبال الناخبين 15 في المئة. وهذا التدني، يربطه الشريف في أربع نقاط:

  • تسرّع رئيس الحكومة سعد الحريري في تسمية جمالي من دون الرجوع إلى القواعد "المستقبلية" قبل غيرها.
  • عدم التشاور مع الحلفاء في تسمية المرشحة قبل لململة الوضع معهم.
  •  لم تسعف ديما جمالي نفسها وتيارها في تسويقها شعبيًا، نتيجة وقوعها بأخطاء متتالية من دون توقف، أثناء حملتها الانتخابية.
  • عدم شرح التوافق السياسي المعقود للناس في المدينة، وبالتالي قدّروا أنّ هذا التوافق عُقد عليهم وليس لأجلهم.

وعليه، "لم تكن آلية اتخاذ القرار سليمة، وقد بدا أنّ معركة ديما جمالي في السياسة انشغلت من رأس الهرم وليس من قاعدته".

الحريري – ميقاتي
يُميّز الشريف توافق الحريري – ميقاتي، عن التحالف السياسي الذي عُقد على عجل قبل الانتخابات الفرعية في طرابلس. ولأنّ التمثيل النيابي بكتلٍ وزانة هو للحريري وميقاتي، "يعني أن التوافق السياسي في العمق هو بينهما حصرًا. ولو شرحا هذا التوافق بتفصيلٍ ووضوح لقواعدهما الشعبية في طرابلس، كانت تعززت أسباب تقبّله".

لكن، ما هي أُسس توافق ميقاتي – الحريري بعد سنوات من المناكفة والخصومة السياسية والانتخابية؟
بعد انتهاء انتخابات أيار 2018، وتكليف الرئيس الحريري تشكيل الحكومة، قام الأخير بزيارات بروتوكولية لرؤساء الحكومة السابقين، وعقد مع ميقاتي في دارته جلسة "مكاشفة ومصارحة". وعلى إثر هذا الاجتماع، حسب الشريف، اتفقا على التعاون، وقال الحريري لميقاتي حينها: "كان يجب أن نعقد هذه جلسة منذ 11 عامًا". وحين شاور الرئيس ميقاتي فريقه في مسألة التوافق مع الحريري، كان للشريف الرأي الآتي: "لقد جرّبت طرابلس المناكفة خلال عقدين ونصف من الزمن، من العام 1992 حتّى العام 2018. وخلال هذه المدّة الزمنية، كانت القيادات السياسية (السنيّة) في المدينة، في حالة صراع دائمٍ مع القيادات الحاكمة في لبنان، لأنّهم أولاد كارٍ واحد، ولديهم الطموحات السياسية نفسها المتعلقة برئاسة الحكومة. الرئيسان الراحلان رفيق الحريري وعمر كرامي، كان كلّ منهما يرمي مسؤولية عدم إنماء طرابلس على الطرف الآخر، ويتهمه بعرقلته. وعندما تولى ميقاتي رئاسة الحكومة في العام 2005 ضمن جوّ بيت الحريري، جاء بعده فؤاد السنيورة رئيسًا للحكومة واستمرّ منطق المناكفة. ولمّا عاد ميقاتي رئيس حكومةٍ في العام 2011، وقف تيار المستقبل والحريري بكلّ ما يملكون من الدولة العميقة من أجل عرقلة حكومته".

لذا، "كنتُ ممن نظّر أننا سبق أن جربنا المناكفة خلال عقدين ونصف من الزمن، وأنّه حان الأوان لنعترف أننا نحتاج إلى محاولة بالتوافق". ولأنّ نصوص التسوية الرئاسية تقوم على بندين أساسيين، أولها أن يكون ميشال عون رئيسًا للجمهورية وثانيها أنّ يكون الحريري رئيسًا للحكومة خلال عهد عون، كان السؤال: "لماذا لا نعقد توافقًا مع الرئيس الحريري من أجل مصلحة طرابلس؟".

ولأنّ ثمّة نظرية أخرى تضع توافق الحريري – ميقاتي ضمن خانة "المصلحة الشخصية" لا المصلحة العامة للمدينة، في ظلّ حساسية الوضع الاقتصادي الذي يمرّ به البلد، يؤكد الشريف أنّ هذا التوافق يخضع لإمتحانٍ حساسٍ أمام الناس، و"من الضروري أن ينعكس إيجابًا على مصالحهم، حتّى يكرسوا اقتناعهم بجدواه، وإلّا سيأتي بنتائج عكسية وسلبية".

مرفأ ومنطقة اقتصادية
يشدد الشريف أنّ حصّة طرابلس من مخصصات مؤتمر سيدر، هي كما ذُكرت، 319.5 مليون دولار أميركي، مقابل ارتباط المدينة بمشاريع أساسية في الشمال. لكن، "يجب أن يُنظر إلى طرابلس بوصفها طرابلس الكبرى. مثلًا، تشغيل مطار القليعات، وتوليد الطاقة على الهواء في عكار، تستفيد منهما طرابلس حتمًا".

عمليًا، سبق لمرفأ طرابلس البحري أن نال قرض تمويل من البنك الكويتي الإسلامي بقيمة 86 مليون دولار. وقبل الحديث عن الشقّ السياسي المتعلق به والتعاون مع الجانب السوري، "لا بدّ من الانتهاء من مرحلة تحضير البنى التحية فيه، وتجهيزه وتدعيمه، حتّى يكون قادرًا أن يتحول إلى مرفأ إقليمي بارز إذا أحسنّا الأداء".

وفيما تختصر مخصصات سيدر على مشاريع متعلقة بالبنى التحتية، فإنها وفق الشرف لا تؤمن حاجة طرابلس لـ"الاستثمار" وضخّ الروح الاستثمارية فيها. لذا، "فإن مشروع عرقلة المنطقة الاقتصادية في طرابلس، من أجل منطقتين في البترون وصور، هو أسوأ ما يمكن أن يضرب طرابلس. وحتّى الآن، لا يوجد أي ضمانة على إلغاء المشروعين في البترون وصور، لأنّ اللجان المشتركة في مجلس النواب اكتفت بتأجيل البحث فيهما بعد شهرٍ ونصف بناءً على طلب الرئيس الحريري و تلبية لطلب الرئيس بري.

واقع طرابلس المأزوم، يتحمل المجلس البلدي، وفق الشريفـ، جزءًا كبيرًا من مسؤوليته، في ظلّ الخلافات القائمة واحتمال سحب الأعضاء ثقتهم من رئيس البلدية أحمد قمر الدين في حزيران المقبل. والواقع البلدي، لم يسعف إلى اتخاذ قراراتٍ حاسمة في المدينة، "تتعلق بأزمة النفايات وسوء الطرقات والسير ومشاريع البنى التحتية". ويرى الشريف أنّ ما تحتاجه طرابلس، يتعلق بثلاثة أمور أساسية إلى جانب تفعيل الدور البلدي:

  1. فرص عمل عن طريق مشاريع استثمارية، مرتبطة بشكل أساسي في تشغيل مرفأ طرابلس.
  2. اطلاق دورة العمل داخل المنطقة الاقتصادية الخاصة في طرابلس، ومن ثمّ ننتقل إلى مرحلة التفكير إن كنا نحتاج لمناطق اقتصادية أخرى.
  3. هناك مليون متر في معرض رشيد كرامي الدولي المعطل من العام 1962 شاغرة، يجب استثمارها في أمور منتجة بالتوافق مع الدولة لجهة الشراكة مع القطاع الخاص.