روبير غانم: عهد المعتدلين "القوي"

أورنيلا عنتر
الخميس   2019/02/14
كانت صفته: المرشح الدائم لرئاسة الجمهورية (علي علّوش)

ليس رحيل روبير غانم المفاجئ (10 شباط الحالي)، إلّا دليلا إضافيا على غياب الوجوه المسيحية المستقلّة، في ظل تصاعد نفوذ الأقطاب الأربعة ومحاولة احتكارها للتمثيل المسيحي. وكأن في رحيله هذا تأكيد على المؤكد.

إلى 14 آذار
يبدو غياب روبير غانم مفاجئًا، إذا ما قاربناه منفردًا، لكنه في المشهد العام، يأتي كامتداد لغياب ظاهرة زعماء المنطقة أو المدينة أو القضاء، أو النوّاب المتحدّرين من عائلات سياسيّة، وذلك مقابل هيمنة الأحزاب وإحكام قبضتها على السلطة وعلى الشعب. وفي هذا الأمر لا مذمّة ولا مديح.

هذا هو واقع الحال. تحت مظلة العهد الراهن، قد يتراءى للبعض أن "القوّة" طارئة. لكن روبير غانم كان قد نادى بضرورة تشكيل "قوّة المعتدلين"، معتبرًا أن هذا البلد "لا يمكن أن يتقدم ويتطور، ولن تعود كرامة الإنسان إلى المواطن، إلا بالاعتدال". وبالفعل، دار في فلك ما عٌرف حينها بتيّار الاعتدال بعد الـ2005 وانتمى لقوى 14 آذار.

لم ينجُ يومها من الأسئلة، حول علاقته بالنظام السوري التي اتّسمت، هي الأخرى، بالقوّة. كما لم ينجُ منها اليوم، عقب وفاته. فجاء آنذاك ردّه واضحًا لا يحمل التأويل: "أنا مع التغيير، وكنت قد أشرت في 2004 إلى أخطاء في العلاقة مع سوريا يجب أن تصحح". عبّر عن إيمانه بوجوب قيام علاقة مميزة وجيدة جدا مع سوريا، بحكم الجغرافيا، شرط ألّا تعيق هذه العلاقات قيام لبنان، حرًا سيدًا عربيًا مستقلًا، يقوم بدور أكبر عربياً ولا يُعامَل على أنّه قاصر. استعاد عندها روبير غانم سحنته.

المرشح الرئاسي
قبل الـ2005 وما بعدها، كان مرشحًا لرئاسة الجمهوريّة. في إحدى هذه المرّات، كان اسمه من بين أسماء القائمة، التي عرضها البطريرك مار نصر الله بطرس صفير على نبيه بري وسعد الحريري، في أزمة الرئاسة عام 2007، يوم لم تكن قد ارتبطت بعد الرئاسة الأولى بالـ"قوّة" وبالتمثيل، أو بالشارع حتى، أو بـ"حقوق المسيحيّين المهدورة".

ربما توحي صفة "المرشح الدائم لرئاسة الجمهورية" بأنّ الرجل لا طعم له ولا لون، فهو يصلح لكل المناسبات، لكل الأزمان. ممّا لا شك فيه أن روبير غانم كان، في مرحلة معيّنة، صديقًا للجميع. إلّا أنّ ما جعل منه مرشحا دائمًا للرئاسة الأولى، هو تموضعه ونظرة الآخرين له على أنّه مرشّح الاعتدال والحوار، وهما صفتان تصلحان بالفعل لكافّة الأزمان، أقلّه في بلد مثل لبنان، تكثر فيه المؤتمرات السياسية، وطاولات الحوار الوطنية، المستديرة منها وغير المستديرة.

المشرّع
صديق الجميع، كما فريد المكاري صديق للجميع مثلا، إنما مع فارق الصبغة القانونية التي رافقت غانم، وجعلت منه مشرّعًا، إضافة لكونه نائبًا، باعتبار أن كل مشرّع نائب بطبيعة الحال.. إنما ليس كلّ نائب مشرّع. فاز غانم بالمقعد الماروني في البقاع الغربي لخمس دورات متتالية، إمتدت على ما يزيد عن 25 سنة من دون إنقطاع. ترأس خلالها لجنة الإدارة والعدل في المجلس النيابي منذ العام 2005 وحتى العام 2018، فضلاً عن لجنة تحديث القوانين منذ سنوات عديدة، ولجان فرعية أخرى، أهمها لدراسة قانون الانتخابات واللامركزية الإدارية.

ساهم في تقديم اقتراحات القوانين، منها ما أقرّ ومنها ما زال قيد الدرس في اللجان، مثل اقتراح القانون المتعلق بمحاكمة الرؤساء والوزراء، واقتراح قانون بتعديل صلاحيات المحكمة العسكرية، واقتراح قانون بتنظيم الأحزاب السياسية، وغيرها.

مع غياب غانم، يفتقد لبنان مشرّعًا متميّزًا ومدافعًا شرسًا عن النصوص القانونية والدستورية. قرر عدم الترشح للانتخابات البرلمانية التي جرت في 6 أيار 2018 وذلك لإفساح المجال أمام وجوه جديدة في المجلس النيابي. وفي هذه الخطوة أيضًا، تأكيد على المؤكّد.