ماذا يوجد في تلفون ديما صادق؟

جهاد بزي
السبت   2019/12/07
دعوة إلى تقطيع أوصال الساحرة الشريرة ووقد النار فيها! (الأرشيف)

كان يمكن التغاضي عما جاء في خطبة إمام النبطية الفوقا (حي الضيعة) سماحة السيد محمود برجاوي (حفظه الله). أبو بكر البغدادي الصغير هذا مجرد أرعن مجهول تماماً، أخذته الحمية وهو واقف على المنبر، فبالغ قليلاً بعدما استنكر كيف يمكن لعميلة اسرائيلية مثل ديما صادق أن تطلب من حاج مؤمن استولى على هاتفها المسروق أن يشعر بالذنب لأنه اخترق خصوصيتها. ذُهل حفظه الله. لم يكن ينقصه، في خطبته العصماء، إلا أن يدعو المؤمنين الخجولين حيث حلوا إلى سرقة تلفونات الناس وأغراضهم الشخصية وحتى خطفهم وتعذيبهم كي يعترفوا بالعمالة. نحن، كما نعلم، نعيش في آخر الزمان. وكل من ليس منا، في ذهن السيد برجاوي، مشروع متآمر على البيئة الحاضنة ومشروع عميل صهيوني، إلى أن يثبت هاتف ديما العكس.

إسوة بنتفليكس 
الله، إن حفظ شيئا لهذا الشيخ، فقد حفظ له بلاهته، نقية من أي شوائب. فهو، وبينما يطلق حكمه بصلب ديما أو نفيها إلى جزيرة بعيدة، لتكمل حياتها تحت شجرة جوز الهند وحيدة مع ذنوبها، التبست عليه الآية نفسها التي لجأ إليها لتبرير إقامة الحد، فلم يعرف أول الآية من منتصفها من نهايتها، وأقل ما كان مطلوباً منه في حياته هو أن يقرأ هذا الكتاب. وكل ما كان عليه فعله، ما دام يعرف أنه سيستخدم الآية في خطبته، أن يكتبها على راحة يده مثلاً، أسوة بأي كسول في هذا العالم، يملك حداً أدنى من ذكاء التلاميذ الكسالى. ومهارتهم في التحايل.

كان يمكن التغاضي عن كلامه. لكن ما قيل قد قيل في دار عبادة يؤمه صغار وكبار. ينبغي والحال هذه، أن تصنف هذه الأماكن وفقاً لما قد يحكى فيها بناء على من يحكي فيها، أسوة بنتفليكس مثلا. أن يوضع على أبوابها: لا ينصح بها لمن هم تحت 18، أو للراشدين فقط، أو بحاجة إلى ارشاد عائلي، كأقل الإيمان. لا يمكن ترك الأمور على غاربها على مساحة البلد المنهك. ثمة أجيال تنمو، ومن الممكن أن تتقاطع حياتها مع أشخاص مثل برجاوي وسامي خضرا. هذه الأجيال يجب منعها عما يعرضها للخطر، ليس التدخين فقط هو الذي يقتل.

هستيريا جماعية
برجاوي ليس الوحيد الذي يطالب بقتل ديما، أو تقطيع أوصالها من خلاف. ليس الوحيد الذي يتهمها بأنها عميلة للعدو. ليس الوحيد الذي يتهمها بالعهر والفجور. إنه واحد من آلاف الذين يستيقظون في كل صباح ومهمتهم الوحيدة أن يشتموا ديما صادق ويعيبوا عليها وجودها. لكن فيديو السيد برجاوي دفع المخيلة الجماعية إلى حفل دم مرعب تقطع فيه أوصال الساحرة الشريرة وتوقد فيها النار. ذكرنا بالانتاجات السينمائية لتنظيم داعش، وإن كانت المؤثرات المضافة إلى الفيديو من موسيقى تصويرية وصدى صوت بدائية حد التخلف مقارنة بانتاجات التنظيم المخيف. حفل مخيف لن يوافق عليه حتى الجالسون في مسجد النبطية الفوقا. اللبنانيون لا يعيشون في كهوف أسامة بن لادن، لكن لغة بعضهم عادت إلى هناك.

الفيديو مساهمة متطرفة من رجل بسيط في هستيريا جماعية تريد أن تعرف ماذا يوجد في تلفون ديما صادق. هستيريا تمضي بين حدين، أولهما التلصص على حياتها الشخصية، وأقصاها اكتشاف المؤامرة التي تحيكها إسرائيل منذ أعوام على بيئتي المقاومة وجبران باسيل والتي انطلقت ديما في تنفيذها في 17 تشرين الأول من خلال التلفون. هستيريا جماعية معتوهة، نجومها بضعة متنمرين على تويتر (لا وصف أدق لهم، عذراً على الكليشيه) ومريض بدزينة متنوعة من أشكال الرهاب مثل شربل خليل، وكائن ملتبس، التباس الآية على حفظه الله، مثل جوزف أبو فاضل. هستيريا مضحكة لولا أنها مركزة على امرأة تقول رأيها.

لندع برجاوي وأشباهه جانباً، ونضع معهم تلفون ديما يجربون في شيفرته السرية إلى أن يضجروا. ليس فيهم (ومن ضمنهم التلفون) ما يستحق الاهتمام. السؤال ليس في ما يوجد في تلفون ديما صادق. السؤال الأول الذي يوجه إلى أي امرأة ضحية دائما، هو عما فعلته؟ ما الذي فعلته ديما كي تستحق كل هذا؟

العشق والهيام 
بدايةً، هي شابة وميسورة وجميلة في آن. عيوب هائلة في نظر ثقافويي بيروت ومنظريها ومناضليها الممانعين الأشاوس. عيوب في أي امرأة تريد احتراف أي مهنة، من السياسة إلى الإعلام. قبل ذلك، هي امرأة شيعية من الجنوب، الأسوأ من هذا، أنها فخورة بهذا الانتماء الذي لا يد لها فيها، أنها امرأة وأنها شيعية وأنها من الجنوب. ما قررت أن تكونه هو أنها عروبية. وأن تكون عروبية، فمعناه أن تكون مع القضية الفلسطينية أولاً، وأن تدافع عن هذه القضية في خليط أيديولوجي مثل الجامعة اليسوعية. أن تكون عروبية فمعناها أن تكون مع المقاومة ضد إسرائيل، لا فرق إن كانت جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية (جمول)، أو المقاومة الإسلامية كما سماها حزب الله لاحقاً، ما دام الفعل هو نفسه، مقاومة المحتل الإسرائيلي. أن تكون ديما عروبية فهي ضد إسرائيل حكماً. لن يغير في هذا العداء لإسرائيل شيئاً، إن قررت أنها ضد زين العابدين بن علي، ضد حسني مبارك، ضد معمر القذافي، ضد محمد مرسي وعبد الفتاح السيسي من بعده.. ضد السعودية في اليمن وضد السعودية في البحرين. ضد الطغاة العرب أينما حلوا، ضد (من!) بشار الأسد وضد (من!) المرشد الأعلى للثورة الإسلامية الأمام القائد علي الخامنئي حفظه الله هو أيضاً، أو حتى ضد (من!) ثنائي العشق والهيام، الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، والرئيس ميشال عون.

الحاج "القوي"
وصولاً إلى إقامة الحد عليها، تُشتم ديما صادق على مدار الساعة. ليس أنها تخطت خطوطاً حمراء. ليس أنها شتمت سياسياً. ليس أنها تبرأت من الطائفة الشيعية أو من قائدها الأعلى. ليس أنها قللت من احترام قائد الطائفة الأعلى. ليس أنها قالت يوماً ما يمكن تصنيفه بأنه عنصري أو طائفي. قالت رأيها كما هو، وبسبب رأيها، كامرأة أولاً، وكجنوبية مرتدة ثانياً، رُجِمت وتُرجم.

ماذا فعلت ديما صادق كي تستحق كل هذا؟ لم تفعل شيئاً غير رأيها الذي يشاركها فيه كثيرون ممن يشبهونها. لكنها أكثر من يزعجهم على ما يبدو. لذا يخوضون حربهم ضدها وحدها، متسلحين بالظن بأنها امرأة وأنها ضعيفة. لكنها ليست ضعيفة على ما يبدو. والدليل هو هذه الهستيريا بتلفونها الذي استولى عليه الحاج، أقوى حاج في الجمهورية اللبنانية كما سمته.

أن يسامح الله الحاج المتلصص على الهاتف، أو الشيخ أبو بكر البرجاوي، فلحكمة عنده. لكن لا شك أن الله ليس لديه مشاعر ضد ديما صادق تحديداً. وعليه، حفظ الله ديما صادق.