معتصمو الرينغ ووعّاظ الممانعة

وليد حسين
الخميس   2019/12/05
الرينغ يتحول نقطة اشتباك دائم مع السلطة (المدن)
بعد ليلة قمع القوى الأمنية العنيف الذي تعرض له المعتصمون على جسر الرينغ، واستمر حتى فجر الأربعاء 4 كانون الأول الجاري، توالت الدعوات لتعطيل السير على الجسر في الرابعة والنصف بعد ظهر الأربعاء نفسه.

حتى الخامسة والنصف بدا المشهد هزيلاً، على مستوى تلقف الناس الدعوة التي اعتبرت أن قطع الطرق هو عمل الانتفاضة المباشر، الضروري والأنجح، والمؤلم للتركيبة السلطوية الحاكمة. مجموعة صغيرة من الناشطين والناشطات حضرت إلى الجسر.

يوم للانتحار
ثلاث فتيات وقفن متقاربات وسط الجسر، وصامتات وبلا حركة تقريباً، رفعن لافتات كرتونية كتب عليها "كم انتحار بعد بدكن؟" و"لم ينتحر، قتل بسبب الفاسدين، ويا زعران قتلتونا وقتلتوا البلد". وهكذا قلنا - نحن من نجول بين المتحلقين على الرصيف بين الناشطين - إنها وقفة احتجاجية على مصير المنتحرين الذين توالت أخبار عن ثلاثة منهم في النهار، ودافعهم إلى الانتحار سوء الأحوال المعيشية، وعدم القدرة على تلبية حاجات أساسية للأسرة.

فتيات أخريات انشغلن بكتابة شعارات عن الانتحار أيضاً على لافتات أحضرنها معهن. تزايد العدد بعد أقل من نصف ساعة. وفجأة قفزت مجموعة إلى وسط الشارع هاتفة: ثورة، ثورة، ثورة. بعد دقائق تدخلت قوات مكافحة الشغب لفتح الطريق، فيما احتشد المتظاهرون في وسطها وأقفلوها عملياً على خط واحد عند مثلث برج الغزال.

إرشاد ممانع
استطاعت القوى الأمنية الإحاطة بالمتظاهرين، وإزاحتهم جانباً. وسرعان ما حضرت مجموعات من "الممانعة" التي "زرعت" في ساحتي رياض الصلح والشهداء، وبدأ شبانها بحملة "نشر الوعي المواطني" بين المتظاهرين، طالبين منهم التوجه إلى الاعتصام أمام وزارة الداخلية، وغيرها من الوزارات، على اعتبار أن قطع الرينغ يذكر بالحرب الأهلية، ويؤذي المواطنين والثورة. بعضهم راح ينشر "وعيه" بغضب وحنق متهماً المتجمهرين بأنهم أغبياء وحوش. وراح موتور في المجموعة يكيل الشتائم للمتظاهرين، فيما هو يغادر غاضباً، لأنهم لم يسمعوا "نداء" ثورته النظيفة. وقد يكون سبب غضبه أن المتظاهرين لم يستجيبوا استفزازاته التي كان يريد أن تؤدي إلى شجار تخريبي عنيف.  

وعندما تعالت هتافات المتظاهرين قوية، مصرين على الخروج من دائرة الحصار الأمني، انزوت تلك المجموعة "الثورية الممانعة" من دون أن تتمكن من الوصول إلى مبتغاها. ووقف أنفارها الذين تخطى عددهم العشرين شخصاً في زاوية يتفرجون على المتظاهرين وسط الطريق، كأنهم يتحينون الفرصة للانقضاض عليهم إسوة بعناصر بمكافحة الشغب.

مسيرات جديدة
لاحقاً انضمت إلى المتظاهرين مسيرة أتت من ناحية بشارة الخوري، فازداد عددهم وانطلقوا إلى وسط الشارع من جديد، رداً منهم على استخفاف السلطة بمطالبهم. كان التحدي واضحاً على الوجوه، ليس على السلطة وحدها، بل لكل من نظّر لعدم قطع الطرق. وراحوا يهتفون بأعلى صوتهم: "ارحل ارحل ميشال عون، وفل فل فل منك بي الكل". واستعادوا هتاف هيلا هيلا هو، جبران باسيل (...)" بأعلى صوتهم.

ولعل ما يحصل من غلاء في أسعار السلع الأساسية، ومن فلتان في السوق، وحجز المصارف على أموال المواطنين والموظفين، يشرح هذا الغضب الذي بدا على وجوه المتظاهرين في هذا المشهد.

موظفة في وزارة العدل، لم تتمكن من قبض راتبها ولا حتى جزء منه، إذ قال لها موظف المصرف إنهم أقفلوا اليوم علماً أن الساعة لم تكن قد بلغت الواحدة والنصف. وصرخت المرأة محتجة على هذه الفضيحة، وبدأ الخوف على وجهها من سرقة تعبها، كما قالت. أحاديث بين الناس عن استخفاف السلطة في التعاطي مع الانهيار. البعض انطلقوا في مسيرة تحريضية في شوارع بيروت. وهناك مجموعات تدعو لإقفال البلد حتى إسقاط كل شيء. ومجموعة يسارية تأتي من رياض الصلح وتخترق المتظاهرين وتنطلق في اتجاه وزارة الداخلية. فوضى تعبر عن الفوضى الحاصلة في البلد.

لكن الاعتصام استمر وزاد عدد المعتصمين وفاق الألف شخص.