ضد باسيل طبعاً.. وضد الحريري أيضاً

يوسف بزي
الخميس   2019/12/26
في العام 2018 قال الحريري: من يحبني فليصوّت لجبران باسيل (عباس سلمان)

في الرابع والعشرين من كانون الأول 2019، اكتشف سعد الحريري أن جبران باسيل عنصري وطائفي. وفي اليوم ذاته أيضاً كشف الحريري أن باسيل نفسه هو الذي يشكّل الحكومة.

بالطبع، يمكننا هنا أن نضحك. لقد قرر الحريري بعد ضياع "رئاسة الحكومة" منه أن يقول الحقيقة.. لكن متأخراً لسنوات. كأن الحقيقة هكذا تُعلن أو تكتم حسب مزاجه، ووفق مصلحته. أو كأن المواطنين لا يدركونها وكانوا قاعدين هامدين حائرين بانتظار أن ينطق بها! حقاً إنه يلعب بزهرة المارغريت كما قال عنه اللاعب بالمدفعية الرئيس ميشال عون.  

قال سعد الحريري أموراً أخرى عن ميشال عون وحسان دياب و"الثنائي" الشيعي وبقية الزمرة التي هو منها، وتقود البلد وطوائفه بـ"دمها الذي يغلي".

والحق أن بوح الحريري راق لنا كثيراً، واستحسنا تخليه عن التحفظ في التعبير. لكن وبصراحة مشابهة لـ"صراحته"، لم نشعر بأي تعاطف تجاهه ولا أحسسنا بظلم لحق به. بل والأصح شعرنا أنه يستغبينا، "يبلفنا" إذ يعود إلى حيلته القديمة: استدرار تعاطفنا إذ هو يتقمص دور المضطَهَد.

يشبه سلوك الحريري التلميذ الذي يحرص على الانضمام لعصبة اللاعبين المشاغبين الأقوياء في الملعب أو في الصف، لكنه أيضاً هو الذي يحرص عندما يحضر الناظر أن يتنحى بعيداً عن تلك العصبة ويكون أول الواشين برفاقه، متقمصاً دور الشاطر المهذب واللطيف بسلوكه الحسن.

قد تنجح هذه الحيلة عشر مرات، عشرين مرة. قد يصدقه الناظر طوال هذا الوقت، وقد يغفر له أصحابه هذا السلوك المنحرف ويستوعبونه مراراً وتكراراً. لكن بالطبع، لن يدوم هذا إلى الأبد. سيأتي يوم ويجتمع عليه الناظر وكل من في الملعب ويعاقبونه على نحو شنيع.

ما عادت تنفع العيون المغرورقة بالدموع، ولا حشرجة الصوت المقهور، ولا عبارات الحسرة والعتب. لقد فقدت كل هذه الحيل السياسية جدواها. ابتذلها الحريري كثيراً. أما ظنه أن ضديتنا لجبران باسيل وميشال عون وحسن نصرالله ونبيه برّي وبقية الشرسين والملاعين، هي تلقائياً رصيد له وذخيرة يستعملها كما يشاء.. فهذا ظن يقارب الإثم، لأنه قائم على اعتقاده بانخداعنا أنه ليس شريكهم ولا متورطاً معهم ولا مخطئاً مثلهم.

الحريري استغبانا كثيراً. ثمة عطب قديم في "السياسي" بشخصية سعد الحريري. عطب يجعله مواظباً على ارتكاب الخطايا ذاتها: الظن أن الناس أغبياء وحمقى وبلا ذاكرة. الظن أننا واقعون في حبه إلى حد إدماننا على مسامحته كلما ارتكب فاحشة سياسية.

عطب الحريري عدم قدرته على التمييز بين كلمتي "حليف" و"موظف". والأسوأ، ظنه أن الموظف لا تضيره المهانة. والأدهى في معضلة الحريري أن تصوره للمواطنين اللبنانيين أقرب إلى صورة الناخب الأبله، الوفي، الذي يستجيب لنداء الحريري: من يحبني فليصوّت لجبران باسيل (2018). هل تذكرون؟

عاشر الحريري كل الرهط السياسي الفاسد والمتسلط والكاذب و"العنصري والطائفي" 14 عاماً، وليس فقط أربعين يوماً (على ما يقول العرب في العشرة) فبات منهم وعلى شاكلتهم. أما أن يكون أضعفهم و"المسكين" فيهم فلا يمنحه هذا البراءة التي يدعيها.

الشجار المندلع بين عون – باسيل والحريري بكل ما فيه من تفضيح متبادل و"جرصة" وتلاعب بالحقائق وتحريض مذهبي طائفي مكشوف.. يؤكد لنا مجدداً نصاعة تلك العبارة السحرية: "كلن يعني كلن"، بوصفها هي الحقيقة السياسية الوحيدة في لبنان.