إسقاط النظام.. منعاً للحرب الأهلية؟!

يوسف بزي
الثلاثاء   2019/12/17
أركان السلطة الأساسيين أجهزوا على "جمهورية الطائف" (دالاتي ونهرا)

يجب الاعتراف أن ميشال عون حقق انتقامه من الطائف. عهده هو النهاية البائسة لـ"الجمهورية الثانية" المضطربة. بل يمكن القول أن تاريخ الهزائم لهذا "الجنرال" في سلسلة حروبه، متوّج اليوم بانتصار نوعي. أخيراً فعلها وحقق رغبته بالقضاء المبرم على النظام.

رغبة ميشال عون ليست شخصية، إنها عقيدة سياسية ترفض مغادرة فكرة ماضوية، متخيلة وغير متحققة عن "الجمهورية الأولى". بهذا المعنى، هي حركة رجعية مدمِّرة. الحلم الجميل بلبنان الذي يتصوره أتباع هذه العقيدة هو أقصر طريق إلى الكارثة. حدث ذلك مراراً منذ العام 1975، ولم يتعظوا.

لسوء الحظ، تقاطع الحلم العوني مع مشروع حزب الله. فالأخير لديه أيضاً عقيدة سياسية لا تأسف على الجمهورية الأولى ولا تبالي بالجمهورية الثانية.. وما يهم الحزب هو تكييف هذا الـ"لبنان" بما يقدمه من امتيازات وتسهيلات وفوائد لتحقيق غاياته كأيديولوجيا محاربة تتجاوز الحدود والكيانات الوطنية. وعلى هذا، استنفد الحزب قدرات لبنان الدولة والمجتمع والاقتصاد، بعدما تحول الحزب إلى دويلة تلتهم الدولة وتستنزف الكيان.

في المقابل، أضحى اتفاق الطائف نفسه سيئاً، روحاً ونصاً وتطبيقاً. ما كان يصلح عام 1989 لم يعد مقبولاً عام 2019. ما بقي من الطائف عملياً هو شخص الرئيس نبيه برّي. ووفق "الكلام المباح" هنا، لا يسعنا مع برّي تخيل المستقبل الذي نشتهيه. فهذا الرئيس المؤبد للبرلمان مثال حيّ على عدائية الماضي لتغيرات الغد. استبسال عنيد ضد الزمن. المآل التي انتهت إليه سمعته العامة أرجعته إلى صورته الأولى في منتصف الثمانينات على نحو مخجل.

بقيت أمامنا الحريرية السياسية. الانحياز لها ما بين العام 2004، تاريخ انضمام رفيق الحريري إلى المعارضة الوطنية، وحتى العام 2009، تاريخ زيارة سعد الحريري إلى دمشق، كان بالنسبة للكثيرين منا صواباً سياسياً وأخلاقياً و"ضرورة وطنية". بعد ذلك، اتجهت الحريرية إلى هواية تكديس الخطايا.. والخيانات. قايضت بقاءها في السلطة بتسليم المصير والكيان إلى أعدائها تحديداً. التذرع بالضعف والهزيمة تحول إلى "عدّة" نصب واحتيال سياسيين.

الأسوأ من ذلك، أن سياسة "الحريرية" تقوم أساساً على النجاعة الاقتصادية. هذه الأخيرة إن كانت فعالة في التسعينات، وحتى العام 2008، رغم الشراكة الباهظة مع مافيا النظام السوري ومافيا أمراء الحرب وكلفة حروب حزب الله، فإن شروطها العربية والدولية والمحلية انتفت منذ العام 2011. فعدا عن أن رهان الحريرية على مسار مختلف لدول المنطقة قد سقط، فإن النمط الاقتصادي المتبع بات فاسداً أو عديم الصلاحية.

يمكن إضافة عامل آخر في تهافت الحريرية، هو شراسة خصومها، أو بالأحرى منسوب الشر الذي يستطيعونه. الحريرية كثيرة الخطايا وضحية في آن معاً.

نستخلص من هذا كله، أن أركان السلطة الأساسيين قد أجهزوا على "جمهورية الطائف". وإذا جاز لنا عدم التأسف على ذلك، فالأحرى بنا الارتعاب من إنكار أهل السلطة أي حاجة لنظام جديد. فهذا الإنكار هو أقصر الطرق لتفشي الفوضى وانحلال الدولة وتفسخ الرابطة الوطنية.. وربما التسبب المتعمد لحرب أهلية.

لذا، باتت السلطة خطراً فعلياً على اللبنانيين.. وهذا أهم سبب كي نأخذ الثورة إلى تطرفها الأخير: إسقاط السلطة بكل رموزها.