الاجتماع الدولي في باريس لدعم لبنان.. فارغ المضمون

حسن مراد
الخميس   2019/12/12
اقتصر عدد المتظاهرين على العشرات (المدن)
بعيداً عن وسائل الإعلام، انعقد في مقر وزارة الخارجية الفرنسية اجتماع دولي لدعم لبنان، دعت إليه فرنسا بحضور ممثلين عن الدولة اللبنانية إلى جانب وفود من عدة بلدان.

وفقاً لنص الدعوة، الهدف من الاجتماع هو الحفاظ على استقرار لبنان، من خلال توفير ما يلزم من المساعدة على المستوى الاقتصادي، إلا أن ما نتج عن الاجتماع لم يكن واضح المعالم. إذ اكتفى وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان، في كلمته أمام المشاركين، بالتشديد على ضرورة تشكيل حكومة فعالة تلبي تطلعات اللبنانيين في الإصلاح المنشود، من دون التطرق إلى شكل هذه المساعدة. يضاف إلى ذلك، عدم منح اعتمادات صحافية لوسائل الإعلام، ومستوى التمثيل المتدني للوفود المشاركة. ما يدفع للاعتقاد أن الغاية من الاجتماع توفير دعم سياسي لأطراف داخلية، تمهيداً لإعادة تعويمها في المستقبل القريب، وليس الوصول إلى نتائج ملموسة. خصوصاً وأنه أعيد التذكير بضرورة السير بما اتفق عليه في مؤتمر سيدر العام الماضي.

الجالية اللبنانية تتظاهر
وقد تابعت الجالية اللبنانية مجريات الاجتماع باهتمام شديد، فما إن تم الإعلان عن انعقاده، وقبل الإفصاح عن تفاصيل المكان والزمان (إذ تضاربت المعلومات بين الإليزيه ومقر وزارة الخارجية)، وجهت عدة مجموعات لبنانية دعوات للتأهب تمهيداً للاعتصام على مقربة من مكان الاجتماع، وفي توقيت انعقاده. 

على المستوى الشكلي، اعتبر أبناء الجالية اللبنانية في فرنسا أن الاجتماع بمثابة تدخل في الشؤون اللبنانية لصالح أطراف داخلية مشاركة في السلطة. أما على صعيد المضمون، فأكد اللبنانيون على انعدام ثقتهم بالمنظومة الحاكمة وتوجهاتها الاقتصادية. ما يعني أن الاجتماع سيؤدي بنظرهم إلى تكبيد لبنان أعباء إضافية، بعدما اثبتت السلطة السياسية عدم مسؤوليتها في إدارة المال العام.  

وكان لافتاً الحضور الكثيف لمختلف وسائل الإعلام المرئية، اللبنانية والعربية، لتغطية التظاهرة، ربما تعويضاً عن منعها من تغطية فعاليات الاجتماع. بالمقابل اقتصر عدد المتظاهرين على العشرات لسببين اثنين: أولاً، تزامن توقيت الدعوة مع ساعات العمل اليومية. وثانياً، شلل شبكة النقل العام بفعل الإضراب الذي تعرفه فرنسا، على خلفية المشروع الحكومي لإصلاح نظام التقاعد. وقد رفعت خلال التظاهرة شعارات حملت مسؤولية تردي الأوضاع الاقتصادية إلى مجمل القوى السياسية المشاركة في السلطة، داعين إلى عدم منح لبنان أي قروض حتى لا تذهب إلى جيوب الفاسدين.

أما على صعيد الهتافات فقد برز هتاف جديد ولافت لإحدى المتظاهرات، هتاف مزج بين العربية والفرنسية لانتقاد سياسة ماكرون تجاه لبنان فلاقى استحسانا كبيراً حتى رددته مرات عدة.


يافطة جورج عبدالله
وقد شهد الاعتصام إشكالا على خلفية رفع يافطة تطالب بإطلاق سراح جورج إبراهيم عبدالله من السجون الفرنسية، فاعتبر بعض الحضور أنها لا تنسجم مع أهداف التظاهرة، فيما اعتبرت صاحبتها أن من حقها رفع ما تشاء من شعارات، مضيفةً أن قضية عبدالله لا تنفصل عن مبادئ الثورة، التي تطالب بدولة قانون ومؤسسات تهتم بمتابعة مصير أبنائها، خصوصاً وأن عبدالله أنهى مدة محكوميته. ما يعني أن استمرار سجنه هو لأسباب سياسية من دون أدنى اكتراث من الدولة اللبنانية.

تطور الإشكال عندما سارع المعترضون على اليافطة لممارسة عنف جسدي ولفظي حاد، فلم يتوانوا عن محاولة تمزيقها، وضرب المتظاهرة ومن ساندها، إلى جانب سيل من الألفاظ النابية والذكورية، رافضين التجاوب مع مبادرة الطرف الآخر لشرح وجهة نظرهم بعقلانية وهدوء ما استدعى تدخل الشرطة الفرنسية.



مسؤولية مضاعفة
رغم ضحالة ما نتج عن الاجتماع والحضور المتواضع في الاعتصام كما الإشكال الذي تخلله، إلا أن ذلك لا يلغي أن الاجتماع الدولي أعاد شيئاً من الحيوية في أوساط الجالية اللبنانية. إذ شعروا وللمرة الأولى أن دورهم يمكن أن يتعدى مجرد أن يكونوا امتداداً لأبناء وطنهم.

أياً تكن نتائج الاجتماع، لمس أبناء الجالية اللبنانية في فرنسا أنهم يقطنون في بلد يتبنى توجهاً يتناقض مع رؤيتهم لمستقبل بلدهم الأم، ما يضع على كاهلهم مسؤولية مضاعفة.